الجمعة، 21 سبتمبر 2012

الزوج: عاقد الحاجبين في المنزل ومتدفق المشاعر مع الزميلات


سوسن مكحل

عمان- نوع من التناقض يحيط بعض الرجال، فتارة يحثون المرأة على العمل ويهتفون لها، وتارة أخرى يثبطون من عزمها، ويرونها غير قادرة على الإلمام بالعمل في المنزل.
إلا أن من المستغرب أن نجد الرجل الصعب، الذي يحاكي النساء ويستشيرهن في بعض أموره، ويلجأ إلى بعضهن لحل مشاكله، لكنه عاقد لحاجبيه في منزله، ولا يأبه بمشاعر زوجته وإعطائها الأهمية، بل ويتجاهلها في بعض الأمور التي تستدعي رأيها، ما يشكل إهانة لها وينتقص من حقها الطبيعي.
وهذا ما تلمسه سحر مصطفى، التي تشعر كلما تحدثت معها زميلة زوجها في العمل التي تربطها بها صداقة قوية، حيث تقول لها باستمرار "نيالك بزوجك"، واصفة إياه أنه دائم الابتسامة ومتعاون جدا مع جميع زميلاته، ويضفي أجواء جميلة على جميع من يعمل معه.
وتفسر سحر سبب هذا الضيق بأن زوجها في البيت "عاقد الحاجبين" ودائم الشكوى، ويتعامل بعصبية شديدة معها ومع أبنائه، وغير متعاون أبدا، وكل ما يهمه إنجاز طلباته على أكمل وجه، على عكس طبيعته في العمل. وتستغرب رند (28 عاما) مثل هذه السلوكات لبعض الرجال، وتتحدث عن زميل لها في العمل، يعتبر أن عمل المرأة غير ضروري، ولا يسمح لزوجته بالعمل، مهما دعت الأسباب، في وقت لا ينقطع هو عن محاورة الفتيات في عمله ومناقشتهن في مختلف الأمور، منوهة إلى أن سلوكه يتناقض مع حياته.
وترى أن هذا التصرف يمثل انفصاما في شخصية الرجل، "وهو أمر غريب ومدعاة للسخرية، فكيف يسمح الرجل لنفسه بالحديث مع مختلف النساء، ومناقشتهن وتبادل الأحاديث معهن، في الوقت الذي يمنع زوجته من التفكير في العمل أو الوظيفة التي تحقق لها الأمان"، بحسب ما تقول.
ولا يقتصر الأمر، وفق رند، عند قضية العمل؛ إذ إن زميلها ينادي بتحرر المرأة من سلطة الذكورة، وهو يفرض سلطته على زوجته، ويتفاخر أمام زملائه بأنه رجل "شرقي".
لكن رند، الموظفة في قسم المحاسبة في إحدى الشركات، ترفض أن تحصر جملة "الرجل الشرقي" بالرجعية، مؤكدة تفاهمها مع زوجها منذ أن تزوجته قبل عام ونصف، حيال الكثير من الأمور، وبالذات أهمية العمل لكليهما وللعائلة، وكذلك التعامل مع أفراد المجتمع بغض النظر عن الجنس، على أساس الاحترام المتبادل.
وتوقف حلم أم وليد، منذ 20 عاما انصياعا لرغبة زوجها، الذي يمنعها من العمل، فقد انطفأ حلمها ولم تعد قادرة على التفكير في العمل، رغم أنها ومنذ نعومة أظفارها، كانت تتمنى أن تكون ممرضة، وتبني أسرة متماسكة.
تقول أم وليد "أنا أعرف أن زوجي الذي يعمل في مجال العلاقات العامة، يلتقي بالفتيات على الدوام، ولديه علاقات مع مختلف الفتيات والنساء من الدول كافة، في حين يمنعني من تحقيق حلمي بالعمل رغم أنني أحمل شهادة التمريض".
الأمر الذي يبكي ويضحك أم الوليد، التي أنجبت أربعة أولاد، أنها لم تنجب بنتا "لأنه لو كانت لديها فتاة لمنعها والدها من الدراسة ومن ثم العمل، وكانت ستؤول طموحاتها نحو المطبخ"، وفق ما تقول. ولكن لو عاد الزمن بها إلى الوراء لاختارت العمل إلى جانب الزواج، ولرفضت أن تجلس في البيت، معتبرة أن عمل المرأة يحقق لها شخصية أفضل، إلى جانب أنه يمثل حافزا ماديا إضافيا لها وللعائلة.
وتلاشى حلم منى (33 عاما) بالعمل، بعد رفض زوجها لذلك بعد الزواج، مع أنه كان يشجعها على ذلك خلال فترة الخطوبة، وجلست بالمنزل إرضاء لرغبته خلال فترة الحمل، "وبعد أن أنجبت طفلين، لم يوافق زوجي على أن أعمل"، حسب ما تقول.
وتستغرب سلوك زوجها، الذي يشجع عمل المرأة، وينادي بالحريات والاستقلالية، ولكنه يرى أن الزوجة يجب أن تكون في بيتها، ولا ضرورة لعملها.
إلا أن منى قررت أن لا تفكر في العمل، وتجلس في منزلها لرعاية أبنائها، بعد أن شعرت أن المشاكل تتفاقم حيال عملها، مبينة أن زوجها يعتقد أن قدرته على رعاية الأبناء ماديا تكفي لجلوس المرأة في المنزل بدون عمل، "وهذا بالنسبة لي أمر مرفوض لأن عمل المرأة ليس بالضرورة أن يكون بهدف المال"، حسب رأيها.
وفي المجتمع حالات ونماذج كثيرة، فهناك أزواج يمنعون زوجاتهم من ممارسة بعض الأدوار الاجتماعية، فيما يبيحون لأنفسهم العمل والتعامل مع أفراد المجتمع كافة، وبالذات النساء تحديدا وينادون بحرياتهن.
ومع التطورات التي حصلت في مختلف نواحي الحياة، ومنها المتعلق بالمرأة، فإن نسرين عطا (26 عاما)، الموظفة في سلك التعليم، ترفض أن ترضخ لقرار زوجها بالبقاء في المنزل لرعاية الأبناء، لأنها تعتقد أن العمل يصقل شخصية المرأة ويمنحها جوانب إيجابية وطاقة فاعلة لتربية أسرتها.
ومع أن زوجها ضد فكرة عملها، إلا أن عطا، المتزوجة منذ 6 أعوام ظلت متمسكة برأيها في ممارسة العمل، لينصاع إليها زوجها، معتبرة أن الاتفاق منذ بداية الارتباط يمكن المرأة من التفاهم مع زوجها.
ولكنها رغم ذلك، لا تنفي أن زوجها كثيرا ما يتدخل بأمور عملها من باب الحرص، إلا أنها تجد أن ذلك الأمر لا داعي له، فعمل المرأة لا يحط من شأنها، وهي بنظرها ليست بحاجة الى رقيب، "لكن العقلية العربية للرجال لا تتغير، إنما قد تتلاشى مع التقدم والتطوّر"، وفق ما ترى.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، يبين أن الأدوار للأسرة يجب أن تكون محددة من الناحيتين الخدمية والإنتاجية، بحيث تكون مشتركة بين الزوجين وفقا للظروف وخصوصية عمل كل منهما.
ويقول "إن منظومة اجتماعية ذكورية بحتة، تدفع الرجل إلى حرمان المرأة من ممارسة العمل، رغم حاجة بعض الأسر لمشاركة الزوجين في العمل نتيجة لارتفاع تكاليف متطلبات الحياة، خصوصا في المدن أو في ظل ارتفاع نسبة البطالة".
وتنشأ، وفق محادين نظرة "صراعية" في المفاهيم بين الاحتياجات الضرورية والنظرة الاجتماعية الخاطئة لمشاركة المرأة، وهي تهدد البناء الأسري وتجعله في مهب الريح، جراء الصراعات بين الزوجين، فنجد الأسرة تقع في تجاذبات من شأنها أن تظهر العنف الأسري بعناوينه المختلفة.
ويؤكد محادين، أن هذه الازدواجية الشرقية، ليست استثناء في المجتمع الأردني مقارنة بالفكر العربي، فبعض الرجال ما تزال نظرتهم للمرأة غير منصفة، من حيث قدراتها ودورها وإمكانية إسهاماتها في رفع سوية الحياة الأسرية عموما.
ويرى أن هذا الفهم أسهم ضمنيا في بقاء نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل العربي قليلة، ولا تتجاوز 16 % بالمتوسط، داعيا إلى ضرورة زيادة وتمكين مهارات المرأة خدمة لنفسها ولأسرتها كجزء من إسهامها في المجتمع.
اختصاصي علم النفس الدكتور خليل أبو زناد، يرى أن الازدواجية لدى الرجل نابعة من التنشئة والمجتمع، حيث يعيش الرجل في المجتمع ذاته الذي يتوافق معها ويعمل ما يراه مناسبا لمجتمعه ومحيطه.ويعتقد أن الظاهرة تلاشت في ظل التطور العلمي والتكنولوجي والاجتماعي، معتبرا أن التشدد قد لا يؤثر نفسيا على المرأة، إلا إذا كانت داخل البيت امرأة معنفة، وتعاني من سلطة ذكورية تسبب لها مشاكل نفسية.
ويؤكد أبو زناد أن هذه الظاهرة قد تتلاشى مع الوقت، فما كان في السابق ممنوعا، أصبح مع الوقت متاحا، وأن الوقت كفيل بتغيير تلك النظرة.

sawsan.moukhall@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com