الخميس، 31 مايو 2012

الزواج بعد وفاة الشريك فاجعة جديدة للأبناء




منى أبوحمور

عمان- يرى بعض الأبناء أن فقدان أحد الوالدين فاجعة للأسرة، ولكن يجمع أكثرهم على أن المصيبة الأكبر هي بزواج أحدهما ودخول عنصر جديد إلى العائلة معتقدين أنه سيفكك الأسرة ويفقدها ترابطها.
فزواج الأب أو الأم بعد فقدان الشريك، ما يزال يشكل عقبة عند الكثير من الناس، خصوصا من قبل الأبناء، لما قد يؤدي ذلك من تغيرات، فتضيع الامور بين الحقوق الفردية والواجبات العائلية.
الأربعيني محمد الغلاييني لاقى زواجه بعد وفاة زوجته الأولى، رفضا قاطعا من ابنائه الذين لا تزيد أعمارهم على العشرين عاما قائلا: "ومجرد أن طرحت هذا الموضوع أمام أبنائي وكأني فتحت علي باب جهنم".
ويتابع "لم يتقبل أبنائي فكرة زواجي، حتى إنهم لم يسمحوا لي بمناقشتهم في الموضوع، وحاولت أن أتفاهم معهم بأن زواجي لا يعني الابتعاد عنهم، ولكن تعنّتهم برأيهم، خلق لي الكثير من التوتر في البيت، الأمر الذي دفعني إلى فرض الأمر الواقع، كونهم لا يتفهمون احتياجاتي".
وكانت ردة الفعل التي واجهها الستيني مروان القاضي، عنيفة من بناته، اللاتي رفضن زواجه بعد وفاة والدتهن، الأمر الذي شكل لديهن صدمة نفسية وجعل الموضوع بالنسبة إليهن مرفوضا تماما.
ورغم معارضة بناته لهذا الزواج ورفضهن للفكرة، إلا أن ذلك لم يؤثر على قراره، بل أقدم عليه، مما وضعه في مأزق عائلي لم يقدر إلى الآن تجاوزه، معتبرا أن جهل بناته وعدم تقديرهن بالأمور جعله يسارع في هذا الزواج.
ويقول "لديّ حاجة نفسية وعاطفية للزواج"، لافتا إلى أنه من غير الممكن لبناته تفهم تلك الحاجات، خصوصا وأنهن يصفن زواجه بأنه "أشبه بالخيانة لروح والدتهن المتوفاة".
ولم تكن ردة الفعل مقتصرة على الرفض فحسب، بل انعكست وبشكل سلبي على علاقتهن بوالدهن، كما يبين القاضي، لافتا إلى امتناعهن عن حضور زواجه والسكن معه بعد إقدامه على تلك الخطوة.
وتستهجن الثلاثينية لقاء الرمحي، رفض ابنها لفكرة زواجها، وتهديده بالانفصال عنها، عند تفكيره بالاقدام على تلك الخطوة، مبررا ذلك بأنها ليس بحاجة إلى رجل في حياتها، حتى وان طلقها والده.
"حاولت إقناعه بالموضوع ولكن محاولاتي فشلت، وكان رافضا وبشدة لمثل هذا الزواج، وتدخل اخواله وخالاته إلا أنه بقي على إصراره"، وفق ما تقول، مبينة أن سبب رفضه خشية دخول رجل غريب في حياة والدته وخجله من أعمامه وأصدقائه.
ويبين اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، أن قرار زواج الأهل، لا يمكن وصفه إلا ضمن الحقوق التي يمارسها الأشخاص، لافتا إلى أن مخاوف الأبناء في العادة تكمن في فكرة تكوين عائلة جديدة، يتحمل الأهل تبعاتها فيما بعد.
ويوضح أن مخاوف الأبناء تظهر في مجيء الأطفال والأبناء الجدد، مؤكدا ضرورة التعامل مع هذا الموضوع بحكمة من قبل الأهل وعدم فتحه أمام الأبناء، إلا بعد معرفتهم الأكيدة بقدرتهم على تأمين حياة كريمة لأبنائهم عندها يمكنهم الإقدام على هذه الخطوة.
ويقول "تكمن نقطة الجدل في خشية الأبناء من عدم قدرة الأهل على الخوض في هذه التجربة الجديدة"، مشيرا إلى أن قضية الزواج، قرار يحتاج من الآباء والأبناء الشفافية بالتعامل مع معطياته ونتائجه، بحيث يحمل ضمانة أفضل لجميع الأطراف. 
ويرى أن تجاوز رفض الأبناء لزواج الأب أو الأم، يمكن من خلال تناول الموضوع وطرحه بشكل يضمن حقوق الأبناء، لاسيما عندما يتملكهم شعور بالرفض بمشاركة أحد جديد لأهلهم.
من جهته يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الأسري الدكتور فتحي طعامنة، أن زواج الأب أو الأم في حال غياب الطرف الثاني، لسبب أو لآخر يجعل قدرة استيعاب الأبناء لفكرة الزواج أكثر، لا سيما عندما لا يتجاوز ذلك الزواج حدود المنطق.
"إذ لا بد للأبناء في مثل هذه الحالة أخذ الموضوع بأريحية، وأن يكونوا على يقين بضرورة وجود شخص يؤنس وحدة الأهل ويشاركهم حياتهم بعد فقدان الشريك، لاسيما مع وجود أمور لايمكن أن يلبيها إلا الشريك في الزواج"، وفق ما يقول الطعامنة.
ويؤكد أن على الأبناء تفهم حاجة الأب أو الأم لهذا الزواج، إلى جانب اقتناعهم بمتطلباتهم واحتياجاتهم، مبينا أنه في حال كانت الأم التي ترغب بالزواج صغيرة، فإن فكرة زواجها ستلاقي الرفض، لاسيما وأن أبناءها في عمر لا يمكنهم من استيعاب وجود شخص جديد في حياة والدتهم، الأمر الذي يجعل الفكرة بالنسبة لديهم مرفوضة.
ويحذر طعامنة من النتائج السلبية التي قد تنعكس على الأسرة في حال لم يتم التعامل مع الأمر بحكمة وحنكة وموضوعية، الأمر الذي يفرز الكثير من الانعكاسات السلبية على العلاقات الأسرية، وكذلك يمكن أن تلقي تلك المشاكل بظلالها على علاقة الأبناء مع الشريك الجديد، حيث تتم معاملتهم بصورة سلبية وغير لائقة الأمر الذي قد يخلق نوعا من التوتر والمشاكل. 
ويعزو التربوي الدكتور عماد الدين خضر، أسباب رفض الأبناء لزواج آبائهم وأمهاتهم بجوانب مادية تتجلى في خوف الأبناء على المال والورثة، وأخرى عاطفية، حيث يرفض الأبناء في العادة بحلول شخص جديد محل الأب أو الأم.
ويشير خضر إلى أن الإحراج الذي يواجهه الأبناء من كلام الناس، ناتج عن عدم وعي في المجتمع العربي بهذا الحق، إضافة إلى خوف الأبناء من لوم المجتمع في حال كان هناك تقصير من قبل الأب أو الأم.
ويؤكد أن احراج الأبناء من زواج الأهل يعتبر عقبة في تقبل الفكرة، مبينا أن الأبناء في فترة المراهقة وما بعدها يكونون أكثر تحرجا، إلى جانب رفضهم لفكرة التعايش مع شخص غريب من خارج إطار العائلة.
"إن فكرة المشاعر العنيفة الدخيلة إلى صدور الأبناء، هي التي تغيب فكرة الزواج وتجعل الأبناء يتصرفون بشكل يمنع الأب أو الأم من حق مكتسب"، وفق ما يقول.
وينصح بضرورة مناقشة الأبناء من منطلق عقلي وفكري لتغييب هذه العاطفة، ومعرفة حاجات الوالدين النفسية وليست المادية، من خلال التركيز على حاجات الحب وذلك من خلال إفهام الأبناء أن الزواج هو تواد ورحمة، إضافة إلى تناول الأمور الجنسية، التي تعد حقا دينيا وفيسيولوجيا، لا بد من اشباعه، وهي أفكار لابد من مناقشتها مع الأبناء في فترة المراهقة أو ما بعد المراهقة.
ويرى خضر أنه في حال كان الأبناء في فترة المراهقة، فيمكن تدخل شخص مقرب كالخالة أو العمة، لتبرير حاجة الأم أو الأب إلى الزواج، في محاولة لتبسيط الأمر لهم بإيجابية، إلى جانب مقابلتهم بالشريك الجديد والتعامل على فترات متقطعه قبل الزواج، وعدم فرضه بشكل مفاجئ على الحياة الأسرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com