السبت، 22 سبتمبر 2012

أسباب تجاهل الصفات السيئة لدى الآخرين


عمان- يجد البعض صعوبة في ملاحظة الصفات السيئة لدى الآخرين، فهم يريدون التأكيد لأنفسهم بأن الأشخاص من حولهم لا يحملون سوى الصفات الجيدة والطيبة، حيث لا يمكنهم تصور أن شخصا يكنّون له كل الحب والاحترام يستطيع أن يتصرف بقسوة أو استغلال أو حتى عدم اكتراث.
فضلا عن هذا فإن هؤلاء الأشخاص يقدرون عاليا عددا من الصفات مثل؛ النزاهة والصدق والاحترام للآخر، ويعتقدون بأن الأشخاص من حولهم يحملون النظرة ذاتها تجاه تلك المثل العليا. وفي حال تعرض أحدهم لتصرف سيئ من قبل من هم حوله، فإنه يمكن أن يتحدث عن الأمر باستهجان، قائلا "لا أكاد اصدق أنه تعامل معي بهذه الطريقة، لا أفهم لماذا حدث هذا". لذا يمكن القول بأن من يجد صعوبة في مواجهة حقيقة ما فإن السبب بهذا يرجع لخشيته من الشعور بالضيق من تلك الحقيقة وهذا ينطبق على من يتجاهلون الصفات السيئة لدى الآخرين، حسبما ذكر موقع مجلة OM.
ويعود السبب المؤدي لهذا النوع من الإنكار إلى تعرض المرء لصدمة خلال المراحل الأولى من عمره. فخلال فترة نمو المرء لم يكن من المحتمل أو المقبول لديه أن يتعرض لسوء المعاملة أو التجاهل من أشخاص يفترض بهم أن يغمروه بالحب والحنان، ولم يكن بوسعه أن يتقبل بأن والديه أو من يربيه يشكلون مصدر ضيق بالنسبة له. وعند البلوغ فإن المرء يحافظ على إنكاره، فتجاربه خلال سنوات الطفولة تجعله ضعيفا لدرجة أنه يعتبر أي خيبة أمل يتعرض لها أمرا يفوق طاقة احتماله.
يشعر الطفل الذي يتعرض لسوء المعاملة والإهمال بالعجز وعدم القدرة على ضبط نفسه. ولكون الطفل يفهم ما يقال أمامه على أنه موجه لشخصه، فإنه عندما يتعرض لسوء المعاملة يرى بأن هذا يرجع إلى كونه لم يتصرف بشكل جيد. وعندما يصل لسن البلوغ ويكون إنسانا جيدا فإنه يعتقد، خاطئا، بأن صفاته الجيدة تجعله أكثر تحكما في حياته، وأن صفاته تلك سيكافأ عليها وأنها ستحميه من الضرر.
غالبا ما يحمل الشخص الذي تعرض في طفولته للكثير من الإساءة نوعا من المثالية الطفولية، كأن يعتقد أنه طالما تصرف بشكل لبق وجيد فإن الشخص المقابل له سيعامله بالمثل. لكن الواقع أن جميع البشر يحملون نصيبهم من الصفات الحسنة والقبيحة دون أن يكون لتلك الصفات في كثير من الأحيان سبب مباشر من الشخص المقابل لهم. فبعض هؤلاء ربما عانوا من صدمات خلال سنوات الطفولة ويحاولون الآن تفريغها نحو الشخص الذي يحادثونه مهما كانت صفته لهم.
يولد بعض الناس دون ضمير، بمعنى أنهم لا يشعرون بالندم على تصرفاتهم ولا يتعاطفون مع غيرهم ولا يمتلكون الحس بالمسؤولية. مهما كان السبب فمثل هؤلاء الأشخاص يمكنهم إلحاق الأذى بالطرف الآخر بدرجات متفاوتة تتراوح بين الأذى الخفيف وأعلى درجات السادية. لكن تصرفات هؤلاء أحيانا تصدر دون قصد منهم ويقومون بها دون إدراك واضح.
لذا فإن المرء الذي ينكر حقيقة وجود الصفات السيئة لدى الآخرين سيواجه العديد من الصعوبات، وكمثال على هذا الأمر يمكن النظر للأم عندما ترفض فكرة وجود صفة سيئة لدى زوجها تجعله يسيء معاملة طفلهما، الأمر الذي يجبرها على غض الطرف والتظاهر بعدم رؤية حقيقة المعاناة التي يعانيها الطفل من والده. أو حتى عندما يفشل الزوج بحماية زوجته من تذمر والدته منها، وذلك تجاهلا منه لما تفعله والدته مكتفيا بالقول لزوجته "هكذا تتصرف الحماة دائما". أو حتى عندما يعتقد الموظف أن مديره سيكون كريما معه وسيكافئه على المجهود الذي يقوم به في الوقت الذي يكون فيه الموظف فعليا يتعرض للاستغلال.
من خلال ما سبق نجد بأن من يتجاهل الصفات السيئة التي يحملها الناس من حوله يسمح بتعريض نفسه وأطفاله للإساءة، وذلك من خلال التسهيل للشخص المسيء للقيام بها. لذا يجب على من يغض الطرف عن الصفات السيئة أن يعيد التفكير مرة أخرى ويفتح عينيه جيدا، فحتى لو لم يكن يتمنى هذا إلا أن الأشخاص السيئين موجودون فعلا.
ومن الجدير بالذكر أن الشخص الذي يحمل صفة سيئة دون قصد يمكن أن يسعى لتغييرها فور تنبيهه لها، بعكس الذين يتصرفون بشكل سيئ ومتعمد فهؤلاء سيؤدي تنبيههم إلى زيادة عدوانيتهم وكشف المزيد من صفاتهم السيئة التي قد تكون ما تزال خافية عن البعض.
ويؤدي إنكار الصفات السيئة لدى الطرف الآخر إلى منحه الفرصة للحفاظ عليها وتنميتها، بينما الإقرار بوجود تلك الصفات سيساعد الطرف المتلقي على الأقل أن يكون مستعدا للتعامل مع مثل هذه المواقف، وستجعله يميز بين الناس ولا ينظر إلى الجميع من منظار واحد على أنهم ملائكة بلا أجنحة، وعلى الرغم من أن هذا يمكن أن يكون مخيبا للآمال بالنسبة للبعض، إلا أنه سيمنع الكثير من مشاعر الألم مستقبلا.


علاء علي عبد
ala.abd@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com