الأربعاء، 23 مايو 2012

آل شبيب: رحيل أمّي جعل لوحاتي تميل إلى التشاؤم



صورة

إبراهيم السواعير - كفاح آل شبيب خريجة الفنون الجميلة في بغداد عام 1980، مصممة وتشكيليّة، عضو جمعية الفنانين التشكيليين في العراق، وفي الأردن، تعمل مصممة ومخرجة فنيّة في مطابع (الرأي)، اشتغلت آل شبيب، وهي عضو نقابة الصحفيين العراقيين والمنظمة العالمية للصحافة، في وزارة الثقافة والإعلام في العراق عام 1978، بالإضافة لصحف ودور ترجمة ونشر عراقيّة، شاركت في معارض تشكيلية وفوتوغرافية، كما شاركت مع فنانين عالميين في العراق وخارجه في معرض الملصقات مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
حازت الجائزة الأولى لأفضل ملصق عن آثار الحروب وسلبياتها، في العراق، وصممت العديد من الشعارات والكتب والمجلات في العراق والأردن.
تالياً حوار مع الفنانة آل شبيب، يتناول تجربتها بين التصميم الفني والرسم.
•    هل تخرج كفاح آل شبيب من شرنقة التصميم التقليدي إلى ما يدهش، برغبة من صاحب العمل أو بغير رغبة منه؟!.. وما هي درجة الحرية الممنوحة استناداً للخبرة والمراكمة الجمالية في هذا الحقل؟!
لكلّ مطبوع أو مخطوط فكرته الخاصّة به، فهناك محددات ومؤثرات في عمل المصصم، منها ما يتعلّق بذوق صاحب المطبوع أو صاحب(العمل)، ومنها ما يتعلّق بالفكرة السائدة، أو السعي لتقديم شيء مغاير يتسم بالجماليّة والاتساق، أو محاولة المصمم إبراز بصمته وما تعلّمه أو مارسه أو يحاول التجريب به في دخول آفاق جديدة.
وبالطبع، فإنّ الإذعان لرؤية أو طلب صاحب العمل ليس معناه التخلي عن ثوابت على المصمم الالتزام بها واحترامها، لئلا يضحي بسمعته الفنيّة، لمجرد إنجاز عمل سريع، وسهل. وأعتقد أنّ على المصصم أن يسعى بكل طاقته لإقناع صاحب العلاقة بأهميّة الجمال واللمسات المهنيّة على العمل، وهي في النهاية ليست معركة من يثبت رأيه أو من تكون له الكلمة الأولى، وإذا ما حيّدنا لهفة أصحاب الأعمال على الإنجاز، فإنّ المصمم عادةً ما يكون مقنعاً استناداً لخبرته وممارسته وأكاديميّته في هذا المجال.
أما التجريب في التصميم فلا يكون اعتباطاً لمجرد التجريب، لأنّ التجريب هو قمّة النظرية في التصميم، بين المدارس التي درج الناس على قبولها والرؤى الجديدة التي ينوي المصمم الإدهاش بها، وإظهار الملمح الجمالي، الذي يحمل قيمة أو موضوع المنجز، في الكتاب أو الملصق، أو أيّ عمل آخر.
أعتقد أنك تعني بالتصميم التقليدي ذلك التصميم الجاهز الذي يصلح لكل عمل، لكني لا أرى أنّ هنالك مايسمى بالتصميم التقليدي، فالفكرة هي المحدد والآفاق الجمالية تنشأ وفقاً لطبيعة المنجز بين الواقع والخيال. أما الحريّة فتكون أصلاً بسبب قناعة صاحب العمل بالمصمم، وقد تنشأ نقاشات بينهما لا تنتهي، خصوصاً إذا حاول أي طرف ألا يتنازل قليلاً، وكلّما مُنح المصمم الحرية زاد ألقه وإبداعه- وفقاً للثوابت المعروفة. وأنا ما أزال متفائلة في ظلّ عالم السرعة، فللمصمم جماليات وطاقات خلاقة يمكن أن تظهر أو تندثر، والأمر مرهون به أولاً وأخيراً، في الخلق والابتكار.
•    كيف يؤثّر عناد صاحب المنتج أو المنجز بإلحاحه أو تصميمه على رأيه، مع أنّه كثيراً ما يخالف سُنّةً جماليةً إبداعيةً في عالم التصميم المتنافذ على التشكيل، الذي أنتِ أصلاً تنتمين إليه في الرسم؟!
•    أعتقد أنّ وظيفة المصمم هي في إيجاد الطريقة المناسبة لإقناع صاحب المطبوع، وقد أضطر، كما يضطرّ غيري، إلى تقديم أكثر من نموذج، للوصول الى الإقناع من ناحية الشكل، ولكن لا بدّ لهذا التنازل من أن يكون معقولاً، ويتم تعويضه بلمسات تخفي هذا التنازل، وأشير هنا إلى طبيعة المراحل التالية للمصمم في الطباعة والألوان؛ فقد يضيع جهد المصمم بسبب رداءة الطباعة أو عدم الاهتمام في فرز اللون؛ فيأتي العمل وغلافه على غير ما أراده المصصم، وهنا فإنّ المصصم الجيد هو من يظل قلقاً، خائفاً يترقّب الطباعة، وأول ما يسترعي انتباهه هو النظرة الأولية على المطبوع حين يستلم نسخةً منه، وكثيراً ما استفزت المطابع مصممين أقوياء، وهم يرون فكرتهم لم تُنفّذ التنفيذ المناسب، بسبب من عدم الاهتمام والسرعة وانزياح الألوان. حين يظهر جهد المصصم في مطبوعة ما يسعى للاحتفاظ بنسخ كثيرة، وحين يضيع هذا الجهد، فإنّه يتمنى ألا يرى هذا المخطوط أو ذاك، لأنّ ذلك يذكره بتعبه وسهره على العمل، في حين أنّ غيره أضاع عليه كلّ هذا الجمال.
وحين يعاند صاحب العمل فكرةً جماليّةً أو خلاقة، فإنّه قد لا يعلم أن التصميم هو متنافذ على التشكيل والرسم. يضيق المجال هنا عن شرح هذه العلاقة بين الرسم والتصميم، فعين التشكيلي تثري عين المصمم، وهي عين مهمّة في تقوية العمل، وتأكيد جمالياته، وهنا فنحن نسأل: هل صاحب العمل يريده واقعيّاً أم يرجو فيه ملمحاً من الغموض والتجريد؟!.. وهذا بالتأكيد يحكم طبيعة التصميم والاتفاق الحاصل قبل الشروع بإظهار الفكرة والاشتغال على المدلول.
•    كونك تشتغلين في مؤسسة، في مطابع المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)؛ تلتزم بمواعيد وإنجازات مبرمجة،... هل تسلمين أعمالاً قبل اكتمالها جمالياً، أو مبتورةً من أفقها الجمالي، التزاماً بذلك؟!
•    لم ألجأ مطلقا الى الانقطاع عن لوحة لم تكتمل .. والتصميم بالنسبة لي أشبه باللوحة؛ فبالإضافة إلى أنّ الفكرة والجمالية في التصميم والتنفيذ لها أهمية كبيرة عندي، فإنّ هذه المؤسسة أعطتني الأفق الذي يلبي أفق التشكيل لدي، ويجعلني راضيةً عن أعمال وأنا أراها موضع اهتمام المؤسسة التي أعمل فيها قبل أن تكون موضع اهتمام صاحب العمل. وصدقني، فإنّ ذلك يعطيني شعوراً بالارتياح والإنجاز.
•    صممتِ أغلفة وأخرجت لمجلتين مهمتين، متنافستين، تصدران عن أمانة عمان، وهما (تايكي)... و(عمان)!... وكأني بهاتين المجلتين هما أشبه بابنتيكِ، توزعين الجمال عليهما بعدالة!.. ومنطق الأمور يقول إنّه لا بدّ من تمايز بينهما حتى لو كانت المصممة واحدة!.. ما هو مقدرا الرضا المتحصّل؟!.. ما وجه التكامل بين المجلتين في الرؤية والبصمة والجماليات والاشتغال على العناصر الوظيفية لكلّ مجلّة؟!
لم يكن العمل سهلاً بالتأكيد. فلي أسلوبي الخاص في التصميم، وكنت أحاول كلّ جهدي ألا أضع أيّ رابط بينهما؛ فلكل مجلة طابعها الخاص وشخصيتها المستقلّة. صحيحٌ أنّ روح المصمم واحدة، وثوابته في التصميم واحدة، وجمالياته لا بدّ تدلّ عليه، وتحديداً عند من يعرف اتجاهي في التصميم والرسم، ولكن مهارة المصمم هي في جعل هذه المجلة متميّزة عن تلك، وفقاً لجماليات تدل عليها، فأحياناً أنت لا تستطيع التجريب أو المغامرة في مجلات معيّنة يعرف القراء طبيعتها وحجم أوراقها وصورها وألوانها وحواشيها والمسافة بين أسطر الكتابة فيها، وهذا أمر أحترمه، فحين تكون هذه المجلة جميلة وتلك جميلة بمقاييس متنوعة، فإنّك هنا تعطي كلّ مجلة طبيعتها وتؤكّد شخصيتها عند متلقيها، وصدقني إنّ الجمهور سرعان ما يكتشف مقدار التغيير مهما كان ضئيلاً في أعداد المجلة الواحدة، وأنا هنا أنسجم مع ما تعارف عليه هؤلاء في شكل تايكي أو مجلة عمان، فأكون قد أرضيت القائمين على المجلتين والجمهور المتنوع بينهما على السواء.
•    كيف يمنع الفنان أن تضيع بصمته في تقليد الآخرين لها أو سطوهم عليها أو تشويهها أو سرقة التوليفة الخاصة بها؟!
•    أعتقد أن انتشار البصمة أو محاولة تقليدها هو نوع من التأثّر والتأثير؛ وهذا ينسحب على الأدب والفن معاً، فهي مدارس لا يمكن لأيٍّ منّا أن يمنع أحداً من أن يسير على خطّه أو يقلّد عمله، فقد يكون هذا التقليد ناشئاً عن الرغبة بتعلم هذه البصمة أو تلك، وانعكاساً لقوّة هذا المصمم أو ذاك. وحين تتكرر البصمة، فمعنى ذلك أنّ الأعمال ستتجه نحو نمط جمالي معيّن، ولكن، من يستطيع أن ينمّط الفن والكتابة؟!.. أعتقد أنّ البصمة الواحدة قد تولّد بصمات تتفرع في مدارس جديدة، فتكون (الريادة) سبباً كافياً لهذه التفرعات. لا بدّ أن يتنوع المصممون مهما توافقوا، لأن في التنوع ثراءً وفائدة وتلبيةً للذائقة التي لا تعرف تنميطاً، وخاصّةً في الفن. وبالنسبة لي، فإنني أكون سعيدة حين أجد أنّ آخرين تأثروا بي، وشابهوني في أعمالي. أما السطو والسرقات والمسخ، فهذا أمر آخر يتعلق بوجود اسمي على أعمال ليست لي، أو وجود أسماء معينة على أعمال هي لي؛ وهذا موضوع يتعلق بالملكية الفكرية، ويبتعد عن أخلاقيات المهنة، على أقل تقدير.
•    تمّ اعتماد (لوغو) كنتِ صممتيه لدائرة (مكافحة الفساد).. ما وجه الفرح أو الرعب الذي انتابك وأنت تصممين هذا اللوغو؟!
•    (اللوغو) يمثل عندي الكثير، فهو البصمة التي تبقى سنيناً طوالاً، وقد صممت أكثر من لوغو، ولكنّي أصدقك القول إنّ شعوري وأنا أجد لوغو هيئة مكافحة الفساد قد تمّ اعتماده، هو شعور الفرحة والسعادة، فهو من الأعمال التي احتاجت مني مهارة وتركيزاً من أجل حمل فكرة الموضوع وتجسيدها، فأهمية مثل هذا اللوجو هي في صعوبة تطبيق الفكرة.
•    يلجأ كثير من الفنانين الشباب إلى التجريد في الرسم، هل لذلك علاقة بكونه إثباتاً للبصمة أم هم يستعجلون قطف ثمار التجرية؟!
•    الرسم التجريدي لدى من لا يتقنه مشكلة وأمر يضيّع على الشباب المرور بمحطات مهمّة في قراءة الأساس الذي لا بدّ أن يقرأه أي فنان هاوٍ يصبح فيما بعد محترفاً، فحتى الدراسات الأكاديمية تتدرج بالطلبة في الفن كلّه، بواقعيّته وتجريده. قد يكون أحدنا خلاقاً وتظهر بوادر إبداعه مبكّراً، ولكنّ التأني في النظر وصقل الموهبة يستلزم احترام المداميك والجهود السابقة، فالبصمة لا تتكوّن إلا بعد كم ونوع، تماماً كما هي الحال في الأدب.
الأسلوب الأكاديمي والواقعي مدرسة حقيقيّة للفنان، كما أنّ فنانين عالميين حملت لوحاتهم من ذلك الكثير، قبل أن يتجهوا إلى التجريد.
•    ما هي مساحة التفضيلات في تداخلات اللون عند آل شبيب؟!
•    تحمل الألوان الزيتية الكثير من الصبر والتداخلات اللونية في مساحات شاسعه لا تستقر على نمط؛ فحين تذوب، أجد نفسي في قارب، الفرشاة فيه مجداف بين أمواج، ليست غير الألوان. 
•    أنتِ مقلّة في معارض الرسم؟!
•    لا أنكر ذلك، لأن التصميم أخذ مني وقتي، مع أنّ موهبة الرسم كانت ولدت معي. وفي ركنٍ ما تراني أمسك ورقة أدوّن فيها فكرةً قبل أن تموت.
•    هل أنت مع معارض تشكيليّة تتضمن هموم بلدان مقهورة بالحروب؟!.. 
•    الألم كفيل بأن ينتج لوحةً تحمل كلّ هذا الألم. والدم سبب كافٍ لأن نجسّده ونضجّ حياله أو نقرأ تفاصيله، ولعلّنا نتماهى كثيراً في ثنايا لوحة تحمل مآسي الحروب وآلام الشعوب؛ لأنّ الفنّ نابض حقيقي عن آلام وثورات الشعوب وقهرها وهمومها، وهو حامل مهم لموضوع مهم قاست منه البشرية وما تزال تقاسي، ومثلما يحمل الأدب الدم، فإنّ اللوحة تحمله وتجسّد تفاصيله وآثاره في هموم الإنسان.
•    أيّهما يغلب على الآخر: الفرح أم الحزن في لوحات كفاح آل شبيب؟!
•    2006 هو العام الذي لن أنساه؛ فقد كان التحضير لمعرض مشترك على غير العادة، كانت والدتي غائبةً في هذا المعرض، وكانت في ما مضى من معارض تشدّ من أزري وتلهمني وتساندني، وكانت القهوة عاملاً مشتركاً بيننا. فجأةً تركتني، لكنّ روحها ظلّت تلازم الغرفة، فمدّتني بقوة عجيبة لأحضّر لمعرض مشترك مع زملاء من (الرأي). الألم يصنع المستحيل في كثير من الأحيان.
•    ما الأثر الفني الذي تركه رحيل والدتك في لوحاتك اللاحقة؟!
•    اتجهت أعمالي إلى التشاؤم، وأصبح ملمح الحزن يتأكّد، لأنني أحسست بالوحدة، فأسقطتها في لوحاتي التي كانت قبل رحيلها لوحات أقل حزناً وأكثر فرحاً.
•    ماذا يحمل (الحصان) في لوحات كفاح آل شبيب؟!
•    يحمل الكبرياء العربي، وقد قضيت وقتاً ليس قصيراً وأنا أرسم تفاصيل هذا الحصان، وهي تفاصيل عربيّة في (الشراشب) وبقية الأدوات العربية الملازمة للحصان في السرج وغيره، مما يؤكّد شموخ هذا الحصان، مثلما رسمت الجمل بملامحه البدوية المميزة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com