الخميس، 27 سبتمبر 2012

التغيرات الفسيولوجية المصاحبة للتقدّم في العمر


عمان- التغيرات الفسيولوجية التي تحدث مع تقدّم السن، تختلف من مجتمع لآخر، كذلك فإن التغيرات النفسية تختلف من مجتمع لآخر، ففي الدول المتقدمة يعيش المسنون بعيداً عن أبنائهم، ويعيش المسن في عزلة اجتماعية إما في دور للمسنين حيث يعيش بعيداً عن أهله وأقاربه وأصدقائه وتُسيطر الكآبة عليه، وتُشير الدراسات إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب بين مثل هؤلاء المسنين. 
ما يحدث في الدول المتقدمة أصبح يحدث الآن في دول العالم الثالث، حيث أصبح الابناء يتركون والديهم ويُهاجرون بحثاً عن العمل، أو يعيش الابن أو الابنة في منزل مستقل بعيداً عن والديه ويبقى الآباء يُعانون من الوحدة والعزلة التي قد تقود إلى الكآبة ومشاكل نفسية أخرى.
التقدّم في العمر يحمل معه مشاكل نفسية متعددة، إذ الكآبة غالباً ما تُرافق التقدّم في العمر عند الرجال والنساء على حدٍ سواء. فكما أسلفنا فالاكتئاب يزداد مع التقدّم في العمر، وإن كانت أعراضه تختلف عن أعراض الاكتئاب في المراحل المبكرة من العمر؛ حيث تكون أعراض الاكتئاب عند كبار السن مصحوبة بأعراض جسدية مثل الآلام والاجهاد والشعور بالتعب لأدنى مجهود يقوم به المسن. ويُصاحب الاكتئاب عادة في هذه المرحلة العمرية القلق، وبالذات قلق الخوف من الأمراض وكذلك قلق الخوف من الموت.
 أحياناً يصل الأمر في الاكتئاب إلى أن يُصبح المسن كأنما يُعاني من الخرف (العته)، حيث يُصبح لا يتذكّر الكثير من الأحداث ويُجيب عن معظم الأسئلة بـ "لا أعلم"، ويُصبح مزاجه مُنخفضاً ويُعرف هذا بـ"الخرف الكاذب". أما أكثر الاضطرابات النفسية والعقلية التي تُصاحب التقّدم في العمر، خصوصاً بعد سن الخامسة والستين هو مرض ألزهايمر، والذي يزداد مع التقدّم في العمر.
تدرج مرض ألزهايمر 
قبل فترة ليست بالبعيدة تمت محاكمة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عن مشاكل تتعلق بوظائف وهمية حينما كان رئيساً لبلدية باريس، ولكن أشارت التقارير الطبية إلى أن القدرات العقلية للرئيس الفرنسي السابق متدهورة وإنه يُعاني من ألزهايمر، وأنه غير قادر على تحمّل المحاكمة، وأن قدراته العقلية متدهورة بسبب هذا المرض. فمن كان يُصدّق أن أحد أهم الرؤساء والسياسيين الفرنسيين يصل إلى هذا الوضع العقلي المتدهور بسبب مرض ينتشر بين كبار السن.
 قبل ذلك كان الرئيس الأميركي الأشهر، خلال نهاية القرن الماضي، رونالد ريجان بدأ يُعاني من ألزهايمر وهو في سدة الرئاسة وانتبه المقربون منه لبداية ألزهايمر عند رئيسهم، بل إن الرئيس بيل كلينتون عندما زار الرئيس ريجان لاحظ أن الرئيس لا يستطيع أن يستوعب الحديث وكذلك عدم قدرته على الربط بين الأحاديث المتداولة، وفيما بعد اتضح أن الرئيس يُعاني من مرض ألزهايمر، وقامت زوجته بمنع زيارة أي شخص للرئيس وكذلك رؤية أي شخص للرئيس بعد أن تدهورت صحته وقدراته العقلية حتى توفي والجميع محتفظ بصورة الرئيس في آخر أيام الرئاسة دون أن يُشاهدوا تدهوره وحالة بؤسه.
كذلك تم عرض فيلم عن السيدة الحديدية مارجريت ثاتشر، والتي كانت رئيسة وزراء بريطانيا لمدة ثمانية عشر عاماً وكانت مُسيطرة تماماً على حزب المحافظين، ولكنها الآن أصبحت تُعاني من مرض ألزهايمر.  
وعادة يبدأ ألزهايمر بالتدريج ولا يُلاحظ الأهل والمقربون من الشخص ظهور أعراض المرض إلا بعد أن يتقدّم المرض ويستفحل، نظراً لأن الأعراض لا تُبيّن بصورةٍ مُبكّرة. في أحيان كثيرة يكون هناك خلط بين مرض ألزهايمر واضطراب الاكتئاب، نظراً لتشابه الصورة الاكلينيكية، ولكن يتم التفريق بين ألزهايمر والاكتئاب بأن المريض الذي يُعاني من الاكتئاب يكون لديه تاريخ مرضي بالإصابة بمرض الاكتئاب في الماضي، بينما لا يكون لدى مريض ألزهايمر تاريخ بالإصابة بأي اضطراب في المزاج. كذلك المرضى الذين يُعانون من الاكتئاب، والذي يمكن أن يُطلق عليه "العته الكاذب" يمكن أن يُعرف تاريخ بدء المرض عندهم، بحيث إن الأهل يستطيعون أن يُحددوا تاريخ بدء المرض عند الشخص المريض بهذا المرض بينما الشخص الذي يُعاني من ألزهايمر لا يستطيع أهله تحديد متى بدأ المرض لأن المرض يبدأ بالتدريج، كذلك مريض ألزهايمر يحاول أن يتذكر الأحداث ويبذل مجهوداً لمحاولة التذكّر بينما مريض الاكتئاب يجيب عن الأسئلة بـ"لا أعرف". وكذلك مريض الاكتئاب يستجيب للعلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب، بينما مريض ألزهايمر لا يستجيب للعلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب. ومريض ألزهايمر حالته تتدهور، وبرغم أن هناك أدوية لعلاج مرض ألزهايمر إلا أن مفعوله ما يزال غير فعال ولم يؤت بتغيّر يُذكر في تغيير أعراض مرض ألزهايمر.
للأسف الشديد فإن مرض الزهايمر يتدهور مع الوقت، وحالة المريض تسوء مع مرور الزمن ويظل يُعاني من الانحدار في صحته الجسدية وكذلك قدراته العقلية حتى يصل إلى مرحلة صعبة لا يستطيع أن يخدم نفسه فيها ويُصبح عبئاً حقيقياً على من يعولونه.
مع التقدّم في العمر، ثمة اضطرابات وأمراض نفسية تزداد نسبة حدوثها مثل بعض الاضطرابات الذهانية التي تُشبه الفُصام تُسمى "البارافرانيا"، وفي هذه الحالة يشكو الشخص المسن من هلاوس معظمها هلاوس سمعية، وإن كانت هناك حالات قليلة تكون فيها الهلاوس بصرية، خصوصاً إذا كانت هناك اصابة عضوية في الدماغ، خاصةً مع التقّدم في العمر، حيث يتعرّض المسن لبعض الأمراض التي قد تؤثر في تركيب الدماغ مثل الإصابات بالأورام أو الجلطات، والتي قد تؤدي إلى أن يتعرض المسن إلى بعض الأعراض الذهانية والتي قد يكون منها الهلاوس البصرية. الأمر الجيد أن هذا الاضطراب قد يستجيب للأدوية المضادة للذهان، على أن يتم معالجة السبب الأساس في هذا الاضطراب إذا كان عضوياً بالأدوية والطرق العلاجية الأخرى.


الدكتور إبراهيم الخضير
استشاري طب نفسي
www.altibbi.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com