الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

مقاهي القاهرة ما تحملنا اليه الشوارع.. ورائحة الشرق !

صورة

نضال حمارنة - القاهرة مدينة لا تهدأ ولا تنام ، أول عمرانها عين شمس ( هيليوبوليس ) في مصر القديمة ، والقطائع مع عمرو بن العاص ، وقاهرة المعز بإشراف جوهر الصقلّي .
 أما القاهرة الحديثة؛ فقد نُظمت في عهد الخديوي إسماعيل ، تبدأ من ميدان التحرير _ الإسماعيلية سابقاً _ الذي تتفرع منه عدة شوارع عريضة , تجمّلها أبنية متناسقة البهاء , ومحلات تجارية واسعة ؛ تضاهي مدن العالم في ذلك الزمان .
الى أن نصل إلى قصر عابدين مروراً بميدان طلعت حرب ، وإبراهيم باشا .
ومن الجهة الجنوبية لميدان التحرير يطل علينا تمثال الشهيد عبد المنعم رياض، بميدانه المطل على المتحف المصري ؛ وشارع ماسبيرو الطويل الذي يضم مبنى الإذاعة والتلفزيون وسمّي ماسبيرو تكريماً لعالم الآثار الإيطالي واضع اللبنات الأولى لهذا المتحف . من شمال الميدان ننطلق الى حي جاردن سيتي مروراً بالجامعة الأمريكية.وقد اتفق الناس على إضفاء لقب وسط البلد على ميدان التحرير وشوارعه الممتدة .

القاهرة القديمة نكهة احتفالية :
من صرح الأزهر الشريف إلى مسجد الحسين، تتهادى تعاريج الشوارع المحملة بنكهات محلات العطارين، المختلطة بأصوات الباعة وأصحاب الكرامات ، والآذان والذكر ، ولا مانع أن تصل بالمعية إحدى وصلات الست أم كلثوم ، وبعض من قفشات المارّة الضاحكين .
فتحس أن خدراُ ما يستولي عليك ويبعدك عن هموم ترافق حياتك وأنت تتجول في تلك الأزقّة ،متذكراً فيلماّ بعينه , أو مقطعاّ من رواية لنجيب محفوظ , لتأخذك قدميك إلى المقهى المسمّى على اسمه محبة من صاحبه , وهناك تجد أعماله الكاملة , وعازف قانون متمرسا يشجيك بمقاطع من أغاني أم كلثوم . 
لقد شغف محفوظ بصوت أم كلثوم في مطلع شبابه وظل وفيّاً لهذا الشغف حتى غيابه عن دنيانا ؛ إذ سمّى ابنته الكبرى أم كلثوم , وكان في شبابه وكهولته يفضل الجلوس بمقهى أم كلثوم القريب من ميدان رمسيس وجريدة الأهرام , كان يقتطع من وقته كل يوم إثنين من الأسبوع للقاء مجموعة من الكتاب المريدين ( الحرافيش ) يتطّلع على نصوصهم ويتشارك معهم في النقاشات النقدية والأحوال الثقافية ؛ ومن هؤلاء جمال الغيطاني ويوسف القعيد وسيد خميس وانضم محمد سلماوي إليهم في السنوات الأخيرة .

 قهوة الفيشاوي 
في ساحة مسجد الحسين تنتشر مجموعة كبيرة من المقاهي المتلاصقة ،كأنك لا تميّز الواحد عن جاره ، الطاولات ،الكراسي / الشيشة بأنواعها وروائحها وطعمها ، وحتى بائعو المسابح ، وكوؤس الشاي بالنعناع .
اما أشهر تلك المقاهي،فهنا « قهوة الفيشاوي « إذ تكونت شهرتها أثناء الحراك السياسي الذي تزعمه سعد زغلول باشا . لقد تجمّع في هذا المقهى تحديداً ـ شبان يتقنون فن القافية ـ والقافية تعبير شعبي مصري يحوّل كلمة ما إلى معنى آخر باستبدال حرف بآخر , تجمع التورية اللفظية بالفكاهة والنقد الإجتماعي أو السياسي , وظلت تلك الحالة تتنامى إلى أن تحوّلت إلى مدرسة في خفة الظل السياسي , تخرّج أجيالا من الموهوبين . وبعد نكسة 1967 منعت السلطات ذاك النشاط إلى يومنا هذا . ولا يزال مقهى الفيشاوي يجتذب الزوار والسائحين دون قافية تذكر . 
لساحة مسجد الحسين جماليات وطقوس في المناسبات الدينية , في عيد المولد النبوي تزدان المحال بالعرائس والجياد المصنوعة من السكر الملوّن .
 وتعلق الفوانيس المضاءة في شهر رمضان على مداخل الأسواق والأبواب كافة . أما في عيد الأضحى فتبدأ الجموع بالتوافد على الساحة الرئيسة للمسجد في الليلة التي تسبق فجر العيد للتبرك بالمسجد ووضع النذور أو توزيع أنواع من الأطعمة على روح مرحوم أوصى بالخير . وقبيل صلاة فجر العيد يتوافد حاملو أكياس لحوم الأضاحي , لتوزيعها على أصحاب النصيب من الفقراء , بين هرج ومرج وسط دعوات الجميع بسنة طيبة , وأمنيات بزيارة قبر الرسول , والحج إلى عرفة . ثم تبدأ الأدعية من بعض المنشدين أو أصحاب الكرامات إلى أن يصطف الراغبون في الصلاة ؛ ليسود صمت عميم مع علو صوت المؤذن الرخيم ذي الجمال وحلاوة الحس الروحاني :» الله وأكبر كبيرا والحمد لله كثيرا......» وعند انتهاء طقوس الصلاة , يتفرق المصلون إما لزيارة قبر عزيز لديهم . أو العودة إلى بيوتهم لتناول الإفطار المكوّن من كبد وكلاوي مع عائلاتهم وأقاربهم . 

 مقاهي وسط البلد 
مع بدايات القرن العشرين، لم تعد مقاهي القاهرة مصنفة ذلك التصنيف الطبقي الواضح , فمثلاً كان مقهيا جروبي وحدائق جروبي للاثرياء , وكانت هناك مقاه للخواجات ؛ للطليان أو اليونان . ومقاه شعبية للفئات الاجتماعية المختلفة كالموظفين والعمال والفنانين . مع بداية الحياة الدستورية 1923 , بدأت شرائح المجتمع تهتم بالحالة السياسية , فتعددت الآحزاب والتيارات . وازدهرت الحياة الثقافية والفنون من مسرح وسينما وشعر ونثر وموسيقا وغناء . وكان البعض يقدم إبداعه في بعض المقاهي الشعبية كاسماعيل يس وشكوكو . وبدأت تتشكل مجموعات أدبية مختلفة منها الرومانسية كحركة ابولو او الحركة السريالية وكان أحد فتيانها الكاتب ادوار الخراط . في فترة الستينيات كان المقهى الثقافي بمثابة مدرسة نقدية وفكرية تتبادل فيه الإبداعات المحلية والعربية والترجمات عن الآداب العالمية .
من أشهر تلك المقاهي مقهى ( ريش ) الذي أمّه كبار شعراء وكتاب مصر أحمد عبد المعطي حجازي , أمل دنقل , كامل الشناوي , عبد الرحمن الخميسي , يحيى الطاهر عبد الله , عبد الرحمن الأبنودي , صلاح جاهين , غالب هلسا, ويوسف إدريس ولاتتسع مقالتي لاسماء الآخرين رغم أهميتهم .
أما مقهى ( لا بّس ) فكان يرتاده مجموعات تهتم بالفنون البصرية والتمثيل والسينما والكاريكاتير منهم صلاح أبو سيف وكانت تأتي إحدى الشابات وهي طالبة في معهد السينما تنصت لتستمع لحديثه بكل اهتمام مع آخرين ؛ تلك الشابة أصبحت اليوم المخرجة المعروفة إيناس الدغيدي .
 ومن الأسماء المشهورة في عالم الكاريكتيرروؤف عيّاد ومن الممثلين عادل إمام وأحمد زكي وغيرهم كثر . في أواخر السبعينيات أغلق مقهى ريش .
فقررت مجموعة كبيرة من مبدعي الأدب والفن التشكيلي استئجار مكان في ميدان طلعت حرب من حسابها الخاص ـ اشتراك سنوي ـ وافتتحت أتليه القاهرة ؛ ما زال موجوداً إلى اليوم . تعرض فيه الأعمال التشكيلية وتقام الندوات النقدية ويشارك فيها كبار النقاد والكتاب والأكاديميين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com