ديما محبوبه

عمان- يغلي إبريق الشاي على مدار الساعة في البيوت الأردنية، وهناك وقت مخصص يعد وقت الشاي، وهو وقت العصر بعد تناول وجبة الغداء.
وهذا الأمر لا يعني أنه فقط الوقت الوحيد الذي يحتسى فيه الشاي، فكثير من العائلات تشربه أيضا خلال وجبتي الفطور والعشاء، وخلال النهار وفي سهرات المساء ويقدم للضيوف.
كوب الشاي باختلاف أنواعه وطرق صنعه، ليس مجرد مشروب، بل جزء من الحياة اليومية للملايين من الأردنيين وما حول العالم، وعنصر أساسي في الضيافة ولقاءات العائلة والأصدقاء، ويعد الشاي أكثر المشروبات قبولا في العالم.
فالبعض يفضله لمذاقه أو لفوائده العلاجية، وآخرون يجدون فيه منبها للذهن ومنشطا للجسم، وفي النهاية يحتفظ بسحر خاص يدفعه إلى المقدمة بين المشروبات الأخرى كافة باعتباره جزءا من تاريخ وثقافة كثير من الشعوب.
ويتفق عدد من العائلات على طريقة تقديم مشروب الشاي؛ فالعديد يعشق رؤية لونه الأحمر الصافي في كاسات زجاجية تشف ما وراءها، استمتاعا بالطعم اللذيذ والمشهد الجذاب، ومنهم من يهوى وجوده في الكاسات الزجاجية للتأكد من لونه ومدى نقعه في الماء الساخن.
فتقول ميساء أبو الهيجاء: "استهلاك عائلتي شديد على سلعتي الشاي والسكر؛ إذ إنهما مرتبطتان مع بعضهما بعضا؛ فعائلتي تعمل على شرب الشاي باستمرار مع المزيد من السكر، والنعناع أو إحدى البهارات المطيبة له أو الأعشاب".
أما والدها فهو يرغب في شرب الشاي قليل سكره ولا وجود للهيل أو الأعشاب كالنعنع أو الميرمية، وذلك لتذوقه وحده من دون شوائب تعكر صفوه أو مذاقه، حسب أبو الهيجاء.
ويعد الشاي المشروب الثاني الأكثر استهلاكا على الأرض بعد الماء، حتى أنه يجد شهرة في كثير من الثقافات وفي العديد من المناسبات الاجتماعية المختلفة، وقد وصل الأمر إلى ظهور ما يسمى بـ"حفلات الشاي"، التي يقدم معها الكعك في الأردن، أما في الصين واليابان فهم يتفننون في إظهار أنواع الشاي وطرق إعداده الحديثة.
وفي دراسة جديدة أشار إليها نقيب المواد الغذائية سامر الجوابرة "فإن الأردنيين قاموا باستهلاك ما يقارب 26.5 مليون كيلوغرام (حوالي 26 ألف طن) من الشاي في العام 2011؛ حيث بلغ استهلاك الفرد الواحد من الشاي حوالي 4 كيلوغرامات".
وذكر أن عدد أكياس الشاي (الميداليات) التي تم استهلاكها العام الماضي بلغ أكثر من 18 مليون كيس.
وتأكيدا لمدى حب الشعب الأردني للشاي، يبين الثلاثيني رجاء خميس، أنه لا يستطيع أن يخرج من بيته إلى وظيفته من دون تناول وجبة الفطور، وهذه الوجبة تحديدا لا يمكن أن "تنزل اللقمة من دون جرعة من الشاي بعدها، لذلك أشرب في الصباح الباكر كوبا كبيرا من الشاي مع ثلاث ملاعق كبيرة من السكر"، حسب خميس.
ومن وجهة نظر مختلفة قليلا في حب الشعوب للشاي، يقول الحاج سمير خوابشة "أحب الأردنيون الشاي في سهراتهم وطوال يومهم لأنه متعلق بتراثهم وتربوا عليه بأنه الشراب الوحيد مع القهوة العربية ولبن المخيض، وانتشاره له سبب اقتصادي؛ فهو شراب قليل السعرات وفيه البركة الكثيرة، فيكون مشروب ضيافة اجتماعية وسهرات عائلية وهو مساند للوجبات الغذائية".
أما من ناحية صحية، فيبين اختصاصي الطب العام د. مخلص مزاهرة، أن الشاي مشروب شعبي لدى الأردنيين، مؤكدا أن شرب الشاي بكميات كبيرة يشكل عاملا مساعدا على ضعف الدم، خصوصا إذا لم يكن الغذاء متوازنا. ومن يرغب بشرب الشاي، وخصوصا بعد تناول وجبات ثقيلة ودسمة، فهناك سبب رئيسي في ذلك، وهو أن تناول كوب من الشاي بعد الوجبات الثقيلة يساعد على عكس بعض الآثار المؤذية للطعام الدهني الدسم على الجسم.
وفي المقابل، فهو يلفت إلى أن الشاي مادة قابضة تعوق عملية امتصاص الحديد في جدار المعدة، ويحذر د.مخلص من إعطاء الشاي للأطفال، ناصحا الحوامل وكبار السن بالتقليل من تناوله، باعتباره "مادة منبهة تؤثر على الجهاز العصبي وتسبب الأرق والقلق". ويشير إلى أن ما تحدث عنه سابقا موجه للناس الذين يكثرون من تناول الشاي بشكل كبير وملحوظ ومن دون توازن في تناول وجبات غذائية صحية.
أما اختصاصية التغذية ربى العباسي،  فتبين أن الشاي الأسود يفقد كثيرا من عناصره المفيدة خلال ما يتعرض له من عمليات تصنيع، ما يزيد من تركيز مادة (الكافيين)، وهي المادة التي ترتبط بخفض امتصاص العديد من العناصر في الجسم؛ مثل الكالسيوم والمغنيسيوم.
وتلفت إلى احتواء الشاي على مادة (التانين)، وهي المادة المسؤولة عن خفض امتصاص الحديد، لذلك تنصح العباسي مرضى فقر الدم بالتقليل من تناوله.
وفي حين لا تنفي وجود فوائد للشاي الأسود إذا تم تناوله بمعدل معقول، تشدد على أن الحد الأعلى المسموح به من الشاي يتراوح بين 4 و6 أكواب يتم تقديرها تبعا لتركيز الشاي فيها.
وتبين العباسي أن هذه النسبة مسموح بها لمن لا يأخذ الكافيين من مصادره الأخرى، مشيرة إلى أن الشاي يعد من المواد المعقمة، فيستخدم ككمادات للعين، إضافة إلى أنه يحمي الأسنان من التسوس كونه يحتوي على مادة الفلور، وكذلك يعادل حموضة المعدة.
وتوصي بعدم تناول الشاي مع الحليب، لأنه يقلل من استفادة الجسم من الكالسيوم، وتنصح بعدم تناوله مع الوجبات أو بعدها مباشرة؛ إذ يفضل تناوله بعد ساعة أو ساعة ونصف الساعة على الأقل.
وتوصي باستبدال الشاي الأسود بالشاي الأخضر، وهو النوع الذي تلحظ من جديد أن هناك إقبالا عليه من الأردنيين، مؤكدة فوائده الكثيرة.
وفي هذا السياق، تتحدث العباسي عن فوائد الشاي الأخضر، موضحة أنه عبارة عن مستخلص الشاي قبل تعرضه للتصنيع، ومن فوائده احتواؤه على مواد مضادة للتأكسد بكمية كبيرة مثل (الفلافونويد) و(البولي فينول) و(الكاتيكين)، وجميعها تحافظ على أنسجة الجسم من السرطانات.
وتبين أن الشاي الأخضر يحمي الكبد ويقلل من التهابات المفاصل، وتوصي مرضى الضغط والكلى بتناول الشاي الأخضر كبديل عن الشاي الأسود.
وارتبط الشاي بالتراث عند الكثير من الشعوب؛ ومنهم الأردنيون، وبذلك يقول خبير التراث نايف النوايسة "إن الشاي عشبة اكتشفت في القديم البعيد، وهناك طرق كثيرة لتقديمها؛ فيقدم الشاي في الأردن ويضاف له أحيانا نوع من الأعشاب حسب الرغبة؛ كالنعناع والميرمية، في حين تضاف بعض أنواع التوابل إلى الشاي في السعودية؛ كالقرنفل والزنجبيل والقرفة، وتختلف الخيارات باختلاف الأذواق".
وبرأي النوايسة، يقال قديما إن الشاي عرف في الهند وكان من ضمن الأعشاب والتوابل التي تؤخذ من التجار الهنود وقوافلهم، وكانت هذه العشبة وما تزال ذات ثمن رخيص مقارنة بالمشروبات الأخرى ولا يمكن أن يخلو منزل منها، وسيبقى للشاي رونقه إما للاستمتاع أو للحالة الصحية.
وييبن "رغم أن الشاي أنواع؛ كالأسود والأحمر والأخضر والأبيض، إلا أن المتعارف عليه في معظم الدول العربية هو الشاي الأسود".

عادات الشعوب في شرب الشاي

ونقلا عن موقع المسافر وخبير التراث نايف النوايسة، فإن الشاي مشروب عالمي ولكل شعب طقوس في تقديمه وطريقه شربه؛ فسريلانكا تعد من أكبر الدول المنتجة للشاي ويقع الموطن الأصلي للشاي في شرقي آسيا. وتذكر الروايات الصينية أن الملك شينوق Shennong هو من أدخل استعمال نقيع الشاي الساخن كمشروب إلى الصين بعد أن اكتشف بالصدفة تأثير أوراق الشاي على الماء الساخن، ومن الصين انتقل الشاي إلى اليابان والهند ثم إلى تركيا التي أسهمت في انتشاره الواسع في المشرق.
وأهم الدول المنتجة له؛ الهند، الصين، سيلان، إندونيسيا، واليابان، وأهم الدول المستوردة بريطانيا، الولايات المتحدة الأميركية، أستراليا، وروسيا.
وتأتي تركيا في مقدمة الدول الأكثر استهلاكا للشاي حتى العام 2010 بمعدل 2.5 كيلوغرام للشخص، وتليها المملكة المتحدة بمعدل 2.1 كغم، ثم أيرلندا 1.5 كغم، والمغرب 1.4 كغم، وتأتي إيران في المرتبة الخامسة بمعدل 1.2 كغم، تليها مصر 1.1 كغم، ثم نيوزيلندا، اليابان، هولندا، أستراليا.
وفي الصين، يشرب الصينيون شاي الياسمين من دون إضافة سكر على الإطلاق، ويمتاز بنكهة ورائحة عطرية تغري بشرب أكبر قدر منه.
والشاي المثلج من المشروبات الشعبية في تايلاند؛ إذ يحب الشعب التايلاندي الشاي المثلج، وعادة يقتصر شرب الشاي الساخن على الضيوف الأجانب.
وفي الهند، يعد الشاي واحدا من أهم المشروبات الساخنة الأكثر شعبية، ويستهلك يوميا في جميع المنازل تقريبا مع إضافة الكثير من الحليب، ومع أو بدون التوابل.
سريلانكا هي من أشهر الدول في زراعة وصناعة وتصدير الشاي، وفي العاصمة كولومبو توجد أكبر الشركات العالمية التي تتحكم في تحديد مستوى وسعر الشاي عالمياً. ويتناول شعب سريلانكا الشاي مر المذاق ويستمتعون به.
في بريطانيا، يمكن وصف الشاي بأنه المشروب الوطني، وبدأت بريطانيا باستيراده منذ العام 1660، واسم الشاي هناك لا يشير فقط إلى المشروب بل إلى الوجبة الخفيفة التي يتم تناولها بعد الظهر. ويفضل الإنجليز شرب الشاي الأسود والإيرل جراي وشاي الياسمين الصيني، وانتشر مؤخرا الشاي الأخضر الياباني، ويضيفون السكر أو الحليب أو الليمون إليه، ويكثر شرب الشاي في أوقات محددة مثل "شاي الفراش"  عند السادسة صباحا، وشاي الحادية عشرة صباحا، وآخر في وقت متأخر من اليوم.
في منغوليا، يفضل المغول لبنة الشاي الأساسية، ولذا يقومون بطحنها إلى مسحوق، ويضيفونها إلى الماء حتى الغليان، ثم يضيفون حليب الماعز إليه.
وفي مصر، يعد الشاي المشروب الأول بمعدل 5.5 مليار لتر شاي سنويا، ويختلف تناوله بين المناطق المختلفة؛ فالبعض يفضله ثقيلا وآخرون يشربونه خفيفا، كما يتناوله البعض مع الحليب أو مع الكثير من السكر، ويعد تقديم الشاي إلى الزائر واجب الضيافة الأول في مصر.
أما في المغرب، فأصبح تناول الشاي عادة شائعة على نطاق واسع بعد كل وجبة تقريبا، ويقدم عادة مع أوراق النعناع الطازجة الخضراء والسكر البني، ومما يلفت الانتباه في إعداد الشاي على الطريقة المغربية جمال الأدوات المستعملة لتحضيره وتقديمه؛ فالصينية والبراد (الإبريق) مصنوعان من الفضة اللامعة المزينة بنقوش يدوية دقيقة.