د. أيّوب أبو ديّة - أكتب هذا المقال على صوت مركبة ما زالت منذ العاشرة مساءً، حتى منتصف الليل، تتحرك بين الدوار الثالث وشارع وادي صقرة مخلفة ضوضاء تقشعر لها الأبدان من العوادم الخلفية المزدوجة ذات الفوهة الضخمة التي تصدر دويا كأنها طائرة نفاثة! وعندما شرعت في إكمال المقال صباح اليوم التالي كانت تعلو أصوات مكبرات صوت بكب ينادي على الأدوات المستعملة من ثلاجات الى غسالات وتلفزيونات... الخ!
فنتساءَل، كيف استطعنا تطويع الأردنيين أو اقناعهم بارتداء حزام الأمان بينما فشلنا في وقف مخالفات كثيرة أخرى؟ سؤال طرحته على العديد من الناس وكانت أغلبية الإجابات تدور حول «المخالفة» أو العقاب! إذاً، هناك أمران رئيسان، أولاً المخالفة، وثانياً إدراك الشخص المخول بتحرير المخالفة بأن السائق يخالف القانون، وطبعا ادراك السائق نفسه أنه يمارس فعلا يعاقب عليه القانون.
 ولكن القانون لا يجيز استخدام مكبرات الصوت على مركبات شراء الخردة أو مركبات بيع الخضار داخل المدن! وكذلك لايجيز القانون أن تطلق المركبات أبواقها داخل المدن؛ وبالرغم من أنه يمكننا احتمال بعض الضوضاء في أثناء النهار ولكن هل يجوز أن نسمع أبواق الهواء من تنكات الماء بعد منتصف الليل وهي تضخ المياه إلى تنكات الأحياء العطشى؟
 وهل يجوز أن يسرح بائعي «شعر البنات»، الذي يعلم الله وحده كيف تمت صناعته وما هي الألوان المسرطنة التي تم إضافتها إلى السكر لصنعه أو كيف جمعت خيوطه على عيدان من الخشب لا نعلم مصدرها أو مستوى نظافتها؟ ألم نسمع عن « جاسوس « يعمل متسترا بهذه المهنة في الشمال؟ من الطريف أنني وجدت بائع شعر البنات يزمر مارا عبر مزرعتي بمنطقة الكمالية، وعندما أوقفته أشهر لي بطاقة عامل وافد للنظافة في بلدية كبرى قريبة من العاصمة!!! أدّعى أنه أراد اختصار الطريق للوصول الى صويلح وأنه يعمل في بيع شعر البنات بعد دوامه الأصيل!
 وهل يجوز أن يتربع بائعي أوراق اليانصيب من العمالة الوافدة على جنبات الطرق الرئيسة يلوحون بأوراق اليانصيب على شوارع سريعة كالتي تربط بين الدوار الثامن وصويلح؟ وهل يجوز أن نظل نشك أنهم يبيعون أشياء أخرى غير أوراق اليانصيب؟ وهل يجوز أن تقف مركبات لبيع الخضروات والفواكه على شوارع رئيسة فتعيق الحركة وتهدد حياة الناس بالخطر؟
 نحن لا ندعو لمخالفة أصحاب هذه المهن فهم يسعون إلى رزقهم، إنما نقول يجب أن نخلق لهم بدائل ومواقف خاصة منظمة وآمنة تحت إشراف غذائي وصحي وأمني في حده الأدنى.
 ونحن لا ندعو إلى مصادرة المركبات التي تجوب الأحياء بمكبرات الصوت، بل إلى رفع مستوى وعي رجال الإدارة الملكية لحماية البيئة وموظفي أمانة عمّان بأن هذه مخالفات ينبغي مواجهتها والتعامل معها، بتوجيه الإنذار الشفوي أولاً ثم الإنذار الكتابي ثانياً، وثالثاً، قبل الشروع في المخالفة أو الحجز.
 إن مراقبة المركبات التي تنفث الدخان من عوادمها ليست بحاجة إلى أجهزة لفحصها فهي ظاهرة بالعين المجردة، ويحق لرجل الأمن أن يحجزها اذا كانت المركبة تنفث الدخان او تخرج أي مواد اخرى ملوثة من خلال النظر فقط، وذلك في إطار المادة (44 أ) من قانون السير، فلماذا يخالف السائق الذي لا يرتدي حزام الأمان بينما تترك العديد من المركبات التي تنفث السموم من عوادمها دون مساءلة؟
 صحيح أن نوعية الديزل عندنا سيئة للغاية ومخالفة للمواصفات، فلماذا إذاً نسمح للمصفاة أن تنتج هذه المادة طالما أنها لا تتقيد بالمواصفات القياسية الأردينة رقم 195/2004 التي دخلت حيز التنفيذ منذ 1/5/2005 فيما يتعلق بنسبة الكبريت في الديزل مثلاً؛ ولماذا لا نطالبها باستيراد هذه المادة وفق المواصفات الأردنية إذا رغبت في الإتجار بها؟ إن الوقود المخالف للمواصفات هو أكبر ضرراً على الصحة من المواد الغذائية الفاسدة!
 هللت الصحف مؤخرا لإنشاء مراكز في المدن لقياس تلوث الهواء، ولكن الحقيقة هي أنها مواقع فقط لم تركب فيها الأجهزة بعد، وما زالت بانتظار المخصصات! فلماذا لا نخصص أرصدة مخالفات التلوث لشراء هذه الأجهزة؟ ولكن قبل ذلك علينا أن نحاول إيجاد حلول لهذه المشكلات التي نعلم علم اليقين أنها شديدة التلويث للبيئة من دون أن نقوم بشراء الأجهزة الدقيقة لإجراء فحوصات عليها، فهي واضحة وظاهرة للعيان وتستدعي التصرف بسرعة.
 هناك مسؤوليات جسام وتحديات عظيمة ماثلة أمام الجهات المسؤولة للحد من ظاهرة التلوث الضوضائي التي تعاني منها المدن الأردنية، ونحن لا ننكر أن بعض هذه الجهات حديثة العهد، كالإدارة الملكية لحماية البيئة وأن كوادرها محدودة، ولكننا لاحظنا تراجعاً مؤخراً في أدائها، وكذلك لاحظنا تراجعاً في أداء أمانة عمّان، فإذا كان السبب هو الخوف من الحراك الشعبي فإننا ندعو إلى إيجاد بدائل لهؤلاء الناس وترغيبهم في قبول هذه البدائل حلاً للمشكلة بدلاً من المخالفات والحجز، فهل هناك دراسات تقوم في هذا الاتجاه أم أن الحلول عندنا ما زالت على نمط «الفزعة المؤقتة» وترحيل الأزمات، كما حدث مع البسطات مؤخراً وزيادة أسعار المحروقات؟