الجمعة، 23 نوفمبر 2012

المواثيق الأخلاقية في البحث الطبي والدراسات الدوائية

صورة

د. محمد خليل - عرفت مهنة الطب منذ الأزل بأنها رسالة اصلاح للابدان من الاسقام واحتلت مكانة نبيلة لا تنازع اذا ما قورنت مع سائر العلوم والمهن. وبتطورها في جميع الحضارات كان لها جانبان توأمان، الجانب الوقائي وفيه الحفاظ على الصحة، والجانب العلاجي وفيه سعي لاستردادها.
 وعلى مر العصور كان البحث الطبي جانباً مضيئاً ساهم في اكتشاف الدواء الناجع وعلاج الكثير من الامراض. وقد شهد هذا القرن توسعاً كبيراً في الأبحاث الطبية والدراسات الدوائية، حيث فتحت آفاقاً جديدة للبحث، لم يكن المجتمع مهيأ لها تماماً، سواءً على الصعيد القانوني أو الأخلاقي. وفي الوقت الحالي، تقوم المجتمعات باستثمارات هامة في مجال البحث والدراسات لاكتشاف الدواء، ومن ثم كان من حقها إبداء الرأي في سبل تطبيق هذه المجالات.
 ولما كانت الأخلاق هي مبادئ السلوك القويم، لم يكن هناك على الإطلاق أي خلاف حول مبادئ الأخلاق نفسها، كونها تمثل قيماً إنسانية أساسية متعارف عليها عبر الأجيال.
 فحينما يتعلق البحث بإجراء الدراسة على الإنسان يكون احترام النفس البشرية هو الأساس الاخلاقي لإجراء البحث. ومبدأ احترام حقوق الانسان يتضمن طواعية الاشتراك في الدراسة البحثية والموافقة المستنيرة والرفق في التعامل والرعاية الكريمة ومراعاة مصلحة الانسان الفرد كأولوية قصوى تتفوق على مصالح التقدم العلمي الصرف. حتى عندما يتعلق البحث بجمع البيانات عن الأفراد، فان أخلاقيات البحث تستوجب ضمان السرية وتوفير الخصوصية لهؤلاء الأفراد. 
ومهما كان الهدف من البحث أو الدراسة، فان رفعة الأخلاق ورقيها يحظر علينا المساس بكرامة الإنسان وقيمه وخصوصياته. كما أن احترام المجتمع يعنى احترام قيمه الأخلاقية وعاداته المتعارف عليها. 
و من وجهة النظر الأخلاقية يمكن التعرف على أربعة أنواع من الأبحاث الطبية:
أولا» البحث المتعلق بإجراء دراسات على البشر، و يندرج تحت هذا النوع نمطان آخران هما:
البحث الذي له طبيعة علاجية، ويتم على المرضى الذين يتوقعون فائدة محتملة من جرّاء اشتراكهم.
البحث الذي له طبيعة علمية صرفة، حيث يتطوع له البشر بغرض التقدم العلمي الطبي ولكنهم لا يحصلون على أي فائدة علاجية من جرّاء ذلك.
ثانيا» الأبحاث المتعلقة بالأوبئة والدراسات الميدانية 
ثالثا» البحث الخاص بالتجارب على الحيوان
رابعا» البحث الذي يتعلق بإجراء تجارب على البيئة المحيطة بالإنسان ومصادر الماء والغذاء.
ان التقدم في المعرفة الطبية يعنى التوسع في البحث وهذا يعني إجراء الدراسة على البشر، ولكن لا هوادة فيما يتعلق برفاهة واحترام الأفراد اذا ما اقترنت بالمنافع التي يمكن أن تعود على العلم والمجتمع. كما أنه لا حِجر في الإسلام على حربة البحث العلمي بل هو مندوب سواء أكان مجردا للكشف عن سنن الله في خلقه أم تطبيقيا يهدف إلى حل مشكلة بعينها. لكن لا يجوز أن تشتمل حرية الدراسات والابحاث على الحاق الضرر يالإنسان أو تعريضه لضرر محتمل أو منع حاجاته العلاجية أوتضليله والتدليس عليه أو استغلال حاجته المادية. كما لا يجوز أن يكون هناك حرية مطلقة في الدراسات البحثية وإنما يوضع المنهاج المناسب للتداول الرفيق بل يجب أن لا تشتمل خطوات البحث أو تطبيقاته على ماهو محظور في جميع الاديان السماوية كالعبث بمقومات الشخصية الإنسانية وحريتها وأهليتها للمسئولية. 
إن المريض الفرد في كفالة الجماعة وعليها أن تؤمن له أسباب شفائه بما لا يضر غيره، ويدخل في ذلك الاستعانة ببعض مفرزا ت الجسم أو أعضائه كنقل الدم للنازف والتبرع بإحد الاعضاء لاستبقاء حياة المريض دون الحاق الضرر بأي فرد آخر. وعلى أصحاب المهن الطبية مهمة نشر الوعي وتصحيح المفاهيم واستنهاض دواعي العطاء، كما أن عليهم رسم الأمور الفنية والإجرائية وخط الأفضليات الطبية والسياسة التنفيذية اللازمة وتبنيها. وبصورة عامة، فالمساهمة في تقدم البحث العلمي والطبي هو أمر مندوب ومأجور، « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا «. 

مشروعية البحث
 الطبي في منظومة القيم الاخلاقية
إن العمل في البحث الطبي تحكمه الكثير من الضوابط والقيم والمعايير الأخلاقية. فهو يخضع لمراقبة أكثر من مصدر وتقع مسؤوليته على أعتاق عدة جهات. ولضمان القيم الأخلاقية تُسلم جميع المقترحات الخاصة بإجراءاته إلى لجنة أو أكثر من لجان المراجعة بهدف معاينة المزايا العلمية لهذه المقترحات ومدى تقبلها من الناحية الأخلاقية و المصادقة عليها، قبل الشروع بالبحث. ولا يوجد بروتوكول بحثي كامل أو مقبول إذا لم يناقش الجوانب الأخلاقية للدراسة التي يندرج تحتها إجراء دراسة على البشر. وبذلك فان مسؤولية ضمان مراقبة المستويات الأخلاقية للبحث الطبي على البشر تقع على كل من:
أولاً، الفريق الباحث، فالمسؤولية التامة تقع أولا وأخيرأً على الباحث . 
ثانياً، اللجان المؤسسية الأخلاقية في مؤسسات البحث، فهي مسؤولة عن التوعية الأخلاقية في مجال الأبحاث الطبية على البشر، فيجب أن يكون لديها لجنة مراجعة أخلاقية، تعمل على تقديم النصح والارشاد حول الجوانب الأخلاقية للدراسة قبل المصادقة عليها. ويفترض بصفة عامة أن تضم العضوية أطباء وعلماء ومهنيين آخرين مثل الممرضين والمحامين ومختصين في آداب المهنة ورجال دين وكذلك أشخاصاً عاديين مؤهلين للتعبير عن القيم الثقافية والأخلاقية للمجتمع والتأكد من أن حقوق حالات البحث سوف يتم احترامها. والعضوية يجب أن تشمل الرجال والنساء. وعندما يُشكل الأفراد غير المتعلمين أو الأميون محور الدراسة يتعين كذلك النظر في انضمامهم للعضوية أو دعوتهم للتمثيل في هذه اللجان والتعبير عن آرائهم.
 ثالثاً، هيئات الدواء والجهات الحكومية الصحية، فقبيل الشروع باستخدام أي عقار أو جهاز علاجي جديد، لا بد من الحصول على الموافقة من المؤسسات الصحية المسؤولة في الدولة. .
رابعاً، المجلات العلمية المحكمة التي تقبل نشر الاوراق العلمية، فهي مصب نتائج الابحاث ونهرها الجاري، وهي مسؤولة عن اخلاقيات البحث المنشور وليس القيمة العلمية فحسب .
خامساً، جهات الدعم العلمي والتمويل، فلا ينبغي تمويل أي مقترح من قبل أي جهة داعمة أو ممولة إلا إذا أبدت بجلاء ووضوح الجوانب الأخلاقية للدراسة و مراقبة تطبيق المبادئ الأخلاقية .
وبعد، فكما هو معروف ومأثور فان الطبابة مهنة شرفها الله في جميع الديانات، فكانت معجزة المسيح ونعمة عظمى حدث بها إبراهيم عن ربه بقوله «وإذا مرضت فهو يشفين» وأمر مشروع حث عليه الإسلام وأوصى به محمد عليه الصلاة والسلام بقوله «تداووا عباد الله». والعلم بالطب والتداوي كسائر العلوم هو كرامة من الله الذي «علم الإنسان ما لم يعلم». كما ان البحث للاستدواء فيه كشف عن آيات الله في خلقه ومحافظة على حياة الإنسان. ويدخل في المحافظة على حياة الإنسان المحافظة على كرامته وعلى شعوره وعلى حيائه وعلى أهليته للاهتمام والرعاية. وبنفس القدر من الاهمية يقتضي السمو الاخلاقي توفير الطمأنينة والراحة النفسية للمريض الإنسان وهو بين يدي طبيبه، معالجا» كان أم باحثا».

المدير التنفيذي لمركز أكديما للتكافؤ الحيوي والدراسات الصيدلانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com