الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

د.أيوب أبودية - صحيح أن تركيز العناصر المشعة في الفحم الحجري يكون في العادة قليلاً، ولكن ما يلبث تركيز العناصر المشعة ما يلبث أن يزداد باضطراد بعد احتراق الفحم الحجري لتغدو تراكيز العناصر المشعة في الرماد الناجم عن الاحتراق أكثر بعشر مرات التركيز الأصلي، حيث إن الرماد يشكل نحو عشرة بالمئة من كتلة الفحم.
وتنتشر العناصر المشعة في الطبيعة حول المصنع الذي يحرق الفحم الحجري لمسافة بضع كيلومترات، وقد أثبتت ذلك دراسة نشرت في مجلة Science الشهيرة، كذلك قارنت الدراسة بين شدة تعرض الناس للإشعاعات المؤينة حول مواقع إحراق الفحم الحجري لمسافة تصل إلى 1.6 كيلومتر في مقابل الإشعاعات المؤينة الناجمة عن المفاعلات النووية في الأحوال الاعتيادية ومن دون حدوث أي كوارث نووية، وكانت النتيجة أن شدة الضرر متماثلة بين الحالتين، الأمر الذي يلفت الانتباه إلى أضرار استخدام الفحم الحجري على البيئة القريبة من المصانع التي تحرق الفحم الحجري.
 ويحتوي الفحم الحجري بطبيعته على عناصر مشعة مثل اليورانيوم والثوريوم والراديوم Ra والرادون Rn، فضلاً عن مواد عالية السمية من عناصر كيميائية كالزرنيخ والزئبق والسيلنيوم Selenium.
 ويصل معدل تراكيز اليورانيوم في الفحم إلى نحو 20 جزء بالمليون في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي نسبة متدنية، ولكن عندما يبقى الرماد بعد الاحتراق ويتراكم فإننا نتحدث عن عشرة أضعاف التركيز من العناصر المشعة.
 ومما يجدر ذكره أن الرماد الناجم عن احتراق الفحم الحجري في موقع صناعي في جمهورية الصين الشعبية قد وجد أنه يحتوي على 160 جزء بالمليون من أكسيد اليورانيوم، وقد شرعت شركة أمريكية Sparton Resources في استخلاص الكعكة الصفراء من مخلفات احتراق الفحم الحجري؛ وهذا التركيز لأكسيد اليورانيوم كان تجاريا قبل حادثة فوكوشيما، ويفوق بكثير تركيزات اليورانيوم في الصخور الكلسية الأردنية، على سبيل المثال، بل ويفوق تراكيز اليورانيوم في بعض خامات الفوسفات أيضاً.
وتزداد خطورة رماد الفحم الحجري المتطاير بذوبانه في الماء وجعل المياه حمضية، وبالتالي فإنها تصبح أكثر ملاءمة لذوبان العناصر المشعة فيها وإدخالها في سلسلة الغذاء لمسافات بعيدة وعميقة تحت الأرض.
 ختاماً، وبعد كل هذه المخاطر التي استعرضناها في حال استخدام الفحم الحجري فإننا نرى أنه قد مضى على إنشاء بعض المصانع نحو ستين عاماً، وقد أصبحت أجزاؤها قنابل موقوتة متموضعة بين السكان سوف تمتد آثارها البيئية والصحية لعقود قادمة؛ لقد آن الأوان أن يتم إصدار قرار مسؤول، ليس لمنع استخدام الفحم الحجري وحسب، إنما لإغلاق المصانع «الأثرية» إغلاقا تاما وإعادة تأهيل المنطقة برمتها رحمة بالإنسان والطبيعة الحية المحيطة بها ورحمة بهذا الكوكب الجميل .... أمنا الأرض، أو ربما ينبغي أن تصبح متاحف كي تظل شاهدا على تاريخ المنطقة شديد التلويث للبيئة والإنسان والطبيعة الحية برمتها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com