الأحد، 25 نوفمبر 2012

إدارة المستقبل عبر اقتصاد المسؤولية

صورة

سامح المحاريق -   لتمييز بعض الحقائق وتنظيم بعض المصطلحات، فإن الأردن والأردنيين- في الوقت الراهن  وربما الى المستقبل- يعانون من أزمة اقتصادية، بينما تعاني الحكومة من أزمة مالية(...) كانت وما زالت مرشحة لتتحول إلى أزمة نقدية، في حالة وصلنا لها ستنعكس من جديد على جميع الأردنيين لتنقل الأزمة الاقتصادية إلى مستويات عميقة.

 طبيعة التركيبة
العجز الذي تعانيه الخزينة الأردنية، ويهدد بألا تتمكن من الدولة من القيام بمهامها بالصورة المطلوبة، ومهام الدولة الرئيسية هي الأمن والصحة والتعليم،  هو ترجمة لجزء بسيط من أزمة اقتصادية ألمت بالأردن وكانت جزءا من أزمة مالية عالمية، فالخسائر التي تكبدها الأردنيون في السنوات الخمسة الأخيرة تفوق كثيرا العجز في الموازنة العامة، ولعل إصلاح المالية العامة ممكن بمجموعة من الإجراءات مثل مراجعة قوانين الضريبة، وإعادة تنظيم الدعم، والنظر في الهيئات المستقلة، وفي حجم الجهاز الحكومي نفسه، ولكن الإصلاحات الاقتصادية تتطلب وعيا من الأردنيين بطبيعة التركيبة الاقتصادية للأردن. 

على آخر القائمة
الأردن تورط كغيره من الدول في المنطقة في مشروع نهضة عمرانية، لا يحتاجه الأردنيون فعلا، ولا يستفيدون منه، كما أنه أصلا ضعيف في مواجهة المشاريع العمرانية في بعض الدول القريبة، مثل الإمارات وقطر والسعودية، فأي شركة عالمية ستفكر في أن تحصل على مبنى لإدارة عملياتها في الشرق الأوسط، فإنها ستضع عمان على آخر القائمة، بينما ستتوجه إلى دبي أو الدوحة أولا، وكل ما حدث في الأردن هو تأسيس شركات مساهمة عامة سحبت كثيرا من السيولة في السوق، وقامت بمشاريع غير مدروسة، مع البذخ في إنفاق إداراتها العامة، الأمر الذي أدى إلى امتلاء عمان بأطلال هذه المشاريع دون تقدم معقول، بينما تبخرت السيولة التي كان يمكن أن تدعم الاستثمار في القطاعات الانتاجية الصغيرة، ومن جانبها، قامت البنوك بمعاقبة صغار المقترضين بسياسة بالغة التحوط والحذر، لأنها لسعت من المقترضين الكبار، وبالتالي لم يتمكن الاقتصاد الأردني من الاستفادة من فورة القطاع العقاري، التي كانت خيارا خاطئا بالكامل. 

مواصفات من الرفاهية 
اليوم يعاني القطاع العقاري في الأردن من حالة ركود، ولكن أسعار الوحدات السكنية لا تتراجع ولكنها تتزايد مع الوقت، والحقيقة، أن جانب العرض هو الذي تراجع، فأصحاب المشاريع الإسكانية لا يمكنهم تخفيض الأسعار لأنهم اقترضوا من البنوك أو لأن أسعار المواد الأولية كان مبالغا فيها، كما أن السوق في السنوات الأخيرة فرض عليهم مواصفات من الرفاهية لمجرد المنافسة.
  بالتالي، فإن القطاع مهدد بالكامل وعلى المدى المتوسط بمرحلة من البوار، ستنعكس على قيمة الإيجارات المعروضة في السوق، والبعض يراهن على تحريك القطاع نتيجة توافد اللاجئين السوريين للإقامة في الأردن، وذلك أيضا افتراض يدلل على وجود إشكالية عميقة في الذهنية الاقتصادية لدى الأردنيين، فلا يمكن أن يتأسس  الحل في القطاع العقاري على أساس انهاك وإرهاق بقية القطاعات الأخرى، وصناعة طلب كبير يفوق العرض المتاح، بما يؤدي إلى تضخم جامح يدفع ثمنه المواطن الأردني البسيط. 

منطق الحالة بالحالة 
أزمة المالية العامة في أن مواردها الذاتية تراجعت، وهذه الموارد في الأساس هي مصدر تمويل النفقات ومن ضمنها الدعم الذي يقدم للطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، ويمكن الإبقاء على جانب من الدعم للسلع على أساس إعادة هيكلة قوانين الضرائب والجمارك، ولكن المشكلة أن المتضررين من هذه الهيكلة هم الأعلى صوتا والأكثر تأثيرا.
 كما أنه يمكن القول بأن الموقف التنافسي الاستثماري للأردن سيتراجع أيضا، مع المساس بهذه القوانين، وعلى ذلك ليس بوسع الأردن إلا أن تتعامل مع الموقف من منطق الحالة بالحالة، فاستقطاب شركة عالمية انتاجية وكثيفة العمالة يمكن أن يحظى بتسهيلات لهذه الشركة على مستوى الضريبة والإجراءات، أو استقطاب شركة أنظمة معلومات عالمية تفيد المهندسين والفنيين الأردنيين، ولكن ما هو مبرر استقطاب البنوك العالمية أو الاقليمية، وما هو السبب الذي يدفع لتقديم تسهيلات لشركات عقارية؟

بعض الخيارات المحدودة
الحكومة بدأت الطريق من النقطة الأصعب، وهي الدعم، ولذلك نفترض أن بقية الإجراءات المتعلقة بتحريك الإصلاح الاقتصادي من خلال توجيهه للقطاعات الإنتاجية ستكون مسألة أسهل، والأردن ليس أمامه سوى بعض الخيارات المحدودة، فإمارة دبي مثلا تنزح تحت ثقل ديون خرافية، ولكن المقرضين غير قلقين جدا، لوجود قدرة على تغطية هذه الديون في المدى البعيد من خلال موجودات الإمارة ومن أهمها النفط.
 ولكن في الأردن فإن الثروات المعدنية لا تمتلك نفس جاذبية النفط، ولا يمكن ممارسة مزيد من الاقتراض يؤثر على أصولنا السيادية ويضطرنا لأن نبيع اليوم حقوق أبنائنا في الغد لمجرد عبور أزمات مؤقتة، ولكن كل ما يمكن للأردنيين أن يفعلوه هو أن يتخيروا دعم القطاعات الإنتاجية، والقطاع السياحي، وممارسة المسؤولية تجاه السلوك الاستهلاكي،  وعلى الدولة والإعلام الاقتصادي أن يبدأ بدوه في ممارسة هذه النزعة التوجيهية، وأن ننتظر من المواطنين أن يكونوا على قدر المسؤولية في العمل على توجيه أموالهم واستثماراتهم في الخيارات التي تترك قيمة مضافة أعلى للاقتصاد الأردني، فيمكن الحديث عن اقتصاد البدائل، وإذا كانت من مصلحة الأردنيين أن يستهلكوا السولار في التدفئة أكثر من الغاز أو العكس، فإن على المستهلك الأردني أن يتخير البديل الذي لا يرهق الدعم أو يستنزفه أكثر من غيره. 
الأنانية يمكن أن تحقق المصالح الشخصية لفترة وجيزة أو متوسطة المدى، ومن ساهموا في قطاع شركات العقارات استفادوا لفترة محدودة، ولكن سقوط السوق جعلهم يتحسرون على قراراتهم، والحقيقة، أن الاقتصاد هو محصلة مجموعة من القرارات الفردية التي يجب أن تتصف بالعقلانية والمسؤولية إذا كنا نفكر في المستقبل البعيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com