الاثنين، 28 مايو 2012

هل ذكاء الإنسان ثابت أم متغير؟



صورة

د. حازم رياض عناقره - احتل مفهوم الذكاء الإنساني حيزاً واسعاً في عمليات البحث العلمي في محاولات تهدف للوقوف على حقيقته، تمثل ذلك في العديد من الدراسات والبحوث والنظريات متعددة المناهج والأساليب التي سعت للوصول إلى تصور واضح عن طبيعة الذكاء الإنساني. وقد تباينت هذه الدراسات في نظرتها لمفهوم الذكاء، من التكوين الأحادي إلى التكوين الثنائي إلى التكوين المتعدد الأبعاد، وحاولت هذه الدراسات إعطاء تفسيرات علمية ومنطقية للنشاط العقلي من حيث محدداته ومكوناته. 
 وتختلف وجهات النظر التي تدور حول الذكاء حيث تتمحور حول قطبين متناقضين: الأول يتمثل في النظرية الأحادية للذكاء، وهي وجهة النظر التي تصور القدرات العقلية على أنها فطرية تعود للوراثة أكثر مما تعود إلى التربية والخبرة؛ لذا فالذكاء تبعاً لذلك هو كيان عقلي موحد مبني في الأساس على قدرات الاستدلال والقدرات اللغوية وينعكس في اختبارات الذكاء المقننة التي تصنف الأشخاص على أنهم ذوو قدرات عقلية مرتفعة أو منخفضة أو متوسطة الذكاء ، وعلى النقيض من ذلك تقع فكرة الذكاء الديناميكي المتعدد لعلماء النفس المعرفيين الذين يفترضون أن الذكاء سلسلة من العمليات العقلية الواسعة التي تشمل أشكالاً مختلفة من عمليات التفكير.
ويرى جاردنر صاحب نظرية الذكاء المتعدد بأن الذكاء: "قدرة أو إمكانية بيولوجية نفسية كامنة لمعالجة المعلومات، التي يمكن تنشيطها في بيئة ثقافية لحل المشكلات أو إيجاد نتاجات لها قيمة في ثقافة ما"، فالذكاء ليس قدرة محدودة يمكن قياسها من خلال اختبارات الذكاء المقننة، والإنسان لا يولد بذكاء واحد يظل ثابتا، وهناك تسعة أنواع من الذكاء ترجع إليها الفروق الفردية: لغوي، منطقي – رياضي، بصري – مكاني، جسمي – حركي، موسيقي، اجتماعي، شخصي، طبيعي، وجودي.
الذكاء يجب ألاَّ يعد مجرد سمه للأفراد، بل يمكن تصوره على أنه نتاج العملية الديناميكية التي تتضمن الكفاءة الفردية والقيم والفرص التي يمنحها المجتمع، فكل ذكاء حتى يتطور يتطلب اجتماع ثلاثة عناصر وهي: وجود موهبة بيولوجية طبيعية (تتضمن الوراثة والعوامل الجينية)، وتاريخ حياة شخصي يتضمن مجموعة الخبرات الداعمة من الآباء والمعلمين والأقران، وتشجيع ودعم من الثقافة السائدة. ويظهر ذلك كمثال قوي في حياة الموسيقي الشهير موزارت (Mozart) الذي ولد بموهبة موسيقية واضحة، وفي أسرة أفرادها موسيقيون، وولد في وقت كانت أوروبا تشجع الموسيقى وتدعمها.
ان التكوين البيولوجي والثقافة هما أساس تكوين الذكاء المتعدد لدى الأفراد، فقد أظهرت نتائج البحوث في علم الأعصاب، أن التعلم ينتج عن التكيف والتغير في التشعبات العصبية في دماغ الإنسان التي تربط الخلايا العصبية ببعضها، وأن هناك مناطق محددة من الدماغ البشري هي المسؤولة عن أنواع معينة من التعلم، فإذا أصيبت تلك المنطقة فُقِدَ ذلك النوع من التعلم، وإضافة إلى علم البيولوجيا فإن الثقافة تؤدي دوراً مهماً في تطوير أنماط الذكاء لدى الإنسان، لأن كل ثقافة تعطي قيمة مختلفة لتلك الأنماط، وهذه القيمة توجد قدرة لدى الأفراد نحو الإنجاز في مهمة مرتبطة بذلك النمط الذكائي، وتوفر لهم الدافعية ليصبحوا ماهرين فيه، وهذا ما يبرر ظهور نمط ذكائي في مجتمع ما دون غيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com