الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

سليمان الموسى ... أيامك لن تنسى في «التاريخ»

صورة

وليد سليمان - يقول الباحث المعروف في التاريخ الاردني الدكتور بكر خازر المجالي عن المؤرخ الراحل سليمان الموسى : « ستبقى حيا بأعمالك و انتاجك و مرجعا لكل ما ينشد الحق في التاريخ و العمق في البحث ... لقد قدمت في حياتك الكثير ... و حملت ذكريات الماضي من يوم كنت موظفا بالمفرق في خط انابيب حيفا – بغداد , و في مديرية المطبوعات و النشر على مدى سنوات, و كنت خير ما نقل كل الاسفار لوضعها بين ايدي كل الناس ليقرءوا و يطلعوا على الوثائق و الحقائق .
و حين كانت مكرمة جلالة الملك عبد الله الثاني – حفظه الله – بأن طلب منك ان تختار من كتبك التي نشرت ليعاد طبعها كان اختيارك لكتابين هما : 
« اعلام من الاردن « لاعادة نشر سيرة رجال اردنيين اخلصوا و قدموا للوطن و هم : سليمان النابلسي و هزاع المجالي و وصفي التل , و اخترت كتاب « ايام لا تنسى « الذي رويت فيه بطولات الجيش العربي الاردني فوق ارض فلسطين عام 1948م , و كيف كان افتداء الابطال الاردنيين للقدس و المقدسات .
و تركت ارثا كبيرا عن لورنس و قد ترجم هذا الكتاب الى لغات اخرى منها اليابانية , و كتبت عن تاريخ الاردن و الثورة العربية الكبرى و الشريف الحسين بن علي ... و نقول لروحك « انك ستبقى خالدا في التاريخ ... و لن ننسى اننا تلاميذ في مدرستك فقد تعلمنا الكثير ... و نسعى لان يبقى التاريخ حيا ... و ان يبقى مجد الاردن عظيما «
ما سبق كانت شذرات مما كتبه الباحث التاريخي د . بكر خازر المجالي ... و في كتابه جمع العديد من الدراسات و المقالات التي كتبها مثقفو و سياسيو و مؤرخو و ادباء و صحفيو الاردن و هم كثر و منهم مثلا : د . بشير نافع , د . عدنان البخيت , د . هند ابو الشعر , د. سعد ابو دية , د. زياد ابو لبن , د . باسم الطويسي , سميحة خريس , كايد هاشم , فخري قعوار , نصوح المجالي , د . معن ابو نوار , د . محمد ناجي عمايرة , سلطان الحطاب , د . خالد عبيدات , طارق مصاروة ,' هشام عودة , د . مصطفى الفار , عبد الله ابو رمان , د . سلطان المعاني , د . سمير قطامي , م.يوسف سليمان الموسى , ناهض حتر , د . ايفون , عودة ابو تايه , عبد الله عقروق , وليد سليمان , د . مهند مبيضين , د. عصام الموسى , هاني الحوراني , المطران ياسر عياش , فريد جبرا عوض , د . بكر المجالي .

مقتطفات سريعة
عبد الله ابو رمان يقول : لولا سليمان الموسى و جهوده الاستثنائية لضاع جزء كبير من تاريخنا و لكانت الصور النمطية هي سيدة الموقف , و لبقينا تحت رحمة الانطباعات , و كتبة التاريخ الاتهامي او التبريري , و لما وجدنا مرجعا صادقا نستند اليه علميا في تأصيلنا لهذا الكيان الذي قام و نشأ على رسالة النهضة العربية الكبرى و مشروعها ... لقد سبق سليمان الموسى في عمله و جهوده قيام الوزارات المتخصصة و المؤسسات الاكاديمية في هذا المجال .

في إحياء الماضي 
د . معن ابو نوار يقول : لقد تعلمت من استاذي الكبير المؤرخ العلامة الشهير سليمان الموسى بأن التاريخ لا يعتبر تاريخا اذا لم يهدف الى ايقاظ القراء لما كان عليه اباؤهم و اجدادهم لكي يروا و يشعروا بما وصلوا اليه , و اذا لم يقدس التاريخ بالصدق و الامانة في احياء الماضي فإنه يجعل القراء يتخبطون على غير هدى و الى غير غاية و يغرقهم في ملاهي اللغو , و دوامات الهراء و يقصيهم عن تجربة دقيقة فاحصه لوعيهم السياسي و الثقافي و المعرفي .
و تعلمت معه انه اذا كان التاريخ مجرد وصف لأحداث الماضي يكفينا ان نسجل تفصيلات حقائق ذلك الماضي بأوقاتها و ايامها و اماكنها و اشخاصها و تصرفاتهم و نتائجها ... لكن التاريخ أوسع مجالا و افسح ميدانا و اعمق نفوذا و اكبر تأثيرا من مجرد الوصف ... فهو بالاضافة الى ما سبق ذكره يسلط الضوء على الافراد و المجتمعات و الاسباب و الدوافع و الطموحات و الرغبات و الاحوال و العواقب و الغلطات . وأهم من ذلك انه يقوم بكل ذلك مستندا على الحقائق التاريخية الصحيحة , و المبادئ القومية و البنية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي سادت في المرحلة التاريخية التي يصفها .
تعلمت معه ان التاريخ الصحيح عملية احياء عقلي علمي موضوعي لحقائق الماضي و اشخاصه و مجتمعاته و حوادثه و اماكنه . كما يمكن اعتباره عملية تواصل فكري و حوار منطقي و تفاعل صادق و تفاهم واضح و تجاوب امين بين المؤرخ و الحقائق التاريخ التي يبحث عنها , و عندما يجدها يبحث فيها ثم يبنيها في قصة محكمة النسق انسيابية التسلسل يسيرة المعرفة و الفهم .

احب الكتاب و احترم الكلمة
كايد هاشم يقول : هكذا عرفته على مدى تسعة و عشرين عاما , صادقته خلالها و تعلمت منه اشياء كثيرة , اجملها حب الكتاب و احترام الكلمة ... و اكاد اتخيل انه رحل عن هذه الدنيا و بيده كتاب كان ينظر فيه قبل الاغماضة الاخيرة ... و ربما علق في هواشمه بعض ملحوظاته , و خط خطوطا تحت بعض عباراته .
و اكتشف « سر الحياة الاعظم « كما يقول كايد على لسان الموسى نفسه في مقدمة كتابه. 
« خطوات على الطريق « ذلك السر الذي اشارت اليه الكتب السماوية : « اقرأ « و « نون والقلم و ما يسطرون « و « في البدء كانت الكلمة « .
و عبر دروب الادب ولج ساحة التاريخ , فوضع و هو في مدينة يافا باكورة مؤلفاته : 
« الحسين بن علي و الثورة العربية الكبرى « وعمره حينذاك لم يتجاوز العشرين عاما , لكن الكتاب بقي سبعة عشر عاما ينتظر النشر .
و قال الموسى لكايد هاشم في حوار اجراه معه قديما في العام 1978 : انه تأثر في بداية حياته الادبية 
– حيث كان يكتب القصص القصيرة – بالمفكر سلامة موسى الذي كان يدعو الى التجديد و التطور و الحرية الفكرية و الانسانية , و التخلص من عوائق الاستغراق في الغيبيات , و كذلك تأثر بأفكار برنارد شو الكاتب الانجليزي الساخر , ووضع كتابا عن شو قضى عامين في تأليفه لكنه لم ينشر !!.

لورنس العرب
و يوضح الباحث كايد قائلا:وكتابه ( لورنس العرب وجهة نظر عربية ) الذي ترجم الى الانكليزية و الفرنسية و اليابانية قاد الموسى الى مرتبة اخرى من النجاح بل الى مرتبة متقدمة في افق الحوار الثقافي مع الاخر في الغرب .
فقد لفت انتباه المؤرخ سليمان الموسى ان اسطورة لورنس كبرت و نمت على حساب العرب ولم يتصدى احد من كتابهم او مؤرخيهم للكتابة عنها و معالجتها في دراسة مستقصية على الرغم من مرورعقود طويلة على ظهور هذه الاسطورة والذين كتبوا عن لورنس استقوا مادتهم كلها من معين المصادر الاجنبية 00 بينما هو أمضى عامين في تأليف ذلك الكتاب ليبين رأي العرب في مسألة نسجت حولها الاكاذيب و الاوهام و المغالطات ستارا كثيفا من العتمة , و ليخرج في نهاية المطاف بوجهة نظر عربية هادئة و موضوعية لا تنكر جهود لورنس في مساعدة قوات الثورة العربية , لكنها تقدم حقيقية انه لم يكن قائدا للثورة , وليس هو سبب نجاحها , انما كان ضابطا مثل غيره من الضباط الانكليز و الفرنسيين الذين ساعدوا في بعض عملياتها .

فليكن ذكره مؤبدا
ناهض حتر يقول : تضمنت كتابات الموسى نوعا من ( التقية ) الاسلوبية تقوم على الفصل البنائي داخل النص , بين السرد التاريخي الامين المحايد و بين ملحقات يمكن حذفها بالتحرير ,- اي انها ليست جزءا اصيلا من السرد و منطقه الداخلي – تتضمن تبرير السياسيات الرسمية .
و قد اتبع الموسى هذه التقنية لكي يستطيع انتاج سرده التاريخي امنا على نفسه و وظيفته , بعد ما تعرض للاضطهاد سنة 1957 بسبب علاقاته بالحزب الوطني الاشتراكي , و قد اسر لي الموسى ان التجربة من سجن و تحقيق و الخوف من البطالة – اثرت على مساره الادبي تأثيرا ضارا- .
و اول من نبهني الى هذه التقيه الاسلوبية في اعمال الموسى هو الراحل عوني فاخر , ففي العام 1977 اقترح علينا للتثقيف الحزبي كتاب الموسى « تاريخ الاردن في القرن العشرين « و حين اعترضت بسذاجة الاحكام المسبقة قائلا : الموسى مؤرخ رسمي !! ابتسم الرفيق عوني – و كان مثقفا كبيرا و ذكيا ثاقب الرؤية – و قال لي : لا تستعجل ... اقرأه مرة ثانية , و افصل بين النص التاريخي و بين الاراء الملصقة لصقا بالنص . 
و قد دهشت عندما فعلت ذلك و اصبحت كتابات الموسى منذ ذلك مرجعا اساسيا في فهم تاريخ الاردن المعاصر .

سبب هزيمة الدولة العثمانية ؟!
د . عدنان البخيت يقول : و كان المرحوم – سليمان الموسى – يشارك في اعمال مؤتمر بلاد الشام المتعاقبة , ما كان يجره اصراره على رأيه للخلاف مع المشاركين , و اذكر هنا بشكل خاص المؤتمر الاول للعلاقات العربية – التركية الذي عقد في انقرة العام 1978 , برعاية من رئيس الوزراء انذاك ( بلنت اجاويد ) و عندما اساء مقرر المؤتمر ( كمال كاربات ) الى دور العرب و الثورة العربية و انها سبب هزيمة الدولة العثمانية , ثارت ثائره سليمان الموسى و لم يهدأ الا عندما تدخل الدكتور عبد الكريم غرايبة و بيَن فضل الاردنيين في انقاذ مصطفى كمال اتاتورك , و في الجلسة الختامية اعطيت الكلمة لي لاتحدث بأسم الوفود العربية فقلت : ان شريف مكة اعطى الشرعية للسلطان سليم الاول عندما ارسل ابنه بمفاتيح الكعبة , و ان الشريف الحسين بن علي استرجع الشرعية سنة 1916 عندما خرج الاتحاديون عن الوجهة الاسلامية للدولة , و بالتالي يبقى العرب هم الذين يمنحون الشرعية , وانهم اهل الوفاء للدولة العثمانية , و هذا غير ما يتعلمه الطلاب في المدارس بتركيا اليوم . فأبتسم ابو عصام – سليمان الموسى – عن هذه المداخلة في الوقت الذي كانت فيه عيون الاستاذة ( امل سونمار ) عميدة كلية الاداب من اصول عراقية تدمع . 

البساطة و التواضع 
زياد ابو لبن يقول : و قد لفت انتباهي سليمان الموسى الطفل المسيحي الذي يجلس على حصيرة الشيخ نمر إمام قريته « الرفيد « شمال مدينة اربد , و يقرأ آيات القرآن الكريم بصوت مرتفع , و لم يكن انذآك فرق بين طالب مسيحي و بين طالب مسلم في التعليم بالكتاتيب .
و عندما تقترب من شخص سليمان الموسى تجده انسانا في غاية التواضع , بل هو في باب الزهاد اقرب , و الى فكر المتصوفة انسب , عهدته كريما كما عهده الذين عرفوه , وقد افضى لي ابنه الدكتور عصام ان والده قد تبرع بمبلغ جائزة الدولة التقديرية انذاك للفقراء , و كان يحمل من صدقات والده الى الفقراء دون ان تعلم شماله ما قدمت يمينه .

منهجية لقاءاته
د . عصام الموسى يقول : في اللقاءات التي شهدتها بنفسي للوالد مع بعض الشخصيات التي استنطقها من حادثة شارك فيها ذلك لشخص , أو كان شاهدا عليها فقد كنت أرى العجب ... كان سليمان الموسى يترك الشخص يتحدث عن الواقعة , و بعد ان يفرغ تبدأ المحاكمة . أجل المحاكمة !!! تبدأ الاسئلة الصعبة و الدقيقة في التوالي ... احيانا يعجز الطرف الآخر عن الرد حين كان يواجه بتفاصيل تهدم روايته او تشكك فيها , و كان سليمان الموسى يبحث عن الخط الفاصل بين ما نسجه الخيال و بين ما يعتمد كحقيقة تاريخية . 
و بعد ان نخرج من اللقاء , كان الوالد رحمه الله يعقب قائلا : لم نستفد شيئا ؛ او يقول : كشفنا اليوم شيئا جديدا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com