الأحد، 2 سبتمبر 2012

كانت المدرسة في الأردن تمثل أسطورة اجتماعية أقل من قرن من الزمن ..!

صورة
سامح المحاريق - قبل أقل من قرن من الزمن كانت المدرسة في الأردن تمثل أسطورة اجتماعية، أما المدرس فكان يعتبر زعامة محلية،  اليوم، المدارس تعد بالآلاف، والأردن بحاجة إلى عشرات المدارس سنويا لاستيعاب الزيادة المستمرة في أعداد الطلبة، وإلى مئات، إن لم يكن آلاف المعلمين سنويا.
 بمعنى، أن الأردن يعيش حالة من الطوارئ المستمرة توصف بالتعليم، أما التربية، فهي قضية أصبحت خارج نطاق المدرسة والبيت معا، فالمؤثر التربوي الأول هو التلفزيون، وفي المراحل المدرسية المتقدمة، الإنترنت، وللأسف، فإن المحاولات المدرسية والأسرية المستميتة للارتقاء بالطالب الصغير تذهب سدى أمام الغزو الفضائي المنفلت. 
القضية ليست هنا، ولكن وبعد انقضاء صفحة التربية من المدارس، هل يمكن الحديث عن صفحة التعليم، وهل بالفعل ما يحدث في مدارسنا هو «تعليم» يسعى لإنتاج إنسان متحضر يستطيع التعامل مع متطلبات العصر، كثير من الخريجين يصطدمون مع حقيقة مفادها أنهم لا يحتاجون مما تعلموه سوى القراءة والكتابة وإجراء بعض العمليات الحسابية البسيطة، لا تفاضل ولا تكامل ولا هندسة اقليدية، وغيرها من منغصات العيش على الطلاب الذين يضطرون للتعامل مع أستاذ الرياضيات بوصفه أحد عتاة اخصائيي التعذيب النفسي.
 وبتأمل منهج الرياضيات منذ الصفوف الأولى نجد أنه منفصل تماما عن الواقع، بمعنى أنه لا يؤدي الوظيفة الأساسية للرياضيات وهي تحويل القضايا الواقعية إلى معطيات من أجل الوصول إلى حلول فعالة، وبالتالي يتخرج معظم الطلبة وهم لا يستطيعون اتخاذ قرار بسيط في حياتهم، وأكثر فائدة أن يدرس الطالب الاستخدام الرياضي في بحوث العمليات أو مداخل اتخاذ القرارات أو نظريات الألعاب، وهي تحوي تطبيقات رياضية مفيدة. 
المشكلة أنه يجري إعداد جميع الطلاب ليكونوا أطباء أو مهندسين، أو علماء لغة وبلاغة في الأقسام الأدبية، والمشكلة الأكبر، أن جميع أطباء المستقبل ومهندسيه يضطرون لإعادة ما سبق أن تعلموه في المدرسة لدى دخولهم الجامعة، ولكن باللغة الإنجليزية،  فلماذا يتحمل الآخرون مسؤولية توجه المجتمع نحو تقدير بعض المهن على حساب مهن أخرى، ولماذا يضطر من سيدرس الحقوق أو الإدارة أو التربية لحشو دماغه بمواد لا تفيده ولا تمثل أي إضافة له، وما هي فائدة أن يدرس الطالب الجيولوجيا بتعمق!!! وهل من المقبول أن يتخرج الطلبة من المدارس وهم لا يعلمون شيئا عن الموسيقى أو الفنون التشكيلية؟ 
محتويات الكتب المدرسية بحاجة إلى مراجعة، وطبيعة المواد التي يدرسها الطالب كذلك، وفض الاشتباك بين المواد والتخصصات مطلوب، وحتى عدد الكتب وحجمها وطريقة إخراجها يجب أن يتم وضعه تحت الفحص، فالطالب في الصفوف الإعدادية يكون عدد الكتب يقترب من العشرين، عدا عن الدفاتر، وبالتالي يفترض بالطالب الذي يدخل المرحلة المهمة في تشكله الجسماني أن يحمل هذا العبء غير المدروس، ونتحدث عن الطالب في المرحلة الإعدادية، لأن الحديث عن هذه الحالة بالنسبة للطالب في المرحلة الإبتدائية سيستدعي الحديث عن حقوق الإنسان والإساءة البليغة للطفولة. 
التعليم في وضعية صعبة، والتفكير اليوم في النوعية حسب الكمية، كما أشار الملك، يحتاج إلى عقليات متحررة من أوهام التعليم التقليدي، وتمتلك الرغبة في إصلاحه، ومع الأسف، لا أعتقد أن هذه مهمة يمكن أن تناط بالمسؤولين الحاليين عن التعليمأننا نستورد مدربي كرة القدم  لنتأهل إلى كأس العالم، وتتعلق قلوب الأردنيين بأحد عشر لاعبا وصفارة حكم، في الوقت، الذي لا ينشغل أحد فعلا بالذي يتلقاه ابنه أو ابنته في المدرسة.
للاسف ؛  المهم هو الانتقال من صف إلى آخر، ويكتشف الطلبة لدى تخرجهم أنهم لا يعرفون الكثير عن الحياة العملية، فتكون صدمة الدراسة الجامعية هي الخطوة الوسيطة بين محنة التوجيهي وأزمة العمل. 
التعليم مهمة استنزافية لأي دولة، وبعض الدول المتقدمة نفضت يديها جزئيا من مسؤولية رعاية التعليم والالتزام بتقديمه للمواطنين، ويواجه الأردن في هذه السنة آلاف الطلبة من أبناء اللاجئين السوريين، الذين سيضافون إلى المدارس المنهكة أصلا، وبالتأكيد سينعكس ذلك على موازنة وزارة التربية والتعليم وأمام أية مشروعات تطوير مزمعة، ويتوجب على الدول العربية أن تجد الآلية المناسبة لدعم الأردن على هذا الصعيد، وعدم الاكتفاء بالنوايا الطيبة، ولكن الدول العربية يبدو أنها مغيبة عن بعض الأمور، ولو كانت تحضرها المبادرة الضرورية لقامت بمساعدة الأردن على تجهيز مدارس مخصصة لأبناء اللاجئين السوريين الذين قدموا من نظام تعليمي مختلف تماما عن الأردن، صحيح أن الطالب الأردني يمكنه أن يتحمل حتى لو شاركه الطالب السوري في مقعده، لأن تربيته في المنزل تحمل طبيعة قومية، ولكن المعلم الأردني لا يمكنه أن يوازن بين التدريس لطلبته ولزملائهم السوريين. 
إصلاح التعليم خلاصة تجارب طويلة، ويمكن الإطلاع على هذه التجارب حول العالم، على ألا تتحول هذه المسألة إلى ذريعة للسفر والسياحة لبعض المسؤولين والموظفين، ويفضل أن نتخير المبدعين من الشباب الذين اختصوا في التربية أكاديميا، ومجموعة من المعلمين المتميزين، وذلك وفق معايير محددة وواضحة ليتم ابتعاثهم في مهام للإطلاع على التجارب والقيام بإعداد نماذج أردنية صالحة للتطبيق، فبذلك يمكن أن يتم الحصول على نظام تعليمي قريب لما نريده ونتمناه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com