الأحد، 7 أكتوبر 2012

الزواج العرفي بين موقف الشرع ونظرة المجتمع ورأي القانون

صورة


غدير سالم   .. في حياتنا اليومية؛ قضايا  اشكالية  يرفضها العقل ولا يتقبلها (...) فكيف يتقبلهاالمجتمع   ؟.
و الأهم في  طبيعة فهم مجتمعنا العربي الاسلامي   من هذا وذاك ، ويشكل  موقف» الدين»منها !.  .. ومن هذه الأمور  «الزواج العرفي»(..) الذي يقدم عليه فئة من الشباب والشابات، دون النظر الى آثاره التي تقع على الطرفين،وعلى المجتمع بأكمله، وهنا تحدث الكارثة التي لا يشعر بها الطرفان في بداية الأمر ،و ما تلبث أن تظهر بصورتها السيئة ،ونبدأ بالقول:
-  « يا ليت « !  وحتى لا نصل إلى هذه اللحظة، التي نقول فيها «يا ليت « ، علينا أن نضبط أعمالنا ،وسلوكاتنا  بضوابط الشريعة  الإسلامية ،وقبل تبيين الأحكام المتعلقة بالزواج العرفي لنتعرف على مفهوم الزواج ،وحكمة مشروعيته، وحكمه .

 تعريف الزواج 

الزواج حسب المادة (2) من قانون الأحوال الشخصية الأردني هو :» عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً لتكوين أسرة و إيجاد نسل بينهما» ،و يظهر هذا التعريف المقصد الأسمى من الزواج وهو « التناسل» الذي يتحقق بالمعاشرة الجنسية بين الزوجين، اضافة الى  السكن والمودة التي يحققها الزواج .
قال الله تعالى:»وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم

حكم تشريع الزواج 
وبحسب أستاذ الفقه الإسلامي و أصوله في كلية الأميرة عالية الجامعية  الدكتور محمد علي الهواري في لقاء مع «أبواب» بين أن  لتشريع الزواج في الإسلام حكم متعددة منها : إيجاد السكن النفسي بين الزوجين ،  و تهذيب النفس وتحصينها من الوقوع بالزنا ، و حفظ النوع الإنساني  وبقاؤه تحقيقاً للمشيئة الإلهية بالاستخلاف في الأرض الذي يحتاج إلى النسل لاستمرار الحياة الإنسانية ، ومن أجل الإستجابة لنداء الفطرة فالإنسان بفطرته يرغب أن يكون له ذرية طيبة ويرغب في أشباع رغبته الجنسية والزواج يحقق له ذلك .

أحكام الزواج في الإسلام 
وأضاف الدكتور الهواري أن الزواج في الإسلام تتناوبه أحكام  متعددة فقد يكون واجبا « إذا كان الرجل يخشى على نفسه الوقوع في الزنا ، وهو قادر على القيام بالأعباء الزوجية « ، وقد يكون حراما « إذا تيقن الرجل أنه سيظلم الزوجة ،أو أنه غير قادر على القيام بالأعباء الزوجية» ويكون مندوبا « اذ كان الرجل قادرا على القيام بالأعباء الزوجية ولا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا « .
هذا فيما يتعلق بالزواج الشرعي ، أما فيما يتعلق بالزواج العرفي فلا بد أولاً من معرفة ما المقصود بالعرف ، ولماذا سمي هذا الزواج بهذا الإسم .

ما هو العرف ؟
ذكر الدكتور محمد الهواري أن «العرف» له تعريفات متعددة، وأنهاعلى إختلافها لا تخرج عن كونه أمرا من الأمور الشائعة بين الناس ، يعرفه الجميع ويدركونه ويلاحظونه ، وقد عرف الشيخ مصطفى أحمد الزرقا العرف بأنه :» عادة جمهور قوم في قول أو فعل « ، ومن ذلك التعارف على قول يطلقه الناس على معنى خاص معين يختلف عن المعنى الحقيقي الموضوع له بحيث ينصرف الذهن عند ذكر اللفظ إلى المعنى المتعارف عليه ،لا الى المعنى الحقيقي الذي اصبح متروكا ،ويحتاج عند اراده الى زيادة ايضاح ،ومن الأمثلة على ذلك عند ذكر كلمة الولد» التي تطلق على الأنثى والذكر في المعنى اللغوي،الا انها تنصرف الى «الذكر»وهو  المعنى المتعارف عليه بين الناس .

 لماذا سمي الزواج العرفي بهذا الإسم ؟
وأضاف الهواري في تبيين سبب تسمية الزواج العرفي بهذا الإسم ، أن بعض العلماء المحدثين ذكر أن السبب في تسمية الزواج العرفي بهذا الإسم ، كونه عرفاً اعتاده المسلمون من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم دون أن يهتموا بالتوثيق ، وبين أن ما ذهب اليه القائلون بذلك لا يستقيم لأن الزواج في الإسلام عقد شرعي وليس عرفياً ,والدليل أن عائشة رضي الله عنها بينت انواع النكاح في الجاهلية، واوضحت أن النبي صلى الله عليه وسلم هدم الأنواع كلها الا النكاح الذي يخطب فيه الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته وينكحها ، وحول أن المسلمين لم يكونوا يهتمون بالتوثيق فهذا غير صحيح ، لأن للتوثيق صورا مختلفة منها الكتابة، والإشهاد ،والكتابة والإشهاد معا، وقد كان قديماً التوثيق بالإشهاد إلى أن فسدت الذمم فلجأ الناس الى التوثيق بالكتابة حفظاً للحقوق .
وحول مفهوم الزواج العرفي ذكر أنه  :» يوجد إختلاف وتباين في تعريفه عند العلماء ، فمنهم من يجعل العرفي والشرعي بعنى واحد لأن التوثيق عندهم ليس شرطاً من شروط العقد،ومنهم من فرق بين هذين النوعين بأن الموثق بوثيقة رسمية هو الزواج  الشرعي ، ومنهم من يرى أن الزواج العرفي هو الذي يتم بين الزوجين برضاهما دون النظر إلى الدين ، وهذا التباين في مفهوم الزواج العرفي يقودنا لمعرفة  الصور التي يتم بها الزواج العرفي .

 صور الزواج العرفي 
وبين الدكتور الهواري عددا من صور الزواج العرفي منها :» الصورة الأولى ( ان يتم الزواج العرفي برضا الزوجين دون ولي و شهود و توثيق دون الالتفات الى الاتفاق او الاختلاف فيه بينهما ) وحكم هذاالزواج « حرام وباطل « لأنه يفتقد الى شرطين من شروط صحة العقد فلا يوجد ولي للزوجة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :» لا نكاح إلا بوليّ» ، ولا يوجد شهود على العقد والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :»أيما أمرأت نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل» .
أما الصورة الثانية ( أن يتم عقد الزواج العرفي بحضور الزوجين والولي ، ودون شهود ولا توثيق ) ، وحكم هذا الزواج حرام وباطل ، لأن الشهود شرط صحة في عقد النكاح والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :» لا نكاح إلا بشهود «. 
واما الصورة الثالثة (أن يتم الزواج العرفي بموافقة الزوجين مع وجود شاهدين وعدم وجود الولي ودون حاجة إلى وجودالمأذون الشرعي ) وحكم هذا الزواج باطل وحرام شرعاً لعدم وجود الولي ، لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي، وقوله» لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها».
والصورة الرابعة :ان يتم عقد الزواج العرفي بحضور الزوجين وولي الزوجة والشهود مع اشهار العقد ولايحرر في وثيقة عرفية كانت او رسمية .
أما الصورة الخامسة  :ان يتم عقد الزواج العرفي بحضور الزوجين وولي الزوجة والشهود مع اشهار العقد وتم تحريره بوثيقة عرفية لا رسمية .
وهاتان الصورتان يوجد بينهما اتفاق واختلاف ، اما الاتفاق ( فهو ان  عقد النكاح تم بوجود الزوجين والولي والشهود واشهار العقد ) وأما الإختلاف (ففي الصورة الرابعة  لم يوثق العقد بوثيقة عرفية او رسمية  ، أما الصورة الخامسة فقد وثق العقد بوثيقة عرفية لا رسمية ) والصورتان لا تذكران التوثيق بصورته الرسمية ، والأمر الرئيس في هذه المسألة هل لتوثيق العقد لدى الجهات المختصة اثر في صحة العقد او لا اثر له ، والحقيقة ان للتوثيق اثرا في صحة العقد ،وان كان مستحدثا من اجل حفظ الحقوق ، والدليل على وجوب التوثيق قوله تعالى :»يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فالآية الكريمة أوجبت طاعة أولي الأمر فيما يستحدثونه إذا كان متفقاً مع قواعد الشريعة ومحققاَ لمصلحة المسلمين .

المادة 17 من قانون
 الاحوال الشخصية  الأردني 
وبناء على ذلك فالزواج  اذا لم يوثق لدى الجهات المختصة فهو باطل ، وقد اوجب قانون الأحوال الشخصية الأردني تسجيل عقد الزواج لدى الجهات المختصة  و رتب عقوبة على الذي لا يوثق عقد الزواج ،لكنه لم يتطرق لمسألة بطلانه أو عدمها ، فقد نصت المادة (17) من قانون الأحوال الشخصية الأردني على مايلي : 
« أ - يجب على الخاطب مراجعة القاضي أو نائبه لإجراء العقد .
ب- يجري عقد الزواج من مأذون القاضي بموجب وثيقة رسمية ، وللقاضي بحكم وظيفته في الحالات الإستثنائية أن يتولى ذلك بنفسه بإذن من قاضي القضاة «.

عقوبة عدم توثيق العقد في القانون 
وفيما يتعلق بعقوبة من لا يوثق عقد الزواج فقد نصت المادة (17) من قانون الأحوال الشخصية الأردني في الفقرتين (ج) و (د) على ما يلي :
«ج» إذا جرى الزواج بدون وثيقة رسمية ، فيعاقب كل من العاقد والزوجين والشهود بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني ، وبغرامة على كل منهم لا تزيد عن مائة دينار .
«د» كل مأذون لا يسجل العقد في الوثيقة الرسمية بعد استيفاء الرسم يعاقب بالعقوبتين المشار إليهما في الفقرة السابقة مع العزل من الوظيفة «. 
وقانون العقوبات الأردني فيما يتعلق بهذه المسألة يوجب عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر على من أجرى مراسيم الزواج أو كان طرفاَ في إجراء تلك المراسيم بصورة لا تتفق مع قانون حقوق العائلة أو أي قانون آخر أو شريعة أخرى ينطبق أو تنطبق على الزوج والزوجة شريطة أن يكون عالماً بمخالفته للقانون . 
و قانون  الأحوال الشخصية الأردني وان وضع عقوبة  على عدم تسجيل العقد الأ انه لم يتطرق لصحة العقد أو بطلانه ، علما ان القانون الأردني  لا يرتب أي أثر قانوني من استصدار دفتر عائلة وهوية الأحوال المدنية وشهادة الولادة إلا بوجود عقد الزواج الشرعي  الموثق لدى  الجهات المختصة، فما فائدة الزواج غير الموثق أمام هذه الوقائع ؟ 
ويؤكد الدكتور الهواري على أن للتوثيق أثرا في صحة العقد ، وانه يجب النص على بطلان عقد الزواج الذي لم يوثق للأضرار الكبيرة المترتبة على عدم توثيقه .

لما يقبل الشباب على الزواج العرفي ؟
وأضاف فيما يتعلق بأسباب الزواج العرفي ولماذا يقبل الشباب على هذا النوع من الزواج  أن هناك العديد من الأسباب منها :»الأسباب الإقتصادية ، فمثلاً عدم الرغبة بفقدان الراتب التقاعدي للزوجة التي توفي زوجها فتلجأ للزواج العرفي لأن الرسمي يوقف هذا الراتب ، ومن توفي زوجها وترك لها ولداَ وحيداً يهتم بها فتلجأ للزواج العرفي حتى لا يدخل ابنها في الخدمة العسكرية ، ومنها أسباب إجتماعية فمثلاً المكانة الأدبية العالية للزوج خاصة إذا كان متزوجا ويرغب بالزواج بمن هي أقل من مستواه الإجتماعي كأن يكون رجل أعمال ويتزوج السكرتيرة ، وإعتقاد بعض الشباب أن الزواج العرفي ينظم العلاقة الجنسية ويقيهم من الوقوع في الزنا ، ووضع الأهل تحت الأمر الواقع ففي بعض الحالات التي يرفض الأهل أحد الطرفين لأسباب عديدة فيلجأ الشباب لهذا الزواج ، وعدم فهم الشباب لمؤسسة الزواج ، ومن أهم الأمورالتي تدفع الشباب لهذا النوع من الزواج ضعف الوازع الديني لديهم مما يجعلهم لا يتحكمون  بأفعالهم وتصرفاتهم فيقبلون على هذا الزواج  ويقومون بأفعال مخالفة لمنهج الإسلام . 

  الآثار المترتبة على هذا النوع من الزواج 
أما فيما يتعلق بالآثار المترتية على هذا الزواج فمنها ما يقع على الزوجين ومنها ما يقع على المجتمع حسب ما ذكر الدكتور الهواري .
اما آثاره على الزوجين ، فالزواج العرفي معرض للإنكار من قبل الزوج والزوجة وما يترتب على كليهما من أضرار بسبب هذا الإنكار ، عدا عن أنه يؤدي إلى استغلال كلا الزوجين للآخر ، وتهديده له ، وفي هذا الزواج فتح للظنون والمفاسد والشبهات والإتهام في الأعراض والأنساب . 
أما فيما يتعلق بآثاره على المجتمع فيؤدي إلى ضياع الأنساب واختلاطها ، خاصة عند علم الرجل بأن زوجته حامل فيهجرها وتتزوج غيره ولا تعلمه بالحمل فتختلط الأنساب، عدا عن أنه يعمل على إشاعة الفاحشة في المجتمع نظراً أن المتزوجين عرفياً لا مكان لهم ليستقروا فيه فيذهبوا إلى الشقق المفروشة وغيرها فيشاهد الناس فعلهم ويحاكونهم ويسلكون مسلكهم .

كيفية التخلص من اللجوء لهذا النوع من الزواج 
وفي نهاية الحوار ذكر الهواري كيفية الخلاص من لجوء الشباب والشابات لمثل هذه الافكار قائلاً:»  لا بد من القيام بشكل أساسي ورئيسي بتنمية الوازع الديني لديهم فتصبح تصرفاتهم مضبوطة بميزان الشرع كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام :»  أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك « ، ولا بد من معالجة الأسباب التي تؤدي إلى لجوئهم لهذا الزواج ، ومن ذلك معالجة  مشكلة غلاء المهور ، وتخفيف مطالب الأهل دون الإنتقاص من حق المراة ، و تغيير المفاهيم الإجتماعية للناس  لتصبح ضمن المنهج الإسلامي.

اتحاد المرأة وإدارة حماية الأسرة
وحاولنا الحديث  مع «اتحاد المرأة»  و»إدارة حماية الأسرة « عن  وجود حالات للزواج العرفي في المجتمع الاردني ولمعرفة عدد هذه الحالات و توضح لنا عدم وجود أي حالات تصل الى هذه الجهات ،وان ما لديهم من معلومات قاصرة ويتم تحويل بعض الحالات الى القضاء الشرعي .
ففي اتحاد المرأة تحدثنا مع المرشدة الإجتماعية «علياء طنطاوي» فقالت :» أن الإتحاد لم يمر عليه أي حالة من حالات الزواج العرفي مطلقاً «.
أما رئيس مكتب الخدمة الإجتماعية في إدارة حماية الأسرة «عبد السلام الرواحنة» قال :» نحن في الخدمة الإجتماعية ،لا نتعامل مع حالات الزواج العرفي وفي حال وجود أي حالة يتم تحويلها سريعاً إلى القضاء « .
من أجل أن نحد مشاكل    هذه الظاهرة ،لا بد من تكاتف  الوسائل التربوية والإعلامية  والاجتماعية مع بعضها البعض  ،فدور الأسرة في توعية الأبناء ونصحهم ، ودور المدارس والجامعات ودور وسائل الإعلام  ، يجب  أن تساعد جميعها في التخلص من هذه الظاهرة بشتى الطرق والوسائل ، لأنه لا يترتب عليه أية فوائد وإنما جميعها خسائر وخسائر كبيرة جداً وما لا يترتب عليه الفائدة وانما لا يجلب إلا الضرر فيجب منعه واقتلاعه من الجذور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com