الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

تقليد الصغار للكبار: ملامح مكتسبة لا يمحوها الزمن


منى أبوصبح

عمان- اقتدى نائل جمعة (16 عاما) بسلوكيات والده السيئة في الحياة، بل أصبح نسخة مصغرة عنه حسب قول والدته، فهما كثيرا الشجار مع الآخرين لأبسط الأسباب، ولا يأبه بتحصيله العلمي وفقا لنصح والده وتأكيده له بأن العلم "حكي فاضي".
تقول الوالدة: "يئست من محاولة تغيير طباع زوجي السيئة، إلا أنني أخاف على ولدي أن يضيع مستقبله بسبب تقليده لأبيه بكل شيء، مع العلم أن اشقاءه الآخرين لا يقتدون به، بل ينتقدون تصرفاتهما باستمرار".
علاء عبد الفتاح (45 عاما) يقول: "الأب هو قدوة أولاده، وسيقتدي به أبناؤه في معظم المواقف التي تواجههم سواء أكان والدهم قدوة حسنة أم لم يكن، وذلك لأنه في نظرهم الرجل الوحيد على الأرض خصوصا في بداية ادراكهم للحياة من حولهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأم".
جميعنا بحاجة إلى قدوة في هذه الحياة نسير على خطاها في بعض الأمور، ليس طمسا للشخصية الفردية، ولكنه البحث عن الفعل والقول الأمثل في موقف ما، فالطبيعة البشرية تبحث دوما عن المثالية في شتى الأمور.
ولكن في الوقت ذاته فعلينا التفريق بين القدوة والتقليد الأعمى، فارتداء الملابس وتصفيف الشعر على طريقة مغن أو ممثل أو لاعب كرة مثلا ليس اقتداء به وإنما هو تقليد، فالاقتداء لم ولن يكون بالملبس والمشرب وإنما أيضا بالأقوال والأفعال.
تشير الاختصاصية الأسرية والإرشاد التربوي سناء أبو ليل إلى أن الطفل الصغير يتعلم معظم سلوكياته من خلال استماعه لكلام الآخرين وتقليدهم سواء كانوا والديه أم إخوته ومدرسته ومعلميه وأصدقاءه، وكذلك البرامج والمسلسلات التي يشاهدها على التلفاز.
وتقول: "يلعب الاقتداء دورا كبيرا في تقوية السلوك الإيجابي أو إيجاده عند الطفل، لذا يجب على الأهل التواصل مع مدرسة الطفل ومعلميه وأصدقائه، وأيضا حثه لمتابعة البرامج والمسلسلات الهادفة في التلفاز التي تتناسب مع سنه".
ويشير ظافر العلمي (38 عاما) إلى دور المعلم في أن يصبح قدوة أمام طلابه، وخصوصا من يدرس الطلاب الصغار في المراحل الابتدائية، فالتلميذ الذي يتلقى شيئا من معلمه سوف يحفظ هذا الأمر في رأسه ويحتفظ به.
ويبين الاختصاصي النفسي د. محمد الحباشنة أن الطفل أو المراهق يتأثر بالنموذج الجذاب حوله، فيأخذه قدوة النجاح، وفي المرحلة الانتقالية التي نشهدها لم يعد المثقف، السياسي، الأديب وغيرهم مثلا أعلى، فالمقياس الأساس هو الشهرة والمال.
ويضيف: "غالبا ما تكون القدوة مشوهة إذا لم يتدخل الأهل، فيبنون لأنفسهم قدوات يسيرون بنفس خطاهم دون تفكير أو معرفة، وخصوصا الصغار والمراهقين، وقد تكون هذه الشخصية لا تحمل أي صفة ايجابية سوى الشهرة".
وفاء الخالدي (35 عاما)، ترى أنه ليس بالضرورة أن يختار المرء قدوة واحدة له فقط لا يتعداها، وإنما يمكن أخذ زهرة من كل بستان ومن كل رحيق قطرة، فمثلا يمكن أن نقتدي برسولنا محمد عليه السلام في صدقه وأمانته، ومن أيوب عليه السلام بالصبر، ويمكن أن نقتدي بأحد العلماء في طلب العلم.
ويرى الاستشاري الاجتماعي الأسري مفيد سرحان أن المقتدي يتأثر بشيء عملي أمامه، وخصوصا الصغار، فهنا المسؤولية أكبر على الكبير في أن يكون قدوة حسنة تجاه الآخرين سواء كان أبا، أما، أخا، أختا أو معلما وغير ذلك، فالصغير يتأثر بسلوكياتهم.
ويؤكد ضرورة الانتباه إلى وسائل التأثير الأخرى ومنها الأصدقاء ووسائل الاتصال الحديثة وخصوصا الانترنت، فهي وسائل تأثير لا يمكن التقليل من أهميتها، وكذلك الشخصيات العامة مثل الممثلين ونجوم الكرة وغيرهم من الشخصيات التي تصبح معروفة.
وهذا نجده ملموسا وواضحا في سلوكيات الصغار والمراهقين بل والشباب أيضا بحسب سرحان، ويتضح ذلك بتقليدهم في اللباس وقصة الشعر وترديد بعض العبارات التي يشتهر بها هؤلاء، وهنا تكمن الخطورة إذا كانت هذه القدوات ليست على مستوى المسؤولية.
ويلفت إلى أهمية غرس القيم الحسنة المستمدة من الدين والأخلاق عند الأبناء ليكونوا قادرين على التمييز بين ما هو مقبول وما هو عكس ذلك، ويشير أيضا إلى دور وسائل الإعلام الخطير في الترويج لبعض الشخصيات، فهذا الترويج يعني تبني هذه الشخصيات بأن تكون قدوة، فمن غير المقبول التسويق لنموذج شاذ جنسيا أو لنموذج عاق الوالدين أو ممثلة تلبس لباسا فاضحا.

muna.abusubeh@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com