الاثنين، 14 مايو 2012

العين الثالثة طريق الإنسان إلى الإبداع



صورة

د. محمد عبد الكريم الشوبكي - مستشار الأمراض النفسية والعصبية
يقول البارئ : " ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا" فلماذا يتصف بعض الناس بالفراسة والحدس...؟ وكيف استطاع بعض العلماء الوصول الى الاختراعات والاكتشافات...؟  وكيف يخرج الى العالم اصحاب العقول المبدعة من صانعي الافلام العالمية الحاصلة على الاوسكار..؟  والروائيين المشهورين وعظماء الفنانين والموسيقيين والشعراء والكتاب والمتنبئين ومن استطاعوا جمع الثروات الطائلة من اثرياء العالم بشرف  بعد ان كانوا فقراء..؟ ولماذا يعتقد بعض العلماء ان الاشخاص ذوي المكانة الدينية الرفيعة لديهم الاستبصار , والالهام , والفراسة..؟ .
من الثابت علميا ان للانسان عقلين "العقل الظاهر" الشعوري المدرك والذي يتمحور نحو الحاضر والمستقبل والمحسوس والمرتبط بالحواس الخمس المعروفة و"العقل الباطن" اللاشعور والذي لا يخضع لسيطرة الانسان مادام في كامل وعيه وإنما تظهر بعض مكنوناته المتميزة بالطاقات الهائلة خاصة الاستشعار , والإلهام اثناء الاسترخاء والتأمل العميق والنوم والغفوة وما اكتشف من طاقات هذا العقل يبقى في نطاق الشح فهو الرافد الرئيسي لما يعرف بالحدس والفراسة والإلهام والتنبؤ والتخاطر والاستشعار ذلك ما يمكن تسميته بالحاسة السادسة.
ان واقع الحال والمنطق ان ليس كل ما لا نستطع تفسيره خرافة او موضع انكار، ان الحياة مليئة بالحقائق الخفية والمبهمة وما لم يكتشف او لا يخضع للاختبار اليوم قابل ان يكون على العكس مستقبلا، فنحن لا نعرف ماذا ستكشف لنا الابحاث العلمية المستقبلية عن اسرار مكنونات الانسان والكون الهائلة.
ومنذ عهد الاغريق حتى يومنا هذا والابحاث في تصاعد حول آلية الحاسة السادسة او ما يسمى بالحدس والفراسة حيث ثبت علميا منذ عقود ان الغدة الصنوبرية Pineal Gland  والتي تسمى (العين الثالثة , او العين الفيزيائية , او عين الجسد) هي اخر غدة تكتشف من الغدد الصماء الموجودة في وسط الدماغ ويبلغ حجمها (5 مم- 8 مم).  انها اصغر من حبة الصنوبر ومن المدهش انها الجزء الوحيد من الدماغ الذي يرتبط بالجسم مباشرة حيث ان بقية اجزاء الدماغ محجوبة عن الجسم بالحاجز الدموي الدماغي.
ومن الاعجاز ايضا انها تقع في منتصف التجويف الدماغي بشكل خفي وكأنه سر فهي تفرز هرمون  الميلاتومين وهرمونات اخرى تنظم الساعة البيولوجية.  كالنوم واليقظة والاوقات الضوئية الدورية وتكيف الانسان معها كالفصول الاربعة وتنظيم عملية التقدم العمري وما يعرف بالساعة البيولوجية اما عند الحيوانات فانها تنظم اوقات التناسل وتفريخ  بيوض الطيور , والاستشعار من الاخطار كالافتراس والحصول على الغذاء ,  وتفرز ايضا هرمون (D.M.T) الذي ينتج الناقل العصبي السيروتونين  وهو المسؤول عن ارتفاع المزاج والدافعية والهمة , ومن وظائفها انها تربط بين العالم المادي الفيزيائي والعالم الروحاني وكذلك التخاطر وعلو الاحساس والاستشعار والتامل والحدس والتنبؤ  الذي يستطيع اختراق ما وراء الابعاد الثلاثة , لان لديها قدرات فيزيائية ومغناطيسية ونفسية وروحانية حينما تتجمع وتنشط معا تشكل قوة خارقة للطبيعة.
ويتم تنشيط الغدة عن طريق التأمل العميق وممارسة الرياضة والقراءة واليوجا والتسابيح والصلوات الدينية والترانيم الموسيقية وقرع الطبول والضوء , وبهذه الآليات يستطيع الانسان تخطي المسافات الزمانية والمكانية فيستطيع استبصار ما وراء الطبيعة (الخاضع للقوانين الطبيعية) وتحتاج هذه الغدة حتى تعمل بشكل نشط الى الممارسة المستمرة والطويلة.
ويعتقد العلماء ان الغدة الصنوبرية لدى معظم الناس هذه الايام تتصف بالكسل بسبب زخم موجات الالكترونيات (تلفاز ، انترنت ، هواتف خلوية، آلات كهرومغناطيسية ،الخ...) ومادة الفلوريد الموجودة في مياه الانابيب ومعاجين الاسنان وزيادة الضوضاء من اصوات المركبات والآلات...الخ وتدني ممارسة التأمل الفردي العميق والعزلة الروحانية  , حيث وجد ان  الانسان الذي يعيش في البيئة الهادئة التي تقل فيها الضوضاء كالصحراء او الغابات كما هو الحال في المناطق الاستوائية مثلا اكثر فراسة وحدسا.
ويبدو ان الغدة الصنوبرية تعمل لدى انسان هذه المناطق بشكل اكبر فعالية  حفاظا على بقائه امنيا وبيولوجيا فهو بحاجة الى الغذاء عن طريق الصيد والوقاية من الحيوانات المفترسة والافاعي التي تسود هذه المناطق بكثرة وهو ايضا اكثر قدرة على التأمل ويمتاز بالصفاء الذهني والمواهب كالشعر مثلا... والبعد عن السقوط في الامراض النفسية كما وجدت الدراسات الواسعة التي اجريت على القبائل البدائية , حيث ان الميلاتونين يجهض  الكآبة والقلق وغيرها من الاضطرابات المزاجية. 
وفي هذا المجال يقول الدكتور "اليكسيس كارليل" الحائز على جائزة نوبل في الطب ( من الحقائق المؤكدة ان الاكتشافات العلمية الكبرى ليست من عمل الذكاء وحده فان للعلماء الى جانب قوة الملاحظة والفهم صفة اخرى هي "الحدس" وبهذا الحدس يدركون ما يخفى على الاخرين ويفهمون العلاقات بين الاحداث التي تبدو منعزلة وان عظماء العالم في جميع ميادين الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية.... الخ قد وهبوا ملكة الحدس).
ويقول العالم المعروف (اينشتاين) : " ليس هناك من سبيل منطقي يمكن ان يؤدي الى الوصول الى القوانين الاولية في العلوم الا الحدس وان ما ورد في نظرياتي من اساسيات  لم يكن الا عن طريق ذلك وانا على فراش المرض".
ويؤكد هذه الاعترافات الصريحة شواهد لعظماء في تاريخ البشرية من ذوي الاكتشافات والابداع منهم العالم الطبيب (فريدرك جرانت بانتنج) مكتشف عقار (الانسولين) عام 1920 لعلاج داء سكري الدم الذي اجهدته سنوات من البحث ولم يستطع الوصول الى اكتشافه العظيم الا في غفوة اثناء نومه استيقظ ودون العبارة التي أدت الى ابتكار العقار.
 ويورد العالم ديكارت بان كشوفاته العظيمة كانت وهو نائم في فراشه وعن طريق الغفوة.
كما يقر العالم المسلم ابن خلدون الذي كان يستخدم ما عرف عنه بالحالومية وهي ترديد لطلاسم وعبارات فارسية ليس لها معنى قبل نومه لتفريغ عقله المدرك والدخول الى العقل غير المدرك (العقل الباطن) بسرعة فيطلع على ما كان يصعب عليه وهو يقظ.
 وكذلك العالم المسلم (ابن سينا) فحينما كانت تعضل عليه مشكلة يتوضأ ويصلي وينام ويرى الحل في الغفوة فيستيقظ ليدونه.
اما مكتشف نظرية (السيالات العصبية) الاستاذ (اتوليفي) فيقول : "انه استيقظ في ليلة وهو نائم وفي رأسه فكرة باهرة عن السيالات والمرسلات بين الخلايا العصبية التي تنقل الرسائل من خلية الى اخرى فدون الفكرة مباشرة بعد استيقاظه ولم تكن في خاطره سابقا وحصل الاكتشاف".
ويورد التاريخ ان القائد الالماني (رومل) كان يعتمد في معاركه ضد الانجليز على الحدس ابان الحرب العالمية الثانية فكان الانجليز يندهشون من تحطيم خططهم المنيعة والسرية وفشلهم بالايقاع به. ولا مجال لسرد الكثير من الشواهد في التاريخ في هذا المقال ولعل الكثير من الناس خاض عثرات لم يجد لها حلا الا في غفلة العقل المدرك او في غفوته.
وفي ذلك كله اشارات واضحة ان عظماء الرجال هم وحدهم الذين يمكن ان يرتفع بهم الحدس الى الاكتشافات والابداع والبصيرة والحظ العظيم. انها ملكة فريدة وادراك الحقيقة دون عون من التفكير والاستدلال. ويؤكد الباحثون في هذا المجال ان نجاح العلماء يعود الى وجود قوى خفية كامنة تدفعهم الى الابداع وهذه القوى تفوق العقل الواعي (الظاهر) وهو ما اكتشف حديثاً عن طريق العين الثالثة (الغدة الصنوبرية).
ولعل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " في القلب لّمتان ، لمة من الملك : أيعاد بالخير وتصديق بالحق ، ولمة من الشيطان : أيعاد بالشر وتكذيب بالحق " وبقوله  (قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن) إشارة واضحة إلى هذا الالهام ".
وفي قوله تعالى "يسئلونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلاً   " دلالة دامغة على قصور العقل البشري لادراك كنه الروح الأدمية.

www.dralshobaki.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com