الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

سؤاله يكون دائماً عن القفل: لأننا نخاف عليك أن تتوه..أصبحنا كالمفتاح!

صورة

نضال حمارنة - أيها المُختصر والمُحجّم ، المسنن والمدبب وذو الحلقة ، العريض وربما الرفيع ، الأسطواني أو المسطّح ، اللامع أو الداكن ، الكبير أو الصغير أم المُنمنم ، المعلق بحبل أو بخيط ، المُعزز المكرّم بسلسلة أو جيب أو حقيبة . نخاف عليك أن تتوه ، أو تسقط ، أن تغيب لذا نتفقدك وأحياناً نلمسك بين الوقت والوقت ، نطمئن على سلامتك وميزاتك .. نبعدك عن النار والماء ، نحميك لأننا نحتمي بك ؛ أيها المفتاح .
 قبل وجودك لم تنم الناس ملء جفونها .. ولم تنعم بالسكينة في مأواها ، فأنت واهب الرصانة إلى قلقنا . 
 من أجمل ما كتب عنك في قصيدة « المفتاح « للشاعر الرائع هاشم شفيق :
 هو كسرةُ سرٍّ
 أو شريحةٌ من سؤال ،
 سؤاله يكون دائماً عن القفل 
 بينما سرّهُ يكمنُ في الباب ،
 يتقدمنا حين ندخلُ
 وحين نهمّ بالخروج 
 هو نزيل الجيوب الدائم ،
 نصطحبه دائماً معنا ،
 نتحسسهُ أحياناً ،
 مرّات 
 نتفحّصُ أسنانه 
 ونواجذه
 لنتأكدَ من سلامتها ،
 نخافُ عليه من الضياعِ
 لأنه فلذّةُ منزلنا .»

مفاتيح الدور البدائية - الهامشية
 لم يقف دور المفتاح على فتح ما هو مغلق أو الدخول إلى مجهول نريد التعرف عليه ، بل تحوّل إلى الحارس الأول لأمان الإنسان ، بتخفيفه الأرق والهواجس القادمة من خلف الباب .بدأت صناعته من الخشب ؛ مفاتيح الدور البدائية أو الهامشية ، ومن ثم الحديد والبرونز أو النحاس ، وصنعت مفاتيح الأثرياء من الفضة أو الذهب وأحياناً رصّعت بالأحجار القديمة . أما عامة الشعب عبر الزمان فقد زينت مفاتيحها بالتيمات والنقوش والعبارات التي تناسب قناعاتها الشعبية والدينية ؛ حرصاً على المفتاح . كثرت استخدامات المفاتيح منها للبيوت والقصور والمدن والصناديق التي تحفظ فيها الأشياء النفيسة من مجوهرات أو صكوك ملكية . وفي الحضارات القديمة كانت مفاتيح المقابر هي الأثمن والأكثر سرّيّة لحفظ أرواح الموتى التي ستعود للحياة من جديد . واختلفت أحجام المفاتيح وأوزانها بغض النظر عن سعة الأبواب . وكان حاكم المدينة أوالمملكة يعلق مفتاح مدينته أو مملكته بسلسلة على رقبته .

 من يملك المفتاح يملك البيت!
 ارتبط المفتاح بالمُلكيّة فمن يملك المفتاح يملك البيت ( وهناك ألآف العائلات الفلسطينية التي احتفظت بمفاتيح بيوتها أثناء النزوح و إلى اليوم )وكم من مفاتيح أودعت لدى مقربين أثناء الهجرات من الاضطرابات السياسية .
 وكم من القادة الفرسان قدّموا مفاتيح مدنهم وهم يذرفون دموع الهزيمة ، ومنهم من رفض الاستسلام وخرَّ صريعاً فوق ارض المعركة ليدوس عدوه على صدره ثم يسحب من عنقه سلسلة مفتاح مدينته المخضب بالدماء.

«افتح ياسمسم»
 تحوّل المفتاح إلى رمز للمطلقات عند المصريين القدماء ، فكانوا أول من ابتدع مفتاحاً لنهر النيل المقدّس وأطلقوا عليه اسم ( مفتاح الحياة ) لإعتقادهم أن النيل هو مصدر الحياة وضموا اليه زهرات اللوتس ، وذلك موثق على رسوم الجداريات والتماثيل والمسلات والمعابد . 
 ..ومنذ عبارة « افتح ياسمسم « الواردة في إحدى قصص (ألف ليلة وليلة)تلك المرويات الخيالية الساحرة .أضاف الناس تأويلات متعددة للمفتاح ولم تعد تربطه بالقفل أو الأبواب الموصدة ، فاخترعت لفنونها مفاتيح ،للموسيقا وآلاتها مفاتيح وللنوتا المكتوبة مفاتيح وأشهرها مفتاح الصول . وعندما قدم الموسيقار فريد الأطرش أغنية « قلبي ومفتاحه دول ملك ايديك « رد المطرب كمال حسني والفنانة شاديةعليه بأغنية « لو سلمتك قلبي واديتلك مفتاحه رح تقدر على حبي ودموعو وأفراحو» للقلوب مفاتيحها وأقفالها . فالبشرية بطبعها تنحو إلى الأمل والإشراق بالمستقبل ، فهي تتخفف من المفاتيح الصدئة أو المتكسّرة وتبحث عن ما ييسر لها سبل الحياة ، وإن تظهر أصوات في كل أمم الدنيا تتدعي استحواذها على مفاتيح الحريّة أو الجنّة وتمارس عنفها واضطهادها النفسي أو الدموي على الآخرين ، فقد عانت شعوب أوروبا منذ قرون من هذا الادعاء واليوم هي ترفل بحرية التفكير بعيداً عن الاستبداد والجبرية .

 أقفال مدمجة بمفاتيحها 
المفتاح الصغير ، الذي نحمله في جيوبنا وحقائبنا هو مفتاح بيتنا الصغير .. البيت الذي نقيم فيه ونسترخي بين جدرانه .
 أما المفاتيح الأخرى في حياتنا هي مفاتيح أقرب لكلمة السر ، أو الرقم السري المبرمج .
مع التطور التكنولوجي بدأ العالم يتخفف من المفاتيح التقليدية فتحوّلت مفاتيح خزائن المال المنزلي إلى أقفال مدمجة بمفاتيحها ذات الأرقام السريّة كذلك صناديق الودائع والمجوهرات ، والحقائب والسمسونايت . كما استُبدِلت مفاتيح البنوك والفنادق الكبرى بالكرت الألكتروني الذي يصعب تزويره وأصبح للسيارات والطائرات مفاتيح تتحكم بالفتح والإغلاق عن بعد بوساطة إشعاع معين . ونجد أن كل الأدوات الحديثة التي نستخدمها كالموبايل أوالكومبيوتر أو اللابتوب لها مفاتيحها العصرية والسرية .
كما للأشياء والممتلكات مفاتيح للأفراد أيضاً مفاتيح ؛ فلكلٍ منا مفتاحه الخاص ؛ مفتاح الدواخل الذي يطبطب على النفس ويحميها ، إنه خصوصيتنا التي من الصعب أن نمنحها إلى أحد وإن ادعينا عكس ذلك 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com