الاثنين، 12 نوفمبر 2012

أسباب رائحة الفم الكريهة وطرق العلاج


عمان- تعاني نسبة غير قليلة من البشر من رائحة الفم الكريهة، وغالبا ما تسبب لهم مشكلات اجتماعية ونفسية وتؤثر على حياتهم الشخصية وتواصلهم مع الآخرين.
 وليس من السهل أحيانا معرفة أسباب رائحة الفم الكريهة. وغالبا، يشخص ويعالج أطباء الأسنان معظم الحالات، ومع ذلك تبقى هناك حالات صعبة لا تتعلق بالفم، وتحتاج الى عدة فحوصات طبية ومخبرية قبل أن تتم معرفة السبب الحقيقي لها. وهناك قول عربي مأثور يؤكد بأن "فم الإنسان مرآة لصحته" وأن أي اعتلال برائحة الفم يشير الى مرض كامن في الجسم.
ما هي رائحة الفم الكريهة؟ 
عبارة عن أبخرة تخرج أثناء الكلام أو التنفس، وهذه الأبخرة تظهر عادة نتيجة النشاط الحيوي-الكيميائي الذي تقوم به أنواع من البكتيريا والفطريات التي تعيش عادة في ثنايا الأنسجة المخاطية في الفم، وخاصة إذا كانت هناك التهابات في اللثة وحول الأسنان أو خراجات سنية. وفي حالة تبين أن سبب الرائحة لا يعود للفم أوالأسنان التالفة، فيجب البحث عن الأمراض الأخرى التي يمكن أن تكون في جزء خفي في الجسم. وفيما يلي أهم المسببات:
نظافة الأسنان والفم: إن عدم المحافظة على نظافة الأسنان بشكل يومي وباستمرار ولفترة لا تقل عن دقيقتين، وخاصة قبل النوم، يؤدي الى تكاثر بكتيريا الفم الطبيعية على بقايا الطعام، ما يساعد على تكوين عدة طبقات عضوية رقيقة لاصقة تعرف باسم اللويحات السنية الميكروبية على سطوح الأسنان، وفوق وتحت حافة اللثة، وعلى الترميمات والتعويضات السنية. وهذه اللويحات السنية تنتج أحماضا عضوية ومركبات كيميائية تحتوي على الكبريت والأمونيا ما يسبب التهاب اللثة وحول الأسنان، وتؤدي على المدى البعيد الى تسوس وسقوط الأسنان، كما تسهم في تكوين رائحة الفم الكريهة. ولذلك يجب العمل على تنظيف الأسنان بصورة مستمرة لمنع تراكم اللويحات السنية، وللمحافظة على صحة أنسجة الفم المخاطية، ومنع رائحة الفم الكريهة. كما يجب ترميم وعلاج أي تشققات أو خراب بالأسنان. وفي حالات قليلة جدا قد تتكاثر أيضا أنواع من البكتيريا على سطح اللسان، وهذا غالبا ما يدل على نقص بمناعة الجسم لسبب أو آخر، ويحتاج الى فحوصات طبية لكشف السبب. 
جفاف الفم: تكثر حالات جفاف الفم مع تدخين جميع أنواع السجائر والأرجيلة، ونتيجة استعمالات أنواع مختلفة من الأدوية التي تؤثر عن الغدد اللعابية ويجب على الطبيب أن يحذر المريض من تأثيراتها. ويلاحظ أحيانا جفاف الفم بعد النوم، وخاصة أن هناك من ينام وفمه مفتوح. والسبب يعود لنقص كمية لعاب الفم الذي يقوم عادة بمهمة التنظيف والمحافظة على الأغشية المخاطية للفم. ومن الصعوبة منع حالات جفاف الفم بدون وقف التدخين أوعدم استعمال الأدوية، ولكن يمكن تخفيف حدة الجفاف بشرب كوب من الماء الدافئ قبل النوم. 
الحمية الغذائية: وسائل الحمية الغذائية كافة يمكن أن تؤدي الى تغير الاستقلاب الغذائي في الجسم، نتيجة نقص كميات بعض المواد السكرية والبروتينية والفيتامينات التي يستهلكها الجسم، ما يسبب أحيانا ظهور رائحة الفاكهة في الفم نتيجة تكوين مركبات الكيتون العطرية. ولذلك ينصح أن يقوم الشخص بتطبيق الحمية بالغذاء بالتدريج وخلال فترة طويلة، وليست بسرعة أسابيع حتى يتأقلم الجسم تدريجيا في تنظيم عمليات الاستقلاب الحيوية. 
البصل والثوم: إن تناول البصل والثوم الطازج ينتج زيوتا طيارة أثناء مضغها في الفم، ويؤدي الى نشر رائحة كريهة أثناء التنفس. ولذلك ينصح أن يتم مضغ عدد من أوراق النعناع أو حبات الهيل لتخفيف رائحة الفم والتنفس والتي قد تستمر لمدة 24 ساعة.
التهابات الفم والجيوب الأنفية والحلق: قد تحدث التهابات متعددة في طبقات وثنايا أنسجة الفم والحلق وداخل الأنف وبصورة يسهل أو يصعب أكتشافها، وعدم معالجتها قد يكون أحد أسباب استمرار رائحة الفم الكريهة. وهنا يجب على الشخص مراجعة الطبيب المختص لتحديد سبب هذه الالتهابات وليتم علاجها.
أمراض الجسم المزمنة: وفي مقدمتها مرض السكري الذي يعد أحد مسببات رائحة الفم كون مريض السكري يتعرض باستمرار لزيادة سكر الدم، وزيادة إنتاج مركبات الكيتون المميزة برائحة الأستون في لعاب الفم وفي البول. كما ان مريض السكري يشكو باستمرار من جفاف الفم. وقد تتكاثر عنده على سطح الأنسجة المخاطية للفم واللسان فطريات الكنديدا وغيرها، وهذه تؤدي الى تخمر باقي الطعام وحدوث رائحة تخمر السكريات. 
وهناك مسببات أخرى تشمل أمراض الرئتين والكبد والمعدة والأمعاء وسرطانات الجسم المختلفة، وكل هذه الأمراض قد تكون بالبداية خفية ويصعب تشخيصها، وقد تسبب رائحة تخرج مع زفير الشخص المريض أثناء تناول العلاج أو بدونه. ومن المهم أيضا ملاحظة أفراز مادة لزجة لونها أخضر أو أصفر في حالات التهابات الرئتين أو الجيوب الأنفية ، فهذه الإفرازات تشير الى حدوث التهابات في الأنسجة، ويجب معالجتها بسرعة.
قرحة المعدة: هناك نوع وحيد من البكتيريا تعرف باسم هليوباكتر بيلوري تستطيع العيش في ثنايا الغشاء المخاطي الداخلي للمعدة بالرغم من حموضة عصارة المعدة العالية، وهذه البكتيريا تسبب التهابات ونخر في أنسجة المعدة، وتؤدي الى ظهور قرحة المعدة أو الاثني عشر. وحتى تستطيع بكتيريا هليوباكتر أن تعيش في أنسجة المعدة تنتج  إنزيم اليوريا الذي يعمل بدوره الى أنتاج الأمونيا كمادة قاعدية تحيد تأثير عصارة المعدة الحامضية من أجل حماية بقاء تكاثر البكتيريا في غشاء بطانة المعدة. ولذلك تكشف رائحة الأمونيا الكريهة في فم المصابين عن حالات قرحة المعدة والاثنى عشر التي تسببها هليوباكتر بيلوري، وهذا يتطلب تشخيص المرض والعلاج السريع لمنع آلام ومضاعفات القرحات المعدية ووقف مسبب رائحة الفم. 
تكاثر الفطريات في الأمعاء: هناك دلائل علمية تشير الى أن أي تغير في نبيت الأمعاء المكون من مئات الأنواع وبلايين الخلايا البكتيرية المفيدة للجسم والذي يتراكم في أمعاء الإنسان مع مرور السنوات، قد يؤثر على مجمل صحة الجسم، ويشكل مظاهر أمراض واضحة المعالم، وأخرى خفية يصعب أحيانا تشخيصها. ومن أهم أسباب تغير نبيت الأمعاء كثرة استعمال المضادات الحيوية وعدد من الأدوية الأسترودية ومنها بشكل خاص الهرمونات، وكذلك زيادة تناول السكر الأبيض والحلويات السكرية والدهون الحيوانية في الوجبات الغذائية. وعلى الجانب الآخر فإن زيادة تناول الخضراوات الورقية والفاكهة والزيوت النباتية ومنها بالذات زيت الزيتون وزيت بذور عباد الشمس والبقوليات، تساعد على تنظيم التوازن الغذائي والحيوي في أمعاء الجسم وتحافظ على نبيت الأمعاء الطبيعي. 
ومن أهم الأمراض التي تحدث نتيجة تغير مكونات نبيت الأمعاء الطبيعي التالية: انتفاخ البطن نتيجة زيادة تكوين الغازات في الأمعاء، اسهال أو إمساك متكرر، تعب عام بالجسم وصداع واكتئاب، إضافة الى نقص في مناعة الجسم يظهر أحيانا بشكل تحسس في الجهاز التنفسي أو بثور في الجلد. وتعود أسباب هذه المظاهر المرضية نتيجة زيادة في كميات فطريات الكنديدا في الأمعاء التي تسبب تخمر بقايا الطعام وخاصة السكريات، وفطريات الكنديدا تنتج كميات كبيرة من الغازات وبعض الأحماض العضوية التي في بعض الأحيان تصل الى فم المريض وتشكل رائحة كريهة، كما أن فطريات الكنديدا تؤثر على مناعة الأمعاء والجسم بصورة عامة كونها تفرز الكثير من المركبات البروتينة والسكرية المعقدة ( الانتجينات) التي تصل الى الدم عبر الأمعاء.
ومن أجل وقف زيادة فطريات الكنديدا في الأمعاء أو التخلص منها لحد ما، فيجب العمل الى إعادة التوازن البيولوجي الدقيق في الأمعاء، وهذا يتطلب فترة طويلة من الوقت، ويحتاج الى وقف تناول بعض الأدوية وخاصة المضادات الحيوية والهرمونات، وإيجاد توازن في وجبات الغذاء بحيث تزيد كميات تناول الخضار الطازجة والمطبوخة والألبان والفاكهة على كميات تناول اللحوم والسكريات والدهون بنسبة اثنين الى واحد. ويوصى أيضا بزيادة تناول شراب اللبن الطبيعي وتناول كبسولات البروبيوتك (بكتيريا الأمعاء المفيدة) ومضادات خاصة بالفطريات، وجميع هذه العوامل ستساعد في سرعة أعادة التوازن البيولوجي الضروري في نبيت الأمعاء من البكتيريا المفيدة للجسم. 
وباختصار، على الشخص الذي يشكو من أعراض رائحة الفم الكريهة، عليه أولا، مراجعة طبيب الأسنان، وفي حالة عدم السيطرة على رائحة الفم، فعليه مراجعة أحد الأطباء المختصين بالطب الباطني لتشخيص مسببات حالته بدقة، وليتم وصف العلاج المناسب له.  

أ.د. عاصم الشهابي
كلية الطب – الجامعة الأردنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com