الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

مقاهي دمشق .. إن عاد النبض للإنتظام مُطيّباً بنكهات الحرية تعود المدينة إلى روحها وعبقها وزهوة مقاهيها !

صورة

نضال حمارنة  أبناء دمشق يعشقون التنزه , ويكرسون يوم في الأسبوع للسيران العائلي كطقس متوارث أصيل , للاستمتاع مع العائلة والترفيه عن النفس بعد أيام العمل الطويلة . 
ولكل طبقة أو شريحة سيرانها !.
 للفقراء سفح جبل قاسيون !.
 وللأغنياء أفخم المطاعم والمصايف !.
 ..كما من عادة الدمشقيين ارتياد المقاهي، بشتى صنوفها خاصة تلك المتوزعة بين محال الأسواق التجارية , منها مايقدم النرجيلة والقهوة والشاي , ومنها مايقدم العصائر والبوظة وخلافه ، يحدث ذلك من مقهى» خود عليك» إلى مقهى «الروضة» . 

مقاهي المهن 
 البعثة الأثرية الفرنسية أثناء دراستها لمنطقة المدن المنسية الممتدة من شمال حمص إلى شمال إنطاكية ؛ سجلت اكتشاف أول مقهى في التاريخ في منطقة جبل الزاوية وكان يسمّى (قهوة) في العصر الآرامي .
 وكلمة قهوة تعني» الخمر» وليس» البُن» لأنه لم يكن مكتشفاً بعد وعنها استخدمت كلمة كافيه إلى اليوم .
 أما في دمشق فقد بدأ ظهور المقهى لتجمع أصحاب مهن معينة للتشاور فيما بينهم، أو للقاء أصحاب الحرفة الواحدة والتنسيق في شوؤن العمل , كمقاهي اللحامين والنجارين . وكان هناك أيضاً مقهى خاص لكل حي , بالإضافة لمقاهي الغرباء القادمين من المحافظات البعيدة أو من الدول المجاورة ؛ كمقاهي الجنود المرتزقة أو الجنود الإنكشارية , وبعضها كان ملاذاً لاهل البلد ك( قهوة خبّيني ) الواقع بآخر سوق القباقبية خلف الجامع الأموي ؛ أيام حرب «السفربرلك» كان ضابط مفرزة السوق أو الآخذ عسكر يعتمر قبعة طويلة من اللباد ولقبه أبو لبادة يمر بالسوق للم الشبان ، يصرخ البعض عند رؤيته : عباية .. عباية . كناية عن مجيئه ، وكي يتمكّن الشبان من الهرب . فيلجأ الشباب إلى المقهى طالبين الحماية قائلين : خبّيني . أما قهوة( الله كريم ) فكانت للمتفائلين بغد أفضل لضباط الجيش المفصولين بعد خلع السلطان عبد الحميد . بينما ( قهوة خود عليك ) سميت بسبب ازدحامها الشديد وجمال مكانها في الشادروان على طريق بيروت , حيث يطلب الداخل إليها مكاناً من أي جالس بالقول وسّع لي بجانبك أي «خود عليك» باللهجة الشامية .
 بعد خروج العثمانيين في مطلع القرن العشرين انتشرت المقاهي على ضفاف فروع نهر بردى، وقدم أصحابها الإغراءات العديدة للحفاظ على الزبائن منها تقديم طاولات الزهر أو لعبة البرسيس أو ورق الشدّة وأحياناً تقديم بعض المنولوجات الفكاهية ، وفي السهرات يقدم الحكواتي مْرويات فرسان بني هلال وعنترة . 

 شارع العابد أبو المقاهي 
منذ العشرينيات وحتى الخمسينيات اشتهر شارع العابد التجاري بالعديد من المقاهي منها مقهى الروضة ومقهى اللونابارك الذي سمّي فيما بعد الرشيد , وكان مسرحاً صيفياً ويقدم أيضاً الأفلام السينمائية , وكثيراً ما تحوّل مسرحه إلى منبر للحفلات الإنتخابية ؛ كذلك مقهى الزهور والأزبكية في شارع بغداد وكان رواده من طلاب المدارس , بعد أن يستمتعوا بالأرجيلة وشرب الشاي يتوجهون إلى نادي بردى لكرة القدم على بعد خطوات منه .
 تنتشر المقاهي كذلك في الحارات المتفرعة من شارع العابد ؛ بعض منها إطلالته من فوق الشارع يصعد إليه بدرجات قليلة ومدخله محشور بين الدكاكين . بعد استقلال سوريا , اندفع شبابها بأمل التغيير والنهوض بالمجتمع وتحديث التعليم والاهتمام بالفنون بشتى أنواعها المسرح والسينما وكان العديد منهم يجازف في إنتاج الأفلام كالملحن والمطرب رفيق شكري . فازدهرت المسارح و صالات السينما عروضاً وعدداً .
 وتنوعت المقاهي العديدة في وسط المدينة القديمة مابين محطة الحجاز وساحة المرجة ، منها ما يسقبل القادمين إلى المدينة لدواعي العلاج أو زيارة الأبناء طالبي العلم ومنها ما كان يتطلبه الواقع , كأن يلتقي أستاذ معين ببعض طلابه النابهين في موهبة معينة كالأدب أو الموسيقا أو الرياضة ...إلخ.
 أما مقاهي وسط البلد الحديثة الممتدة من بوابة الصالحية مروراً بتفرعات شوارعها المليئة بصالات السينما إلى شارع العابد وزقاق الصخر فقد شهدت مقاهيها التطورات السياسية والاجتماعية التي كانت تمور بها سوريا في أواخر الأربعينيات مروراً بالخمسينيات والستينيات .
 لم تعد المقاهي مجرد مكان للتسلية وتزجية الوقت ؛ بل كانت مكان نخبة المجتمع الدمشقي الجديد , وانضم إليهم السياسيين والصحفيين والمثقفين أصحاب الأفكار والتيارات الأحدث في السياسة كالتيار العروبي والسوري الاجتماعي والاشتراكي وأيضاً الليبرالي المتمثل بالكتلة الوطنية . لقد شهد مقهى( الرشيد) إعلان تأسيس أحد الأحزاب السياسية ـ مكان سينما السفراء اليوم ـ أما مقهى (الطاحونة الحمراء) الموجود في الشارع نفسه فكان يتوافد عليه كل صباح مجموعة من صحفيي « القبس « وعلى رأسهم مؤسسها وصاحبها الشاعر نجيب الريس .
 ومن « الأيام « أيضاً بحضور مؤسسها عدنان الملّوحي ،بالإضافة لصحف خاصة أخرى . أما في المساء فكان مقهى( البرازيل) يشهد سجالات سياسية بين وزراء في الخدمة أوخارجها وبعض ظرفاء الوسط السياسي والصحفي يتندرون على جميع التيارات دون ضغائن من أي طرف .

 رواد (الهافانا)
 وعلى بعد خطوات كان مقهى( الهافانا) يعكس المشهد ذاته وإنما يتقاسمه شباب الأحزاب الوليدة , لكل مجموعة طاولتها , تناقش فيه وقائع الجلسات البرلمانية , برنامج الحكومة المنتخبة وأخبار الضباط والتوجس من تحركاتهم وكانت قضية فلسطين هي القضية المحورية عند الجميع .
 ومن رواد (الهافانا) الكاتب صدقي اسماعيل الذي كان يجلس ليكتب صحيفته الساخرة ( الكلب) بخط يده ومن ثم يستنسخها . وقد ذكر الدكتور عبد السلام العجيلي في كتابه «ذكريات أيام السياسة»:» كنت من رواد مقهى البرازيل منذ أيام دراستي الطب وظللت كذلك حين عدت من الرقة إلى عاصمة بلادنا عضواً في المجلس النيابي , ثم وزيراً ؛ ولم أغيّر عادتي ألتقي بالأصحاب القدامى مع فنجان قهوة حتى يحين موعد عملي .
« اليوم مقهى البرازيل زال, كذلك العديد من مقاهي شارع العابد ولم يسلم من الغياب إلا مقهى( الروضة) الذي تغيّر كثيراً في الفترة الأخيرة .

زمان القفشات اللاذعة والساخرة 
لقد تعرّفت على مقهى (الروضة) مع الروائي هاني الراهب وكنت أزور المقهى للقائه ، والتقيت هناك بالعديد من الكتاب والصحفيين وأصبحت تربطني ببعضهم علاقة المقهى الثقافية في التعرف على انتاج أحدهم أومناقشة عمل جديد لكاتب سوري أو عربي أو أجنبي . وكما كل المقاهي هناك طاولات تضم مجموعات معينة كخيري الذهبي وعبد الرحمن الحلبي ومن الشباب خليل صويلح ورشا عمران ورائد وحش، أو عادل حديدي والموسيقار نوري اسكندر وأحيانا يهل فاضل كواكبي ووليد إخلاصي من حلب الشهباء . وكان محمد كامل الخطيب وصالح علماني من رواد المقهى , ولاننسى الشاعر ممدوح عدوان الذي كان يملأ المقهى بالقفشات اللاذعة والساخرة .
 لقد تبدلت أحوال المقهى منذ سنوات فقد أرسى صاحبه مكاناً لأهل الدراما ومن رواده الدائمين جمال سليمان وحاتم علي كذلك المخرج هيثم حقي والشاعرة هالا محمد وأسامة محمد ولقمان ديركي مؤسس بيت القصيد والروائي خالد خليفة .
 أما اليوم فأغلبية رواده غائب عن المكان فلا نرى روزا ياسين أو سمر يزبك أوميشيل كيلو , وغيرهم لانفسَ له للمشاركة أو للتواصل .
 لقد ناس مقهى الهافانا كما تنوس الشمعة بعد أن بعد أن سلّمه اتحاد الكتاب لمسثمر الفنادق ، وفقدت صالة الرواق العربي التابعة للفنون الجميلة رونقها .
 المقهى الشعبي في المدن العريقة؛ يمثل نبض الحياة المعيشة بكليّتها ؛ فإن اختلّ النبض بهتت الصورة , وإن عاد النبض للانتظام مُطيّباً بنكهات الحرية تعود المدينة إلى روحها وعبقها وتجددها وزهوة مقاهيها .


نخبة المجتمع ..!

لم تعد المقاهي مجرد مكان للتسلية وتزجية الوقت ؛ بل كانت مكان نخبة المجتمع الدمشقي الجديد , وانضم إليهم السياسيين والصحفيين والمثقفين أصحاب الأفكار والتيارات الأحدث في السياسة كالتيار العروبي والسوري الاجتماعي والاشتراكي وأيضاً الليبرالي المتمثل بالكتلة الوطنية . لقد شهد مقهى( الرشيد) إعلان تأسيس أحد الأحزاب السياسية ـ مكان سينما السفراء اليوم ـ أما مقهى (الطاحونة الحمراء) الموجود في الشارع نفسه فكان يتوافد عليه كل صباح مجموعة من صحفيي « القبس « وعلى رأسهم مؤسسها وصاحبها الشاعر نجيب الريس .
 ومن « الأيام « أيضاً بحضور مؤسسها عدنان الملّوحي ،بالإضافة لصحف خاصة أخرى . أما في المساء فكان مقهى( البرازيل) يشهد سجالات سياسية بين وزراء في الخدمة أوخارجها وبعض ظرفاء الوسط السياسي والصحفي يتندرون على جميع التيارات دون ضغائن من أي طرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com