الأحد، 23 سبتمبر 2012

الحياة الجامعية في أمريكا و بريطانيا

صورة

سامح المحاريق -  تعمل الجامعات الأمريكية والبريطانية، وغيرها من الجامعات في أوروبا وآسيا، على تعزيز انتماء الطالب للجامعة، فالجامعات تقوم بتسويق ملابس تحمل شعاراتها، يرتديها الطلبة أثناء الدراسة، وأحيانا كثيرة بعد التخرج، كما تقوم بعض الجامعات بإهداء أو بيع خواتم خاصة بها، يرتديها الخريجون بعد أن يلتحقوا بالحياة الوظيفية، وأيضا، ترعى الجامعات الفرق الرياضية التي يشكلها الطلبة، وتمثل المباريات التي يخوضها فريق الجامعة في أي رياضة مناسبة يتجمع خلالها الطلبة، في أجواء احتفالية تعزز من شعورهم بالتواجد في جهة واحدة يجمعهم فيها حلم مشترك، فما الذي تفعله جامعاتنا في المجال نفسه؟.

ماهو تصور الجامعات لقضية إندماج الطالب في البيئة الجامعية؟ 
  
 عادة ما يبدأ الطالب الحياة الجامعية ويتلقى المعونة من الطلبة الأقدم منه، وأحيانا توفر بعض الجامعات مكاتب إرشادية يقوم عليها موظفون يؤمنون بالروتين، والطالب، لا ينتظر رعاية الجامعة على طريقة الوصاية المدرسية، ولكنه يتوقع بيئة مختلفة، وخبرات جديدة، وفرصة مختلفة للتعبير عن نفسه، أو بالأصح، إعادة اكتشاف نفسه.
 ..فالمدرسة هي مرحلة التمهيد، ويفترض بالجامعة أن تكون مرحلة الانطلاق، فكل طالب هو مشروع مستقل، يعتبر نفسه كذلك، ويعتبره وسطه الأسري، أو عائلته الممتدة كذلك، ولكن الجامعة تعبر عنه بواسطة رقم جامعي، وكشف علامات، ومجموعة من التعليمات واللوائح التي يجب أن يلتزم بها الطالب.
 وتوفر بعض الجامعات أندية جامعية، يمكن أن الجميع في الأردن يعرف قصتها من الألف إلى الياء، ابتداء من الانتخابات التي تكون موسما لاستعراض عوامل التفرقة بين الطلاب، واستدعاء كل ما لا يمت للحياة الجامعية ومفهومها بصلة، ولا يمكن لهذه الانتخابات أن تفرز على الإطلاق أندية طلابية تقوم على أفكار مختلفة، فهي تقع بين الفهم الخاطئ لممارسة العمل السياسي والخلط بين الدور شبه النقابي للأندية والاتحادات الطلابية، وبين عقدة الوجاهة الاجتماعية التي يسعى لها بعض الطلبة كتعبير مغلوط لفكرة اثبات الذات.

 وجود قنوات الاتصال الايجابية 
الاندماج يعني وجود قنوات الاتصال الايجابية أفقيا، مع بقية الطلبة والطالبات، ورأسيا، مع المدرسين وإدارة الجامعة، وهذا لا يتم التعبير عنه بالساعات المكتبية التي تكون عامة لجميع الطلبة، إن لم تكن في الأساس مجرد ورقة يتم تعليقها على باب مكتب الدكتور كإجراء شكلي، وليست بالضرورة الوقت الذي يجب تخصيصه للطلبة وللحديث معهم، ننتقل هنا بالحديث، إلى دور الدكتور نفسه، فليست القضية هي نقل موضوع معرفي من الدكتور إلى تلاميذه، ولكن المسألة هي قدرة الدكتور على توجيه طلبته لإجراء البحث العلمي في مختلف صوره، ومن خلال جميع أدواته الممكنة، ليصلوا إلى المعرفة من خلال جهودهم الذاتية.
.. وبالتالي فإن أدوات مثل كتاب المادة، الذي يدرس عادة بعض الفصول منه، ونادرا ما يدرس بالكامل، ومادة الامتحان، وأحيانا الأسئلة المتوقعة، هي أدوات لا تتعلق فعليا بدور الدكتور، ولكنها امتداد لما كانت تؤديه المدرسة، كما أن مدرس المادة في الجامعة، كثيرا ما يكون غير متابع للبيئة الفعلية لما يدرسه في الحياة العملية، بمعنى، أن المادة العلمية تأتي مختلفة تماما عن تطبيقاتها العملية، وطلبة المواد الإدارية والمالية الذين يتخرجون ليلتحقوا بالمؤسسات التجارية المختلفة يدركون أنهم يمتلكون معرفة لا تتفق مع ما يتطلبه السوق.
  فالتحليل المالي الذي ينفق الطلبة فيه وقت كثير، ويسهرون الليل لحفظ معادلاته، تقوم به أنظمة حديثة، وتقدم بعض الأنظمة المتقدمة، التوصيات اللازمة لاتخاذ القرار، أما الاقتصاد الكلي ومفهوم التنبؤ ونظريات الألعاب، وكيفيات تحويل الكمي إلى كيفي والعكس، فإنها أدوات لا تشملها معظم المناهج الجامعية، ولا يجد المدرسين الوقت الكافي لشرحها، في حالة أدركوا أهميتها للطالب.

 الحاسة النقدية 
إن الطلبة يحصلون على للتعليم دون وجود التأطير الفلسفي الكامل، وهو الذي يؤسس لديهم الحاسة النقدية تجاه ما يدرسونه، وجميع العلوم التي تدرس في الجامعات ابتداء من العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والأحياء، والمواد الإنسانية مثل علم الاجتماع أو الاقتصاد، في النهاية لا يمكنهم أن يقوموا بمغامرة تطوير في داخل هذه العلوم، طالما لم يلتحقوا بمؤسسات تعلم الطلبة كيف ينتقدون ما يتلقونه، ولا يتعاملون معه كنص يجب إعادة إنتاجه في الامتحانات، فمن يطورون العلوم هم من يتشككون، أما التدجين على أساس أن ما يقوله المدرس هو الصحيح والكامل، فذلك لا يسفر في النهاية لا عن علماء ولا مبدعين.

 في قاعة المحاضرات. 
الاندماج يتحقق في قاعة المحاضرات، لو أن المدرس الجامعي أخذ على عاتقه مهمة إقناع الطلبة بما يدرسه، وليس تلقينهم إياه، وعليه أن يشجعهم على النقد، والتفحص، والتفكير وإعادة التفكير، عليه أن يدفعهم ليبحثوا عن الخطأ فيما يقوله، وليس أن يؤمنوا بصحة ما يعرفه، في هذه الحالة تتحول القاعة إلى بؤرة من الاندماج والتحالف في مواجهة المعرفة، وتوجد أرضية للحوار بينهم وبين المدرس والجدل مع المادة العلمية. 
الاندماج يبدأ من قاعة المحاضرات، ولا يمكن التعويل على الإندماج الذي يبدأ من الكافتيريا أو أي مكان آخر في الجامعة، ففي هذه الأماكن يندفع الطالب ليبحث عن من يشبهونه، ومن يمكن أن يتحالف معه ليهرب بذاته، وليس أن يشترك مع الآخرين من خلالها، ولذلك أسباب عديدة في مجتمعاتنا. 
الأول، المظهرية التي تعد حاليا قيمة اجتماعية طاغية، فليس معقولا أن تسود سيارات الأحجام الصغيرة في دول ذات دخل مرتفع، وأن تنتشر الدراجات الهوائية والدراجات الميكانيكية الصغيرة، بينما تنتشر السيارات رباعية الدفع عندنا وكأن الأردن تعوم على بحيرات من النفط، وحتى عندما بدأت الدراجات تظهر فكانت من النوعية التي تفوق في ثمنها السيارات المتوسطة. 
الثاني، وجود الطلبة القادمين من أماكن سكنية معينة، أو مدن معينة،  أو مدارس محددة، يصنعون مجتمعا خاصا بهم، وعادة لا تتدخل الجامعة لتفكيكه من خلال أدوات حديثة قائمة على تواجد الكادر التعليمي والإداري في الصورة ليكتسب الطلبة خبرات متبادلة عن البلد الذي يعيشون فيه، ويتحرروا من الصور الذهنية المسبقة التي يحملونها عن بعضهم البعض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com