الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

كبار في السن يورثون الأبناء والأحفاد مقتنياتهم وذكرياتهم


منى أبو صبح

عمان- حظي الطفل يوسف الصعيدي عند ولادته بذات السرير الذي هزت به والدته عندما كانت صغيرة، ويحمل السرير بين أجزائه العديد من الذكريات الجميلة في حياة الجدة أم محمد، التي دأبت في الحفاظ عليه منذ إنجابها ابنتها وفيقة.
تقول:"قمت والمرحوم بشراء هذا السرير منذ اثنين وثلاثين عاما، وكان غالي الثمن حينها، وله أكثر من استخدام.
تكررت فرحة أم محمد عندما وضعت مولود ابنتها بذات السرير، كما أنه احتضن العديد من أحفادها، ففي كل مرة تقوم بتهيئته قبل مجيء مولود أحد ابنائها، وتطلب منهم إرجاعه عند الانتهاء من استخدامه.
ولا يقتصر الأمر على هذا الحد عند الجدة أم محمد، بل إنها تحتفظ ببعض الملابس القديمة الجيدة، ويرتديها أحد الأحفاد، ولا يستطيع الرائي تمييزها عن الجديدة.
الذكريات قد لا تكون أحداثا معنوية فقط، ربما تكون مادية ملموسة أيضا، هذا ما يدركه كبار السن الذين يحتفظون داخل منازلهم بصناديقهم المقفلة بأشياء غاية في الخصوصية، فقد تجمع تلك الأشياء أدوات أو ملابس أو اكسسوارات كانوا قد استخدموها سابقا، وحافظوا عليها، وتغمرهم الفرحة لدى انتقالها للأبناء والأحفاد.
تحتفظ الجدة أم فارس منذ أربعين عاما بثوب ووسادة وشالات قامت بتطريزها عندما كانت شابة، ولم تقم بالتفريط بها وجمعتها بحقيبة خاصة لها، ولم يكن لديها هدية أغلى لتقدمها لابنتها الكبرى في يوم زفافها.
طلبت أم فارس من ابنتها ارتداء الثوب والشال في نهاية حفل الحناء، ومن ثم أوصتها بضرورة المحافظة على تلك الحقيبة، وإعادة إهدائها لابنتها عندما تتزوج.
ويشير اختصاصي علم النفس د. عوض الشيخ إلى أن الإنسان يمر بمجموعة خبرات سارة وسيئة في حياته، ويرغب بنقل الخبرات السارة للأجيال اللاحقة، فكبير السن يرى تجدد حياته بأبنائه، فالبحث عن الاستمرارية والبقاء وحب التمسك بالحياة لآخر اللحظات.
ويضيف:"من المتعارف عليه أن الآباء لا يحبون أن يروا أحدا أفضل من ابنائهم، حتى لو تفوق عليه ويضحي بكل شيء من أجله، وما دلالة الاحتفاظ بالمقتنيات القديمة، إلا محاولة لنقل وتجديد الفرح والنجاح، ولا يحتفظ إلا بما يعز عليه لأبنائه وأحفاده".
ويقول:"لا يحتفظ كبار السن بالأشياء التي تحمل خبرات فاشلة لديهم، كونهم لا يرغبون بنقلها لأبنائهم وتعيد في ذاكرتهم المواقف السيئة وتكثر التساؤلات حولها، فأي إنسان يحب أن يغرد في عالم النجاح خصوصا للمقربين منه، فحتى لو كان النجاح متوسطا يبالغ في استعراضه أمام الآخرين".
وعن الحاج أبو مراد فلديه مقتنيات قديمة من مسبحة وساعة قديمة ورثها عن والده، وما يزال يستخدمها حتى هذا اليوم، وأوصى ابناءه بالحفاظ عليها بعد رحيله، وشدد على ضرورة توريثها للأحفاد.
يقول أبو مراد، "يستغرب ابنائي لاهتمامي بهذه الأشياء، فهم لا يعرفون قيمتها وماذا تعني لي، فهي جزء من الماضي بحلوه ومره، حتى لو كانت قديمة التصميم، وأتمنى منهم استخدامها ليس فقط الاحتفاظ بها بعد موتي".
كما اعتادت الخمسينية أم عيسى الاحتفاظ بالملابس الجيدة فقط في صندوق خاص بها كما كانت تقوم والدتها المتوفاة، تضع به حاجياتها عندما كانت نحيلة، وأيضا تجهيزات المولود الجديد التي كانت تستخدمها لأطفالها في مرحلة الطفولة.
تقول:"أشعر بسعادة كبيرة عندما أرى بناتي يرتدين ملابسي وأتذكر حينها مراحل صباي، وكذلك الأمر عندما ألمح أحد أحفادي يرتدي ملابس والدته أو والده".
يرى استشاري علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان أن كبار السن لديهم حرص كبير على التواصل مع ابنائهم بصورة عامة بكل الطرق المتاحة، ونقل تجاربهم إليهم، وكذلك رغبة في التوفير المادي عليهم، وأيضا اعتقادهم بأن ما كانوا عليه من عادات وتقاليد افضل بكثير لأبنائهم وأحفادهم.
في هذا الأمر الكثير من الإيجابيات منها إدامة وربط الأجيال مع بعضها بعضا بحسب سرحان، ونقل الخبرات والتجارب وأيضا الحفاظ على الموروث الاجتماعي والتراث، وتعريف الأجيال اللاحقة به، والأصل أن يتعامل الأبناء والأحفاد بإيجابية حتى لو شعروا أنها لا تناسبهم من حيث العمر الزمني، وما استجد في المجتمع من عادات.
ويرى أنه من الجميل لكل أسرة ممتدة أن تحتفظ بشيء من تراثها سواء بالمقتنيات الشخصية أو التحف، وأن يطلع عليها الأحفاد، كما يدعو إلى التعامل مع هذه الأمور ايجابية، فكما تدين تدان.
من جانبه يرى خبير التراث نايف النوايسة أن احتفاظ الكبار بأغراضهم الشخصية، له إيجابيات أهمها المحافظة على التراث واستذكاره، فضلا عن إعادة التدوير للمقتنيات، منوها إلى أن كثيرين يغفلون هذا الأمر فيلقون بأغراضهم في "حاويات القمامة" مع أنه قد تحتاجها الأسرة فيما بعد، لاسيما أنها قد تصلح للصغار.
كما يشير النوايسة إلى أن رغبة الكبار في أن يستعمل احفادهم مقتنياتهم تنطلق من محبتهم لأبنائهم وأحفادهم من جهة ومن جهة أخرى رغبة في استرجاع الذكريات وملء وقت الفراغ. ويشيد النوايسة بقيام الكبار بالاحتفاظ بأغراضهم لأن ذلك دليل على التوفير، وهذا بدوره يسهم في تكريس فكرة المحافظة على المقتنيات لاسيما الأصيلة التي تشجع القيم المجتمعية وتثبتها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com