الأحد، 28 أكتوبر 2012

قصة شبيه ياسر عرفات في الضفة الغربية


عمون - بي بي سي - جون دونيسون – رغم مرور 8 سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، إلا أنه لا يزال شخصية متميزة في المجتمع الفلسطيني.

تخيل المشهد "ذهبت إلى سوق الخضار والفاكهة لتشتري كيسا من البطاطس وبعض الفلفل وبصل، وتفكر في شراء بعض قطع من اللحم البقر تعتزم طبخها فيما بعد، وفي هذه الأثناء يخرج شخص ما من خلف كومة من ثمار الخوخ وتفاجأ بأنه ياسر عرفات".

الشخص الذي شاهدته، مرتديا زيا عسكريا أخضر وغطاء رأس مميز ذي المربعات البيضاء والسوداء، كان الزعيم عرفات يتمشى وسط الزحام متفحصا باهتمام ثمار الكرز والطماطم والشمام.

سمعت البائع يقول له بصوت مرتفع " الاثنين بخمسة يا أبو عمار"، أو شيء قريب من هذا على ما أعتقد باللغة العربية، كان يستخدم الاسم الذي اشتهر به ياسر عرفات في فلسطين، فلوح أبو عمار بعلامة النصر وهو يبتسم ابتسامة واسعة أظهرت أسنانه، قبل أن يتحرك بين ثمار الكوسة والكرنب متجاوزا الأيادي الممتدة للمشترين.

لأكون دقيقا، حدث هذا الموقف في ثاني أيامي في رام الله.

عرفات الحقيقيوالآن وقبل أن تبدأ نظرية المؤامرة في طرح ثمارها في رأسي، رغم أن وقتها سيحين فيما بعد، فمن المؤكد أن هذا الرجل ليس ياسر عرفات الحقيقي وقد عاد من الموت.

كان الشخص الموجود في السوق رجلا يدعى سالم سميرات،يحظى بقدر بسيط من من الشهرة بالضفة الغربية بسبب الشبه الكبير بينه وبين ياسر عرفات، ورغم أنه يمتلك الأنف والفم ذاتهما إلا أن فكرة العودة للحياة غير مطروحة.

بدا لي أن سالم شخصية شهيرة وسط الجمهور الموجود، مما دفعني لترتيب مقابلة معه خارج السوق، كنت متشوقا لسماع خطته لاستحضار ياسر عرفات من قبره.

تقول السلطة الفلسطينية أنهم يستعدون لاستخراج الجثة من القبر في رام الله للتحقق من كون ياسر عرفات قد قتل، بعد التحقيق الوثائقي التلفزيوني الذي أكد أن عرفات قد مات مسموما، وبالتحديد باستخدام العنصر الإشعاعي النشط البلوتونيوم.

وربما يكون من الغرابة ألا تثير الاتهامات الجديدة اهتمام غالبية الفلسطينيين، فالكثيرون لديهم قناعة بالحقيقة غير المؤكدة بأن زعيمهم مات لأسباب غير طبيعية، وأنه تم تسميمه من قبل إسرائيل بمساعدة شخص من الدائرة المحيطة به.

قال لي سالم وهو يتحسس الكلمات قبل أن تخرج من بين شفتيه :"ليس سرا أن إسرائيل حاولت قتلي في مناسبات عدة".

تنكر الحكومة الإسرائيلية دوما اتهامها بتسميم عرفات، ومن الصعب تصور أن التحقيقات الأخيرة سوف تنهي هذا الجدل، ولكن كما هو الحال في مثل هذه القضايا، فإنني أتوقع أن يلزم الإسرائيليون والفلسطينيون مواقعهم، ولكني كنت متحمسا لأعرف كيف يفكر الفلسطينيون بعرفات بعد ثمان سنوات من وفاته.

سالم، كما يمكن أن تكون قد تخيلت، كان مفتونا.

فقد أوضح لي وهو يشير إلى صدره :"كل الناس تعشق ياسر عرفات"، وهذا حقيقي فأنت لا تجد فلسطينيين يذكرون، على الأقل علنا، القائد الراحل بالسوء.

والدالكثير من الإسرائيليين ينظرون إلى ياسر عرفات على أنه إرهابي أصبح طرفا غير موثوق به في معادلة السلام، ولكن بالنسبة للكثير من الفلسطينيين وبالتحديد في الضفة الغربية، هو بطل، ومناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقائد عملية توحيد الفصائل الفلسطينية.

قال لي منصور طهبوب وهو يأخذني حول أرشيف ياسر عرفات الذي تم تجميعه في رام الله :"إنه والدنا، والد فلسطين كلها".

ولكن وبينما نحن نشاهد الصور القديمة لأبو عمار بوجهه الشاب وشاربه الرفيع، سألت منصور عن الإدعاءات التي أثيرت حول فساده، فقال لي :"إسمع، أنت تحترم وتحب أباك رغم أنه ليس كاملا، ورغم أنه يخطيء فأنت تظل تحبه".

وبشكل عام كثير من الفلسطينيين غاضبين بسبب الرشاوى والمحسوبية التي جرت إبان حكم عرفات، ولكن قليلا جدا من الناس من تحدوا سلطته.

تحدثت إلى حازم، وهو ناشط سياسي شاب، فقال "كان يشبه الملك أو الشيخ الذي يملك كل القوة في يديه".

سألته عما كان من الممكن حدوثه مع عرفات إذا قدر له وشهد ما يطلق عليه الربيع العربي، فأجاب حازم على سؤالي وكاد أن يصل وصفه لعرفات بالديكاتور ولكنه لم يفعل.

وأضاف "الناس أحبت عرفات رغم أن قيادته كانت سيئة ولايزال الفلسطينيون يتعافون من آثار النظام الذي أسسه.

أسطورة عرفات ستظل باقية نظرا للدعم الشعبي الذي حظي به ولم يجرؤ أحد على ملئ الفراغ الذي تركه.

الرسوم الجدارية التي تخلد ياسر عرفات يمكن رؤيتها في كل أنحاء رام الله، وعلى العكس لن تجد رسوما مماثلا لمحمود عباس أبو مازن الرئيس الفلسطيني الحالي.

الفلسطينيون ربما لديهم شبيه لياسر عرفات، ولكن لأسباب عدة الشخصية الحقيقة لن تتكرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com