الخميس، 3 مايو 2012

البحث عن المرض..!



صورة

د. كميل موسى فرام - ربما يحمل العنوان فكرة أحجية أو لغز، أو ربما يمثل صفحة شخصية يصعب على البعض الاعتراف بها ويفضل البعض حفظها بحقيبة الأسرار الشخصية بينما يفضل آخرون تجاهلها باعتبارها قنبلة، والاقتراب منها قد يفجرها لتفتح جراحا مضمدة بفعل ندامة، والمؤسف أن تبرير ذلك السلوك الخاطئ يعود لحقب زمنية لم نسجل فيها براءة اختراع واحدة، بل ورثنا زمرة من العادات التي نؤمن بديمومتها بكل مفاصلها.
 اننا لا نعطي الحق لأنفسنا بمراجعتها لأسباب بعيدة كل البعد عن واقع الحرص الصحي بتجاهل مقصود لتوظيف المنجزات العلمية وكأن البحث عن المرض يمثل سببا لحدوثه، وربما يتعدى الأمر حدود التفكير الحميد بصورته النظرية بتجاهل التعامل مع أعراض صحية مرضية وتفسيرها بقالب عارض يتماشى مع العموميات شكوة وعلاجا ، برحلة ماراثونية تنتهي بخسارة غير مبررة لأسهم صحية كان بالإمكان المحافظة على ديمومتها ضمن بورصة الحيلة وتقلباتها، ليكون اللجوء للبيت الطبي طريقا حصريا بعد استنفاذ الوسائل العلاجية الذاتية بقدر يتطلب التعامل مع مضاعفات صحية بدأت بالنخر بالهيكل الصحي وتسجيل الخسائر بشكل مضطرد إضافة لتحمل مفردات الصحة الأساسية التي تتمنى الشفاء بلمحة البصر بمقدمة طويلة الشرح تقدم على مسمع الطبيب صاحب الانجازات التي ولدت فجأة، وتعتمد على التوفير والاقتصاد لقناعات وهمية بأن الأمان الصحي هو من مسؤولية الدولة.




 فقرات الصحة الشبابية
 المدخرات البنكية والعقارية نتيجة الجهد والتعب الشخصي هي رصيد للورثة ويمنع الاقتراب منها حتى لضرورة إعادة جزء من فقرات الصحة الشبابية، ويغلف ذلك ثوب جديد من الإيمان البركاني غير المألوف.
ما سبق ؛ واقع مؤسف ينمو على أرض الواقع ويمثل دستورا حياتيا لنسبة اجتماعية من السكان، ينتمي إليها أفراد من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية، بل هناك نسبة لا بأس بها من أصحاب الشهادات العلمية ويحملون عداء غير مبرر لوسائل الكشف المبكر عن الأمراض، وأدرك أن الخوض بهذا الملف يمثل ضربا من الجنون أو جرأة التهور للاقتراب من خطوط حمراء، ولكن واجبي الأخلاقي والمهني وقناعتي تفرض على أفراد المعشر الطبي بالتكاتف لنشر ثقافة البحث عن المرض بعد توفر وسائل الكشف المبكر وانتشارها، والتي من شأنها المساعدة على تشخيص المرض ببداياته التي تمكننا من رسم ابتسامة الشفاء بأقل الخسائر والتكاليف والجهد، فإجراء فحص مستوى السكر التراكمي بالجسم مثلاً لن يكون سببا للإصابة بمرض السكري أبدا، ولكنه يساعد على التعامل معه ببدايات الخلل الوظيفي لغدة البنكرياس وضعف ضبطها لتنظيم المعادلة الصحية، وقبل أن يصبح الخلل واقعا مرضيا بمضاعفات تبطش بأعضاء الجسم، تدخل صاحبه بفضاء الممنوعات والتلزيمات والحرمان وعلى أمل غير مضمون، ليضطر البعض لتغيير سلوكيات وعادات بشكل قصري بإنذار الخسارة ومزيدا من العقوبات.

العنوان الصحي للنصف الجميل
للجانب النسائي نصيب الأسد من الفحوصات التي تساهم بالكشف المبكر عن العديد من الأعراض التي تعصف بملفها الصحي، ونحن نجتهد بجهد مضاعف للمحافظة على العنوان الصحي للنصف الجميل بواقعه، وربما مبرر ذلك سلوكا أنانيا لتأثرنا بزلازل الصحة الأنثوية وضرباتها الارتدادية، وبرامج الكشف المبكر عن الأمراض الشائعة تمثل وظيفة إلزامية بحكم القانون في الدول المتقدمة وليست خيارا شخصيا يخضع لاعتبارات الهمة والرغبة والوقت أو الجبن من التعرف على واقع مؤذي أو أن ذلك يتعارض برامج الموضة، فالمحافظة على ميزان المعادلة الصحية بكفتيه بدرجة التساوي يمثل مهمة مستحيلة بمجتمعنا بالرغم من سهولة التسويق، فذلك يتطلب تخصيص جزء من الوقت والالتزام ببرنامج سنوي أو فصلي إضافة لتخصيص نسبة من الموازنة لصرفها بمشروع المحافظة على استدامة تألق كنز الصحة والذي يمكننا من الاستمتاع بمحطات حياتنا بصورة مطلقة.
توظيف المنجزات العلمية لخدمة الفقرات الصحية بدستور الحياة يمثل قمة الاجتهاد والاستيعاب، ويجب أن يحتل الأولوية بالترتيب والتنفيذ، ففي الوقت الذي نرفض فيه المرض والشكوى باعتبارها محطات خوف وضعف وحرمان وننكر بنفس الوقت قدرتنا بالبحث عنه، فإن ذلك يمثل ازدواجية بالتفكير والتصرف، سندفع ثمنه خسارة محققة بكل الصور، والغريب أن حلمنا يتمثل بإنجاز علمي يمكننا من الكشف المبكر عن جميع الأمراض وبمراحلها البدائية التي تتميز بسهولة التعامل معها فلماذا نتجاهل المتوفر منها وندعي بأحقيتنا بعضوية التأسيس لنقابة السعادة؟.

أعاصير الزمن وتقلباته المناخية
المطبات الصحية بسنوات العمر ثوابت؛ لا يمكن إخفائها أو تجاهلها باعتبارها واقعا لم نختاره وهو حكمة ربانية وامتحان للإيمان شريطة التعامل معه بقوة وجرأة، فالتحليق بمنطاد الأمل للابتعاد عن أجوائها قد يكون أبسط الحقوق الشخصية التي يكفلها السلوك الصحيح ضمن أعاصير الزمن وتقلباته المناخية ونتيجة الرحلة لا يمكن الاطمئنان لها بالعواطف كمسكن لألم الواقع، فالثقافة الصحية واجب ذاتي ويمثل أحد محطات الانتظار والمراجعة والفطنة والحرص، فنفاذ قطار الصحة من خرم إبرة فصلية لا يمثل ضمانة بدون سقف زمني للانتهاء من مفعولها ولا يعطي مناعة أبدية ضد عدو الصحة الشرس حتى لا تأخذنا النشوة فتسرق الفرحة بعد سنوات، عنوان يفرض علينا ترتيب أجندتنا الحياتية بفصولها الطويلة بقدر الطموح، على أن تشتمل صفحاتها على فقرة الكشف المبكر عن فقرات الخلل الصحية لنمتطي جواد الهجوم وقبل أن تصبح واقعا مرضيا يلزمنا بالدفاع وعنوان المقاصة النهاية خسارة بجميع الاتجاهات، تسرق البسمة بغير ميعاد وتملي علينا شروط الانهزام والتنازل، فرصيد العمر بتناقص وقد ينضب فجأة بحادث أو جلطة قاتلة، وفرصة الاستمتاع بأحداث العمر وقيادة مركبها تحتاج للمتابعة لأن دموع الندم على الأمس لن تمسح من الذاكرة لقطات المعاناة، كما أن الانتظار ليوم الغد بأحداثه تحت عنوان التفاؤل قد تحرمنا من التصرف بفرصة اليوم لتكون رصيدا للورثة بغير استحقاق، على أن ندرك أننا الأقدر بشكل فردي وحصري بتحديد أولوياتنا بعنوان الصحة المثالية وهي الأساس لكل الخطوات التالية.

الصراع بين مسببات الأمراض
البحث عن المرض؛ وقبل استفحاله يعتبر حكرا وتصرفا صحيحا لمن استوعب الدرس ويبحث عن طرق أبواب السعادة أينما وُجدت وقبل أن تستنزف رحلته المرضية ما أدخره ليوم لعين، فالصراع بين مسببات الأمراض وتنوعها مع الجديد من الوسائل التشخيصية العلاجية يعتبر صراعا ممتدا، تُحشد له الطاقات من كلا الطرفين والغريب أن هناك قاسما مشتركا بين هذين العدوين ويتمثل بإمكانية الكشف عن الأسرار المرضية لتوظيف الحديث من الوسائل العلاجية وقبل أن يصبح الواقع المرضي رقما صعبا يصعب تحليله أو تجاهله أو تعويضه أو الاستغناء عن خدماته، رحلة جريئة تتطلب المغامرة ضمن سكون الواقع بعد الانتشار المعرفي عبر وسائل الإعلام، بطاقة تحذير من الانجراف لتطبيق نماذج مشاهدة عبر المحطات الفضائية التي تعتمد على الإعلانات لأدوار بطولية لأشخاص بحثوا عن الشهرة بإنجازات وهمية وبدون رقابة على سلامة المادة الإعلامية والتي تمثل طُعما لالتقاط مزيد من الضحايا والذين قد أضاعوا بوقت سابق فرصة التشخيص المرضية بدون شكوى بسراب ليل قاتم وطويل.
دعوتي بتخصيص وقت زمني وبشكل دوري لمراجعة الملف الصحي قد تمثل أحد دعائم الضمان المستقبلي لديمومة الاستقرار والاستمتاع بالصوت الفيروزي والأنغام الرحبانية، فخريف العمر لن يرحم الجبان أو البخيل بحق نفسه بعالم متجدد ومجنون فالمرض ليس عيبا ولا يوجد مناعة لدى أي من البشر من الإصابة به، ولكن العيب إنكار وجوده لضعف الثقة أو الاعتقاد أن فتح أبواب الصحة المغلقة سيلزمنا بركوب عربة قطار متهالكة بصحراء العمر الحارقة على قضبان الندم والعزف على أوتار السلم الموسيقي للحسرة ودموع تنساب على فرصة العمر التي لا تعوض ولسان الحال يقول: ليت الزمان يعود وللحديث بقية!

kamilfram@gmail.com
www.kamilfram.com
أستاذ مشارك في كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد- مستشفى الجامعة الأردنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com