الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

حكايات عن الأبواب ..أسرارها وعالمها الثري!

صورة

نضال حمارنة  - بعد أن امتهن الإنسان الزراعة ، قرر الاستقرار بجانب أرضه ، لكونها الأمل باستمراره بالحياة ، فشيّد مسكنه الأول ، ولكي يتّقي تقلبات المناخ كالرياح والعواصف والأمطار والسيول ، ومخاطر هجوم الحيوانات المفترسة ؛ اخترع باب المسكن من مواد بيئته المتاحة كالنباتات السامقة أو خشب الأشجار . وفيما بعد دجّن الطيور والحيوانات كمصدر للغذاء ووسيلة من وسائل الإنتاج الزراعي . استكمل الإنسان اختراعه الأول ببناء السياج حول البيت ليحمي المورد الثاني لاستقراره الغذائي ومستلزمات حياته الزراعية ، حتى غدا سور السياج بمثابة باب إضافي لحماية الممتلكات .

طوّر الإنسان بنية الباب 
بعد نشوء الإقطاعات الزراعية الواسعة ،ظل يُنظر للباب كوسيلة للحماية والوقاية من غضب الطبيعة ومن شر الغزوات والاقتحامات . مع بناء المدن والممالك طوّر الإنسان بنية الباب فأضاف المزالج للفتح والإغلاق والأقفال الداخلية وفيما بعد الخارجية ، وتحوّلت بعض أبواب المدن إلى ما يشبه المتاريس المعدنية الثقيلة تحتاج إلى جنود أشدّاء لفتحها وإغلاقها أو اقتحامها . ولتعزيز فكرة أهمية باب المدينة ابتدع الاغريق ميثولوجيا (أخيل) وخديعة حصان طروادة . ومع اتساع الامبراطوريات أضيف للأبواب المتمترسة ، القلاع الحربية ، وأسوار المدن كسور الصين العظيم لحماية الأبواب . بذلك تحوّل الباب إلى معنى رمزي يساوي فكرة الحدود ـ حدود المدن أو الممالك أو مركز الامبراطورية .

أوابد تاريخية
 على خطى تقدم البشرية وبداية تكوّن الأمم ومن ثم الدول الوطنية ، أصبحت أبواب المدن القديمة في العالم أوابد تاريخية يستذكرها المارّة ويعتبرونها جزءً من آثارهم عبر الزمن لها تصنيفها المعماري والفني والحضاري الخاص بها فتلك نبطيّة وأخرى بابلية أواغريقية أو رومانية وتلك أموية أو أندلسية أو مغاربية وهكذا وبوابات القدس اليوم خير شاهد ومثال على هذا التنوع . وهناك أبواب نمر بجانبها فتجنح إلى دواخلنا أحاسيس المرارة على ضحايا علقت روؤسهم بمأساوية تحت أأقواسها كبوابة الشهداء في حي الصالحية بدمشق وباب زويلة في القاهرة وغيرهم . يروى أن « الأشرف خليل بن قلاوون حاكم مصر وبلاد الشام آنذاك خاض آخر معاركه مع الفرنجة بتحرير ساحل بلاد الشام كله واثناء عودته ، قتله قائد جنده على مشارف القاهرة وعلق جثمانه على أحد أبوابها . بينما كان أهالي مصر بانتظاره للاحتفال بالنصر فأصابهم الغم والحزن الشديد .

ابواب التراث العربي
 في التراث العربي القديم ، خاصة الشعري قد لا نجد ذكراً للباب إلا في حالات نادرة ؛ بعد نشوء الدولة الأموية في المشرق والمغرب وامتدادها الأندلسي استحدثت فكرة تبويب الكتب ، التي تعتبر اليوم أمهات التراث واستمر ذلك في العهد العباسي كمراجع قواعد النحو والصرف ، والقاموس المحيط وكتاب الأغاني ، عدا عن كتب الفلاسفة العرب في أبواب الحكمة ، وضم ابن حزم الأندلسي ابواب العشق في كتابه « طوق الحمامة» واستفاض المعرّي في وصف أبواب الجحيم . وعنها تحوّل الباب من جماد إلى مفهوم ورمز وتفصيل وتفضيل وشروح وتنوع ، فأصبح للأمل باب وللحظ باب وللنقمة باب وللحنين باب وللحزن باب ولإحدى القارات باب المندب . وللعلوم والثقافة والكتابة والاقتصاد والضيافة ولجريدة الرأي أبواب . وأصبح للعامة أمثال ودلائل على مفهوم الباب كأن يقال :» أن فلاناً على باب الله .» أي لايملك شيئاً .» ويا أخي لاتفتح علينا هالباب «. أو « الباب بيفوّت جمل». وفي كل عصر عاشت مجموعات بشرية خلف الأبواب المغلقة ، لاتتفاعل مع ما يحدث في واقع مجتمعها ، باختيارها أو عكس إرادتها محجوزة الحرية .. لأسباب شخصية ، من باب الشك ، أو من باب الحرص على التقاليد الاجتماعية ، وأيضاً لأسباب استبدادية من باب المعارضة أو مقاومة المحتل .

 التنصت خلف الأبواب 
لطالما سمعنا قصصاً وحكايات عن التنصت خلف الأبواب بوساطة الأذن وبمسجل صوت الكتروني . أو التلصص بوساطة العين وزرع الكاميرات الخفيّة للتجسس على مؤسسات اقتصادية ناجحة أوللوصول إلى أسرار علمية أو تكنولوجية أو عسكرية لضمان التفوق الإقليمي والدولي من باب حماية الأمن القومي . ومن أكثر الأبواب احترازية بعد أبواب السجون ؛ أبواب حمامات السوق ويعكف أصحابها على حماية زبائنهم من كل دخيل ، لقد ذكر ميلان كونديرا الحائز على نوبل كيف كان وزملائه يعقدون الاجتماعات بعيداً عن عيون الأمن التشيكي في أحد حمامات السوق ! أما حمامات النساء في الأسواق العامة فلها من الطرائف ، ويحكى أنه حدث حريق كبير في أحد أسواق القاهرة وامتد إلى حمام السوق الخاص بالنساء ، فكان أن فرّت عدة نساء بلا ملابس إلى الشارع من الحريق ، بينما التهمت النار أجساد النساء اللواتي بقين في الحمام فخرج من يومها المثل « اللي اختشوا ماتوا» . ولأن الحراس لايتجاسرون على الدخول من أبواب حمامات أسيادهم ، دخلت المملوكية أم علي وخادماتهاـ زوجة عز الدين أيبك ـ على ضرتها شجرة الدر وهي تستحم ، وأوسعنها ضرباً بالقباقيب حتى خنقنها بالماء ، ورموا جثتها عارية من شباك الحمام .

 السيدة فيروز 
 بعد اقتحام بوابة سجن الباستيل في فرنسا ، وتوسّع انتشار أفكار الحرية والمساواة والمواطنة في العالم ، اُضيف إلى الباب فكرة الخصوصية باحترام الحرية الشخصية . وأصبح للفرد بابه الخاص يفتحه لمن يشاء بعد استئذان ويرده عن من يشاء . وهناك أبواب لها صفات متناقضة فباب المطار هو باب اللقاء والوداع باب ألم الفراق وباب فرحة الأنتظار . ولعلي أختم بأبواب السيدة فيروز : 
 في باب غرقان بريحة الياسمين 
 في باب مشتاق في باب حزين
 في باب مهجور أهلو منسيين 
 هل الأرض كلها بيوت 
 يارب خليها مزينة ببواب ولا يحزن ولا بيت ولا يتسكر باب . 
 وبواب بواب شي غرب شي صحاب شي مسكر وناطر تيرجعوا الغياب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com