السبت، 6 أكتوبر 2012

هل غرقت الأرض كلهـــــا ؟

صورة

د. كامل جميل ولويل - ليست الإجابة عن هذا السؤال تاريخية أو طبوغرافية أو توراتية، إنما هي إجابة لغوية نأخذها من معاني الجمل والعبارات القرآنية التي تناولت الغرق، لقد اتفق بعض المفسرين لآيات الله مع ما ورد في تلك الدراسات التاريخية او الطبوغرافية أو التوراتية، لكني لم أجد هذا الاتفاق أو تلك الموافقة جيدة من ناحية اللفظ والمعنى، وواصلت النظر في الآيات القرآنية التي تناولت نوحا وقومه ودعاء نوح العنيف، فوجدت انه لا يوجد نص قرآني محدد يدل على غرق العالم، وكأن المفسرين او استغفر الله بعض المفسرين لم يتوقفوا عند مختلف الآيات المتعلقة بالموضوع. وليس النقض هو الهدف إنما الهدف فهم الآيات الكريمة، لان القرآن الكريم تميز بصفتين عظيمتين خالدتين هما: إعجازه الذي يحير عقول أهل اللغة، إذ أوقفت سورة المدثر او سورة المزمل او سورة العلق عقول فصحاء العرب عن مباراة القرآن  في أي سورة من هذه السور التي بلغت 114 سورة، ومحتواه الفكري الذي ضم جميع الأديان السابقة في ثناياه، ورسم المنهج الحقيقي للإنسان ليظل هذا الإنسان عابدا تقيا هادئا مطمئنا قريباً من الذات الإلهية.

قال سبحانه وهو يصف موقف نوح العصيب في قومه ويصف جهده الهائل في حث قومه على الإيمان قال «قال يا قوم اني لكم نذير مبين، ان اعبدوا الله واتقوه واطعيون»، ولم تكن لهم استجابة تذكر فقال «ما لكم لا ترجون لله وقاراً» وذكر لهم ما يرونه من قمر منير وشمس ساطعة وغيث وبنات وغير ذلك كثير، ولكنهم بقوا على حالهم مستكبرين عُصاة فقال نوح قولا يدل على يأسه منهم «قال نوح رب انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا»، اتبعوا زعماء منهم، وهذا الاتباع المقيت خسارة لمن اتَبعوا أو اتُبعوا، والنتيجة خسارة وغرق، لكن الذي غرق؟ قال سبحانه «مما خطيئاتهم أُغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا»، والحرف (مِنْ) هنا يفيد السبب، والحرف (ما) لتعظيم الشيء، فسبب الغرق الخطيئة وسبب دخول النار الخطيئة ايضا، فالذين لم يكونوا في قوم نوح ولا رأوا نوحاً لا يشملهم الغرق كما لا يشملهم ما سبّب الغرق.

ولم يكن في سورة نوح أي إشارة لغرق الناس جميعا، ان الله تعالى عذب هؤلاء الناس من قوم نوح لأنهم عصوا، ولكن الذريات الأخرى من آدم لم يأتها نوح  فكيف تعذب، وجاءه سورة الأنبياء وما ذكر فيها عن نوح تعزز هذا الرأي، قال سبحانه «ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا انهم كانوا قوم سوء  فأغرقناهم أجمعين»، كلمة أجمعين حال من المفعول به أي حال من (هُمْ) وهم قوم نوح، فغرقهم بسب سوئهم، ولم يبق من قوم نوح المكذبين احد، وعاضدت آية 72 من سورة يونس الرأي الحق في غرق المذنبين وليس غيرهم من بني آدم الذين كانوا قد انتشروا في الأرض،قال جل وعلا «وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين»، وقد تستهجن كما استهجنت من تلك الأقوال التي حصرت الأجناس البشرية في يافث وسام وحام، لماذا؟ إن الله تعالى ذكر طائفة من النبيين وذكر أصولهم وهي ليست من سام ويافث وحام قال تعالى «اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح..» فهناك أنبياء  من أبناء المؤمنين في السفينة وأبناء من ذرية آدم، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com