الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

«الفقر المدقع .. وتأثيراته على النفس والسلوك»

صورة

د. محمد عبد الكريم الشوبكي - فقير ومعدم ..و..!
الإنسان الفقير المعدم يعيش في مكنونات نفسية مختلفة خاصة وخطيرة، فهو يشعر بفقدان طعم الحياة, وانه أصبح شيئا او وسيلة مستخدمة من قبل الآخرين, وانه عبئ على الآخرين, و ان إنسانيته قد تلاشت, ولا كرامة له: يعيش البؤس بكل أطيافه، انه مستباح نفسيا وجسديا , وبهذه الحالة فان الانسان في هكذا وضعية قد يتجرد من كل القيم والمبادئ , والأعراف , والتقاليد , فمطلبه الاساسي السعي لتوفير لقمة العيش له و لأولاده بأي وسيلة. ومن هنا تأتي الأمثال الشعبية «الموت افضل من الحياة», «نحن والأموات سواء», «عايشين من قلة الموت»

تشير تقارير الإحصائيات العالمية وكذلك منظمة اليونسكو ان اقل من (20%) من البشر في العالم المعاصر يسيطرون على اكثر من (80% ) من ثروات الكرة الأرضية . و يورد تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2002 ان العالم العربي يعيش في حالة من انخفاض الإنتاج الكلي لعناصر الإنتاج بشكل مستمر ومتصاعد خاصة في العقدين السابقين , وان اقل من 10 % من شعوب المنطقة تعيش ضمن إطار الحياة الكريمة متوسطة الدرجة , والبقية (90%) دون خط الفقر, أي دون خط احترام الانسان وتوفير الحياة الكريمة , و ان الفقر يتصاعد مشكلا تهديدا صارخا للوجود الإنساني و أمنه ,ومن ثم امن المجتمع والعالم تلك هي مأساة البشرية .

 البحث عن المصير والآمال 
 ان الانسان يتميز عن بقية الكائنات الحية الاخرى بظهوره على السجل الوراثي المخلوق له , فهو يتعدى ذلك بالبحث عن المصير والآمال وتغيير نمط حياته الى الأفضل . فهو في ديمومة السعي, والتدبر , و المجابهة و الصراع مع الحياة لتحقيق ذاته. ذلك ان تحقيق الذات يتربع على قمة الوجود الإنساني , ولا يتوقف ذلك عند القدرة على الاكتساب لتحقيق أساسيات حياته من مآكل ومشرب ومسكن و شؤونه الصحية , بل يتعداه الى الارتقاء الى ترفيه ذاته في جميع جوانب الحياة على المستوى الاجتماعي , والاقتصادي, والعلمي , والأكاديمي, والنفسي.
 وكما تؤكد الابحاث فان الفقر يؤثر على الصحة النفسية خاصة إحداث او تعزيز الاكتئاب والقلق , واضطراب العلاقات الاجتماعية , و تدني القدرة على التكيف مع الحياة , واضطراب الهوية الذاتية , وتدني معاني القيم والمبادئ و الأهداف الحياتية , و اللجوء الى المخدرات , والأعراض الجسدية النفسية , وزيادة في حصول الامراض الجسدية .

دون خط الفقر 
ان الفقر الشديد ( المدقع ) او ما يسمى دون خط الفقر يؤدي الى انهيار القيم والخلق والمٌثل الإنسانية , و يسحب كثيرا من رصيد الاحترام والكرامة للفقير الشريف المتعفف إذا استدام الحال او اشتد, يفقد حينئذ هذا الانسان الشريف معاني الكرامة والإنسانية والوجود .
والحديث هنا بصدد تلك الفئة التي تعاني من الحرمان من الحياة الكريمة على مختلف النواحي , من مستوى التعليم , والثقافة , والصحه النفسية والبدنية , والمكانة الاجتماعية , وبالتالي هلاك الحياة النفسية والاجتماعية ,وفقدان المناعة الخُلقية موصلة الانسان الى حالة من الكفر بالذات والنقمة عليها , وعلى الأبناء والعائلة ,والمجتمع ,ومن ثم تصدّع الأمن الاجتماعي .

 إنسانيته قد تلاشت
 فالإنسان الفقير المعدم يعيش في مكنونات نفسية مختلفة خاصة وخطيرة. فهو يشعر بفقدان طعم الحياة , وانه أصبح شيئا او وسيلة مستخدمة من قبل الآخرين , وانه عبء على الآخرين .... ,و ان إنسانيته قد تلاشت ..... , ولا كرامة له ..... يعيش البؤس بكل أطيافه ..... انه مستباح نفسيا وجسديا , وبهذه الحالة فان الانسان في هكذا وضعية قد يتجرد من كل القيم والمبادئ , والأعراف , والتقاليد , فمطلبه الاساسي السعي لتوفير لقمة العيش له و لأولاده بأي وسيلة . ومن هنا تأتي الأمثال الشعبية « الموت افضل من الحياة « , « نحن والأموات سواء « , « عايشين من قلة الموت « 
 و من هنا تتسرب الجريمة ايضا خاصة السرقة , والقتل , وتجارة الجنس , والمخدرات , والاعضاء البشرية , والقتل , والتصدع الأسري , والعنف , والتشرد , وتسيب الأطفال , والهجرات غير الشرعية عبر الحدود البرية والبحرية , وهذا يشكل اعتداءاً صارخا على قيم الانسان وأخلاقه , فتتلاشى كل معاني الشرف والكرامة الإنسانية ليصبح الانسان متعري أمام الحياة .
فالفقير المعدم يسعى للحصول على الممكن و المستطاع بأي وسيلة. لا مشاريع لديه , و لا طموحات , فهو يعاني من انحدار أخلاقي خاصة في عصرنا المتميز بتسارع التنافس والتهافت الاقتصادي , وغلبة قطعية النظرة المادية البحتة مع زيادة كلفة المعيشة . فهو يتربص فقط للكسب وكل شيء مستباح في ذهنيته»: العنف , السرقة , الاحتيال , و التصرف بالجسد وحرماته ويصبح الانسان في هذا الحال كالقنبلة الموقوتة أتون العنف .

سلوك الفقير المعدم 
وبقدر الرؤى الذاتية انه قد استبيحت حياته بقدر عزمه على استباحة الآخرين ( تلك هي أليه التماهي النفسية التي تسيّر سلوك الفقير المعدم ) فالعنف الناجم عن الفقر المدقع اشد وطأة وأكثر تهديدا لأمن المجتمع , انه صارخ وبلا حدود , لا رادع له , ويظهر ذلك من خلال السلوك الإرهابي , وفي الحروب الأهلية و العرقية , أنهم يدمرون ويخربون, ويقتلون بتشف لإشباع رغباتهم النفسية من خلال الية التماهي .
أنهم يرون أنفسهم البؤساء , المحرومون من نوعية الحياة الكريمة , والتعليم , والمأكل , والمسكن , والمشاركة الاجتماعية , وتؤدي بهم هذه الحالة النفسية الى الغرق في أحلام اليقظة , و الخيالات , و الأكاذيب , و الأساطير كنوع من التعويض مما يعانوه من خواء نفسي ، أنهم أناس يعيشون حياتهم الممتعة في الخيال لا على ارض الواقع , و يحملون كل الحقد على الحياة والآخرين والذات ايضا .انهم المتفرجون بكل الوان التعاسة على شاطئ الحياة.
وهم بنفس الوقت يعرضون على القنوات الفضائية , والانترنت , والصحف بهياكلهم العظمية , و تهافتهم لشرب المياه العادمة , وتناولنا فتات الطعام و لا يتحرك للإنسان المقتدر « والمترف « الا الأحاسيس العاطفية , ويسارع متشدقوا حقوق الانسان , والجمعيات الخيرية الإنسانية بالكلام فقط ,أليس في ذلك انسلاخ عن الإنسانية ..؟ في الوقت الذي تتفق فيه المليارات على جمعيات رعاية الحيوانات , والالعاب الرياضية ككأس العالم ..؟
وفي هذا الصدد يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
« يا بني استعذ بالله من الفقر،فإنه منقصة للدين وداعية للمقت ومدهشة للعقل 
يا بني مارست كل شيء فغلبته ، ومارست الفقر فغلبني لأني إن أذعته فضحني وإن كتمته قتلني ، فكاد الفقر أن يكون كفرا.. ، الفقر يخرس الفطن عن حجته .....والله لو كان الفقر رجلا لقتلته « .

أكلت الحنظل , وذقت الصبر 
وقال النعمان لابنه :
«يا بني أكلت الحنظل , وذقت الصبر فلم أر شيئاً أمّر من الفقر , فان افتقرت فلا تحدث به الناس كيلا ينتقضوك»
وقال ابن الاحنف :
« يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه ابوابها , وتراه مبغوضا وليس بمذنب , ويرى العداوة لايرى اسبابها , حتى الكلاب اذا رات ذا ثروة خضعت لديه وحركت اذنابها واذا رات فقيراً عابراً نبحت عليه وكشرت انيابها «

مستشار الأمراض النفسية والعصبية
www.dralshobaki.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com