الخميس، 29 نوفمبر 2012

سينما المخرج التشيكي جيري مينزل .. مفردات الدعابة والألم

صورة

ناجح حسن - تتأتى سمة افلام المخرج التشيكي جيري مينزل من تلك الاسلوبية الفطنة التي يعمل عليها هذا المبدع السينمائي، والتي غالبا ما تتمحور حول التداعيات السياسية المطعمة بمواقف الكوميديا والدعابة السوداء المؤثرة على مصائر شخوص افلامه، فضلا عن أن بعض أفلامه مستقى من مصادر أدبية وثيقة الصلة بموروثه الثقافي والاجتماعي والسياسي.

رؤى وأفكار
حديثا، اتيحت الفرصة للجمهور المحلي بالاطلاع على نماذج من سينما هذا المبدع، من خلال احتفالية خاصة لعدد من ابرز افلامه، عرضت في مقر الهيئة الملكية الاردنية للافلام، بوصفه احد ابرز قامات السينما العالمية الذين اثروا السينما بالوان من الرؤى والافكار التي غدت تنهل منها مدارس الفن السابع بالعالم.
اشتملت عروض الاحتفالية التي نظمت بالتعاون بين الهيئة والسفارة التشيكية بعمان على افلام : (كنت في خدمة ملك انجلترا)، (باختصار)، و(طيور معلقة على حبل) .. وهي من نتاجات اكثر من حقبة زمنية في مسيرة المخرج مينزل الذي تعدى عمره الرابعة والسبعين، وجميعها تتضمن بصمته الخاصة التي مكنته ان يكون من بين اشهر رواد وقامات السينما العالمية.
يغلب على الافلام الثلاثة طابع الدعابة والمواقف الكوميدية، الا انها عاينت العديد من مصائر شخوصها خلال فترات زمنية مليئة بالعنف والقسوة والسوداوية بفعل تحولات سياسية واجتماعية وثقافية حادة.
جالت تلك الاعمال في ملتقيات ومناسبات سينمائية عالمية، حيث اثارت الاعجاب والجدل، ومنحتها لجان التحكيم في مهرجانات البندقية وبرلين جوائز رفيعة، وهو ما كرس اسم صانعها كقامة رفيعة في عالم السينما المعاصرة، وغدت انجازاته تدرس لطلبة صناعة الافلام في اكاديميات ومؤسسات موزعة في ارجاء العالم.
ذاعت شهرة افلام مينزل الى جوار قائمة واسعة من الافلام التشيكية الاخرى التي تتمائل في الرؤى والاساليب الدرامية والبصرية، والتي احتضنت عروضها نوادي السينما والمراكز الثقافية، حيث تلقفتها اقلام النقاد بالمديح والثناء على ما امتلكته من جماليات وافكار جريئة متطورة وغير متكلفة ، ثم عملت تلك الاقلام على ترويجها والتعريف بها كمنجزات ابداعية تعلي من شان وقيمة التعبير بلغة الكاميرا السينمائية .

ربيع براغ
من بين تلك الافلام التي ما زالت اصدائها تتردد في زحام صناعة الافلام بالعالم : (قطارات تحت حراسة مشددة) لجيري مينزل ، (ماركيتا لازاروفا) لفرانتشك فلاتشيل، و(الحفل والمدعوون) ليان نيمتش، و(الحقونا يارجال الإطفاء) و(حب الشقراوات) لميلوش فورمان، بالاضافة الى فيلم (اليد) أحد الأفلام التشيكية البديعة التي انجزت عقب ربيع براغ.
غير أن مثل هذه التجارب الملتزمة بهموم وتطلعات إنسانية، اخذت تشق طريقها وهي تنحاز الى اشواق ورغبات البسطاء والمهمشين، لكنها سرعان ما اصطدمت بعد التحول السياسي الذي عصف ببراغ بجملة من العوائق البيروقراطية والرقابية، وهو ما قاد السينما في تشيكوسلوفاكيا السابقة، الى الوقوع في دائرة الظل والنسيان ولو الى حين، ثم لم تلبث في النهوض من جديد، بفعل اختيارات العديد من صانعيها الافذاذ الانتقال الى اجواء اخرى، كانت تكفل لهم حرية تصوير افلامهم، ومنهم من ظل يحفر بصمته الخاصة تحت سقف المناخ السائد في وطنه .
وجهت تلك الأفلام انتقادات شديدة للسلطة الحاكمة ابان حقبة الحرب الباردة الدائرة بين قطبي العالم انذاك، لكن يحسب لها انها جاءت مفعمة باشتغالات بصرية ودرامية لافتة باساليب واشكال فنية مليئة برموز ودلالات وايحاءات عميقة المضامين رغم جنوحها الى الدعابة السوداء.
الهمت تلك الاعمال صناع الافلام في ارجاء المعمورة بالكثير من اللقيات والمعالجات الجريئة، والتي طغت على مخيلة عشاق السينما ونشطاء القائمين على نوادي السينما بالعالم، ليس فقط من ناحية النقد السياسي بل أساسا لأنها كانت مزنرة بمفردات مبتكرة في اللغة الجمالية والفكرية التي عدت ثورة حقيقية في تطوير بنية ركائز صناعة الفيلم السينمائي على صعيدي الشكل المضمون.

تحولات عصيبة
تدور أحداث فيلم (خدمت ملك إنجلترا) في إطار كوميدي حول صعود وسقوط رجل بدأ حياته العمل نادلا في احد الفنادق، يقوده طموح لا حدود له بأن يصبح مليونيرا، بيد ان التحولات العصيبة في المجتمع الذي يعيش فيه تدفعه لأن يهوي سريعا، رغم كل احتياطاته وقدراته في التكيف مع شتى صنوف الاحوال والمواقف التي مرت بها حياته الشخصية والعملية. ويحسب للمخرج مينزل طريقته البديعة في التقاط شخصياته الرئيسية من بين اطياف بيئته، ثم يضعها في مواجهة مصائر متعددة ومتناقضة، يعجز فيها المتلقي الاصطفاف الى جانب طموح وانشغالات مثل هذه الشخصيات المتباينة الاحاسيس والمشاعر.
يستهل مينزل فيلمه المعنون (خدمت ملك إنجلترا) بهيئة رجل خمسيني اطلق سراحه من المعتقل للتو بعد ما يقرب من خمسة عشر عام من السجن، وتنجح كامير الفيلم بتصوير تعابيره وهو على عتبات الحرية في حالة من التأمل للناس ولفضاءات المكان بلغه سينمائيه تفيض بالوان من السرد المتين لدواخل الشخصية وهي في حالة تساؤل حول ماضيها، ثم تبدأ في تقمص دور الراوي بأثر رجعي، واصفا طموحه الجامح في مواقف متباينة بين انغماسه في علاقاته الانسانية وعمله وزواجه من المانية ورغبته بأن يصبح مليونيرا، كل ذلك يسري قي قالب من الدراما الممتعة المليئة بالأحداث الجسام، حيث اشتعال الحروب وتبدل الحكم في بلد مثل تشيكوسلوفاكيا انذاك، فضلا عن طموحات وأحلام الثراء المغمسة بمواقف الألم والدعابة .

قطارات مشددة الحراسة
غالبا ما تتكيء افلام المخرج مينزل على الأدب التشيكي الرفيع، خصوصا وانه صاحب انجازات لجملة من الأفلام المقتبسة عن روايات تشيكية، وفي طليعتها هذا الفيلم المستمد عن احدى روايات الكاتب الروائي التشيكي 
بوميل هارابال، والذي سبق له وان كتب رواية (قطارات مشددة الحراسة) التي عمل مينزل على تحويلها الى فيلم روائي طويل بذات العنوات، ابان فورة موجة السينما التشيكية في حقبة الستينات من القرن الفائت، واعتبر لاحقا من ابرز كلاسيكيات السينما العالمية، حيث ظفر العمل بجائزة اوسكار أفضل فيلم اجنبي العام ١٩٦٧.
بدأ مينزل مسيرته السينمائية الطويلة كممثل في بعض الاعمال السينمائية، الا ان عالم صناعة الافلام اعجبته حين راى في موهبته القدرة على إثراء الفيلم بتعابير ومفردات جمالية تحرص على معاينة هموم افراد بيئته الاجتماعية والسياسية، وبراعته بايجاد حلول ومعالجات سينمائية لافتة في عدد من افلامه الاولى، ثم ترسخت طاقاته في افلام روائية لاحقة، ضمن اسهاماته في الموجة الجديدة للسينما التشيكية إلى جانب مخرجين اخرين على غرار مواطنه ميلوش فورمان الذي غادر صوب هوليوود لاحقا.
اعتبر كثير من النقاد فيلم مينزل المعنون «طيور معلقة على حبل» من أفضل أعماله، رغم ما طاله من منع ومصادرة الى العام 1974، والذي اعقبه بمجموعة من الافلام الكوميدية غير السياسية، الى ان جاءته فرصة تحقيق فيلمه اللافت « قريتي الصغيرة الحلوة» العام 1986 وهو ما جذب انظار نقاد السينما بالعالم ثانية الى براعته السينمائية المتجددة. 
قدم مينزل اكثر من ثلاثين فيلما وحاز على عشرين جائزة رفيعة من بينها جوائز عالمية رفيعة في حقل السينما مثل: جوائز الأوسكار في الولايات المتحدة الاميركية، والدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي بالمانيا، كما رشحت اعماله لكثير من جوائز مهرجانات السينما الدولية في فينيسيا بايطاليا وفي ملتقيات ومناسبات سينمائية عالمية ببلدان اوروبية واسيوية وافريقية ولاتينية.
يسرد مينزل في فيلمه المسمى «طيور معلقة على حبل» - لم يسمح بعرضه داخل وطنه الا بعد عقدين من الزمان على انجازه – قصة تلك الساحرة التي تعمل في أجواء نظام سياسي متشدد تجاه الحريات الفردية، بيد انه يقدم العمل بتلك المواقف الكوميدية الساخرة من طريقة العيش الانساني تحت مظلة هذا النظام السياسي، حيث تتبدل مواقف الشخصيات بين حين واخر تضطرب فيها قسوة اجواء العمل وتناقضات العلاقات والرغبات الانسانية .
ظلت افلام المخرج مينزل تحلق خارج فضاءات السينما السائدة وبعيدة عن التداول في صالات العرض واسواق السينما بالعالم، باستثناء عروضها في مهرجانات السينما الدولية او من خلال اندية السينما وفي حضن الاكاديميات والمؤسسات التعليمية المتخصصة بالفن السابع ، لكنه غدا اليوم احد ابرز اعلام قامات بلده الرفيعة، بعد ان منحته افلامه مكانة مرموقة بين صناع السينما الافذاذ بالعالم.



فيلم أردني ضمن مشاريع »إنجاز« في دبي السينمائي




أعلن صندوق «إنجاز» التابع لـمهرجان دبي السينمائي الدولي، والخاص بدعم المشاريع السينمائية خلال مرحلة ما بعد الإنتاج عن اختيار ثلاثة عشر عملاً سينمائياً عربياً، ومن أعمال مخرجين عرب، وتم اختيار تلك المشاريع من بين مجموعة كبيرة من الأعمال التي تضمنت عدداً غير مسبوق من الأفلام التي تقدمت للحصول على دعم صندوق «إنجاز» خلال دورة شهري شباط واب الماضيين. 
سيتمكن رواد المهرجان الذي تنطلق فعالياته في الفترة من 9 إلى 16 الشهر المقبل، من مشاهدة أعمال السينما العربية التي دعمها الصندوق، حيث ستكون تلك الأعمال بمثابة إضافة نوعية إلى قائمة الأفلام العربية التي ستعرض أيضاً في المهرجان.
 وفي سياق متصل، سيتم عرض خمسة أعمال (قيد الإنجاز) خلال «سوق الأفلام»، التي تعتبر السوق الرقمية الوحيدة من نوعها، والأحدث على الاطلاق، على مستوى المنطقة العربية، والتي توفّر عمليات بيع وتوزيع الأفلام. 
في معرض تعليقها على الأعمال التي جرى اختيارها للحصول على دعم الصندوق ، قالت المديرة الإدارية لـمهرجان دبي السينمائي الدولي شيفاني بانديا: «أثناء الدخول في المراحل النهائية لإنجاز مشاريع الأفلام، يجد بعض المخرجين أن ميزانيتهم قد تعرضت للإرهاق، هنا وفي هذه المرحلة الهامة يأتي دور صندوق «إنجاز» لدفع العمل والخروج به إلى النور، حيث يحصل المخرجون الذين يتم اختيار أعمالهم على الدعم المالي اللازم لصياغة الشكل النهائي اللائق للعمل، بما يتوافق ورؤيتهم الإخراجية. ومنذ بداية انطلاقته في العام 2009، قدّم «إنجاز» الدعم المالي لقرابة اربعين عملاً سينمائياً عربياً، ونحن نسعد دائماً برؤية المزيد من المشاريع السينمائية، التي تتميّز بحبكتها الدرامية الآسرة وأفكارها الجريئة.»
 وأضافت: «من المشجع أن نشهد المشاريع التي دعمها «إنجاز» وهي تجتذب اهتمام الجمهور عربياً، ودولياً، ونحن نفخر بتقديم هذه المجموعة المُختارة من الأفلام التي حصلت على دعم «إنجاز» خلال الدورة التاسعة للمهرجان، والتي تتضمّن ثمانية أعمال من دورة العام الحالي، وتسعة من دورتي 2010 و 2011، منها على سبيل المثال «قصة ثواني»، و»مشوار»، و»يمّا»، و»متسللون».
 تتضمّن القائمة النهائية للأعمال التي تمّ اختيارها للعرض خلال المهرجان أو خلال «سوق الأفلام» مجموعة من الأفلام لمخرجين عرب من بينها الفيلم الاردني «على مدّ البصر» للمخرج أصيل منصور، «زينب تكره الثلج» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، و»فلسطين، صندوق الانتظار للبرتقال» للمخرج السوري بسام شخيص، و»سبع البورومبو» للمخرج باسم فياض، و»موسم حصاد» للمخرجين نسيم أمعوش، وسامح زعبي، وميس دروزه، وأريج سهيري، و»رسائل من الكويت» للمخرج كريم غوري، و»نسمة الليل» للمخرج التونسي حميدة الباهي، ، و»وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، و»صوت المدينة» لدليلة عنداري، و»مطر وشيك» لحيدر رشيد، و»بغداد ميسي» لساهيم خليفة، و»النهر» لعبدالنور زحزاح.
 الجدير بالذكر أن صندوق «إنجاز» قد تم تدشينه في عام 2009، ليقدم دعمه المالي الذي يصل إلى 100 الف دولار أمريكي لمشاريع المخرجين العرب في مرحلة ما بعد الإنتاج. ويتكون برنامج الصندوق من دورتين سنوياً في كل من شهري شباط واب ، حيث يجري دعم قرابة خمسة عشر مشروعاً سنوياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com