الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

طقوس القراءة: ساعات الخصوصية المُثلى .. من تغرقني في عوالم لا أعرفها أو أعرفها !

صورة

نضال حمارنة - أتذكر تهافتي وأنا أداوم على قراءة (مجلة سمير) في المرحلة الابتدائية ، وكيف بدأت تنمو لديّ طقوس التعلق بالقراءة من خلال تلك المجلة الأسبوعية الشاملة، والتي كنت انتظرها بفارغ الصبر .. وللعلم اشتريها من مصروفي الشخصي .. بداية كنت أقرأ أجزاء من المجلة ،لأن بعض مواضيعها الأكثر عمقاً وتخصصاً بعيدة عن اهتمامي ، ومع الأيام ومع توسّع قدراتي الدراسية .. أصبحت أقرؤها من الغلاف إلى الغلاف ، لدرجة أنني كنت أعيد قراءة بعض الموضوعات والقصص المصورة أكثر من مرّة ، منها صفحة رسام الكاريكاتير حجازي الساخرة .

 صحبة المجلة..الى السرير!
 وتعودت ان أصحب المجلة إلى سريري لأغرق في المتعة اللانهائية قُبيل وسن عينيّ ، وعندما أصحى في اليوم التالي أجد المجلة بقرب رأسي ورائحة حبر (دار الهلال) كأنها عبق ينتشر فوق مخدتي ويملأ وجهي بالنشوة والسعادة ؛ ذلك العبق ما زلت أحبه إلى اليوم من خلال كتب دار الهلال . أما الحالة الأشدّ غرابة وهي ؛ تكوّن علاقة حسّية عالية بين أصابعي والورق ، بين يديّ وبين الكتاب خاصة لحظة قلبي للصفحة أو أثناء كتابة الملحوظات الصغيرة على أطراف هوامش الكتاب البيضاء . حتى أنني أشعر براحة أكبر كلما تواجدت في مكان يتنفس برائحة الكتب والمجلدات التراثية . وأصبحت لا أعبأ كثيراً بوجود مكان محدد للقراءة ، وأستطيع القراءة في العديد من الأماكن المغلقة أو المفتوحة ، أثناء فرجة عائلتي على التلفزيون .. أو في مقهى ما أو وسيلة سفر كالقطار أو الطائرة أو حافلة الركاب ، وإن مرّ يوم لم يتسنَ لي وقت للقراءة ، بنتابني شعور بفقدان زمن لايمكنني تعويضه لكأنه انزلق من حياتي ، زمن حُرمت فيه من لذة المعرفة .

ساعات حرية الاختيار 
 ساعات القراءة حالتي أمارسها كل يوم هي ساعات حرية الاختيار .. ساعات الخصوصية المُثلى التي تمنحني الاستمتاع وتغرقني في عوالم لا أعرفها أو أعرفها وأريد التعمق في معرفتها ؛ عوالم من الأفكار والفلسفات ، من مرويات شعوب الأرض وآدابهم وأشعارهم وفنونهم وعلومهم . قصص التاريخ والتراث العربي والعالمي وتلك التفاصيل الصغيرة أو الكبيرة غير المتداولة في مناهجنا وإعلامنا أو في حياتنا السياسية والاجتماعية القديمة والحديثة أو المعاصرة . هناك روايات أعدت قراءتها اكثر من مرة ، أما كتب التراث فأعود إليها بين الحين والآخر لأكتشفها من منظور جديد أو ربما مختلف . حتى أصبحت القراءة إحدى طقوس حياتي اليومية، كطقس سماع صوت فيروز في الصباح مع أول فنجان قهوة معطر برائحة الهيل .
 في بلادنا العربية نادراً ما أرى أشخاص يقرأون في الأماكن العامة .. أو في وسائط النقل .
 عندما أسافر إلى أي دولة خارج الوطن العربي الكبير بإمكانياته ، أجد الناس يصطحبون معهم الكتب أو المجلات أو الدوريات البوليسية ، ويعكفون على القراءة وقوفاً بانتظار الترام أو الباص وأيضاً وهم جلوس على مقاعد مختلف تلك الوسائل ، وقد يحمل العديد منهم مجموعة مختارة من الكتب عند سفرهم لقضاء الإجازة في الصيف أو في الأعياد .

 كافيه المكتبة..! 
 لقد لاحظت أثناء زيارتي لأكثر من مدينة في تركيا ؛البلد الأقرب إلينا ثقافياً ، أن كافة متاجر المكتبات الخاصة ، تخصص طابقاً ثانياً يسمّى (كافيه المكتبة) يستطيع الصاعد إليه استعارة أي كتاب أو مجلة دورية متخصصة بثمن زهيد .. والجلوس لقراءته بجو هادئ وهو يستمع لموسيقا منخفضة الصوت . وعندما سألت إحدى صديقاتي التركيات عن الدافع لذلك أجابتني :» تسهيل على الشابات والشبان غير القادرين على شراء الكتب من أصحاب المكتبات دون أن يسبب ذلك خسارة مادية لهم ، بل يعوضهم ببطء عن ضعف البيع .» 
 أما كتّاب أميركا اللاتينية المشاهير .. كالشاعر بورخيس والروائيين كوتاثار وماركيز ويوسّا وإلليندي فقد أجمعوا على « أن قرأتهم لقصص (ألف ليلة وليلة ) المُبسّطة للفتيان هي التي دفعت بهم للجنوح إلى الخيال ، وكانت أحد أسباب احترافهم الكتابة الأدبية ، وأثرت أيضاً على اتجاهاتهم المختلفة في تطوير الشعر والرواية فيما يُعرف (بالواقعية السحرية) . 

 علاقة العرب بالقراءة 
اعتاد العرب' تاريخياً على التداول الشفهي ، وركّزت الثقافة العربية على منهج الحفظ ، فبعد جهد كبير استطاع معاوية بن أبي سفيان إقناع أولي الأمر بنسخ صحائف القرآن والتي جمعها فيما بعد الخليفة عثمان بن عفان . وفيما بعد مع بداية ظهور المؤسسات الدينية الكبيرة التي أشرفت على تعليم الناشئة ؛ تنازع المشرفون عليها بين اتجاهين الأول للإمام الغزالي ويحض على التحفيظ دون ضرورة شرح النص أو تحليله . والاتجاه الثاني لإبن خلدون الذي دعا إلى التبسيط والشرح قبل بدء التحفيظ لتنشئة جيل يعي ما يحفظ . ولكن وللأسف اتخذ برأي الاتجاه الأول ، ولا تزال المؤسسات الدينية والمدرسية ماضية في هذا الاتجاه مع بعض الاستثناءات في بعض المدارس ، مضيفة إليه أسلوب التلقين دون نقاشات ُتذكر من موضوعات الإنشاء و التعبير إلى موضوعات الفنون الجميلة !.

 ارتفاع نسبة الأمية 
هناك من يعتقد أن ارتفاع نسبة الأمية ،هي السبب في ضعف الإقبال على القراءة وبالتالي ضعف الصناعة الثقافية كصناعة الورق مثلاً أو صناعة النشر . وأنا أعتقد بعد اطلاعي على إحصاء نسب من يعرف الكتابة والقراءة في العالم وجدت على سبيل المثال أن النسبة في بعض الدول العربية كالآتي / الأردن 91,1 السلطة الفلسطينية 93,8 سوريا 83,1 المغرب 55,6 وإذا اتجهت إلى الدول االمشتركة معنا ببعض المعايير كالبرازيل 90,0 قبرص 97,7 تركيا 88,7 الأرجنتين 97,6 
إذا قارنّا نسبة من يعرف القراءة والكتابة بنسبة من يقرأ الكتب فإن المقارنة لن تكون في صالح أصحاب تلك الرؤية . لأن الإقبال على القراءة يعني أن المحب لها عليه في المقام الأول ؛ أن يجيد القراءة الصحيحة بطلاقة وأنا أسأل هنا هل يهتم المدرسون أو الأهالي بموضوع إجادة أطفالهم للقراءة ؟.
 من هنا نبدأ ومن ثم نبتعد عن تحويل التلميذ ومن ثم الطالب ومن بعده الخريج أو أي مواطن عربي إلى متلقي للتعليم والإعلام والفكر والفن والحياة ؛ وكأنه اسفنجة تمتص المعلومات بأسرع صورة ممكنة من الضغط وبطريقة أحادية بعيدة عن التحليل ، والاحتمالات ، وعندما يطلب للامتحان أو لإثبات ذاته يعصر هذا الطالب نفسه ليتخلص من أعباء التلقي وكأن حروف القراءة و العلم حمل ثقيل اُكرِه على تعلمه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com