الأربعاء، 2 مايو 2012

ملازمة الأسود حدادا: جلد للذات وإغراق في الكآبة




مجد جابر

عمان-  تتشح الخمسينة إيمان بالسواد، رغم مرور ثلاث سنوات على وفاة زوجها، رافضة تغييره تماما بالرغم من محاولات أبنائها المتكررة معها، معتبرة أن ذلك "أبسط شيء" ممكن أن تقوم به وفاء لزوجها الذي عاشت معه أحلى سنين حياتها.
ولا تفكر إيمان، باستبدال اللون الأسود الذي ارتبطت به منذ اليوم لوفاة زوجها، كنوع من الاخلاص لرفيق عمرها "حاول أولادي معي، إبعادي عن لبس الأسود، لأنهم يعتبرونه كئيبا على وجهي ونفسيتي، إلا أنني عندما أفكر مجرد تفكير في الأمر أشعر بالخيانة لذكرى زوجي".
وعلى النقيض فإن مريم، تعتبر الحزن "موجودا في القلب، ولا علاقة له بالسواد"، غير أن طبيعة البيئة التي تعيش فيها هي التي تشجع على هذا اللون، حيث لا يحبذ من تعايشهم نزع اللباس الأسود قبل مرور مدة طويلة جدا على مصابهم، لأنهم يرون ذلك واجبا وأقل شيء يمكن القيام به تجاه الميت.
واختلاطها ضمن هذه البيئة جعلها ترتدي الأسود على مدى ثلاثة أشهر حزنا على وفاة أخيها، آخذة بعين الاعتبار "كلام الناس وماذا سيتحدثون لو ارتدت لونا غير الأسود".
إن مثل هذه السلوكيات تعتبر التزاما، وجزءا من العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة وخاصة في المدن والأرياف التي تحكمها روابط اجتماعية قوية، وفق رأي اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي.
ويدل اللون الأسود اجتماعيا في هذه الحالات، وفق الخزاعي، على الحزن، ومن خلاله يمكن مشاركة الناس احزانهم، مبينا أنه حتى الأشخاص الذين يشاركون في العزاء يرتدون الأسود ليواسوا أهالي المتوفى في مصابهم.
"ويواجه من يلبس لونا آخر برفض من المجتمع، ويعرض نفسه للوم والعتب، كون ذلك يعتبر استخفافا في المشاعر بمثل هذه المناسبات" بحسب الخزاعي.
ولكنه بنفس الوقت لا يرى، الخزاعي، ضرورة بالاستمرار الدائم في ارتداء اللون الأسود، لانه أمر "غير صحي"، مع أن الناس يلتزمون به حتى لا يقعوا بالإحراج من قبل المجتمع وبالذات من الأقارب والأشخاص المقربين.
ويعتبر أن من يرتدي الأسود لسنوات، فهذا يأتي من باب الالتزام الأخلاقي، حيث يعرفون الناس أن مشاعر الحزن والألم ما تزال موجودة، خصوصا اذا كان الميت له منزلة مهمة، وذلك دلالة على "حبهم للمتوفى ونوع من رد الجميل".
وتوصي السبعينية رجاء، بناتها يومياً أنه في حال موتها، لا تريد منهن ولا من المعزين ارتداء اللون الأسود، معتبرة أن هذا اللون يبعث لها كآبة كبيرة، وسيجعلها غير مرتاحة في قبرها، لأنها مؤمنة بأن الموت حق على الجميع، ولا يمكن منعه باللباس الأسود.
وفي ذلك يرى اختصاصي الشريعة د. منذر زيتون، بأنه لا علاقة بين الحداد واللون الأسود في الاسلام، حيث "لم يرد في القرآن والسنة ما يشير إلى وجود اللون الأسود في الحداد"، مبينا أن هذا أمر "مستحدث وكل أمر مستحدث يخالف الدين تماما".
ويقول إن الحداد معناه "جواز الحزن، واستقبال المعزين"، وليس بارتداء الأسود، لأن الموت طبيعي وواجب على كل الناس.
ويضيف استسلام بعض النساء للبس الأسود دائما، والعيش بحالة من الكآبة طوال الوقت، "أمر لا يجوز"، لافتا إلى أن الحزن حق، ولكن ليس بإدخال النفس في حزن دائم وبملازمة السواد والكآبة، وأن تكون المرأة حكمت على نفسها بالموت الصوري.
ويشير زيتون إلى أن الحزن ليس باللون وانما في القلب، وكل هذه السلوكيات، تعتبر مجاملات، إلا أن على الشخص اختيار اللبس المناسب عند الذهاب للعزاء.
من جهته يرى اختصاصي الطب النفسي
د. أحمد الشيخ، أن ما يحدث هو توجيه مشاعر الحزن الناتجة عن الفقدان، إلى الذات من خلال اختيار بعض الموضوعات مثل لبس الأسود، أو أي مؤشر من مؤشرات السعادة التي يعتبر اللباس أولها.
ويعتبر أن الإقلاع عن لبس الأسود سوف يولد عند المرأة شعورا بالذنب، كونها اقلعت عن اللباس او أنها تخلت عن ذكرى المتوفى، مبينا أنه في حقيقة الأمر يوجد في النهاية أزمة تمر بمراحل معينة وبعدها يبدأ الانسان بقبول الواقع والتكيف مع الوضع من جديد، الا أن الارتباط بتلك الأمور سوف يعوق الشخص من الوصول الى تلك المرحلة ومن التكيف مع الآخرين.
خبير الطاقة عبد الناصر جرار، يرى أن حداد الشخص على الميت يجب أن يكون بطريقة لا تسبب الطاقة السلبية للشخص ومن حوله.
وعن ملازمة ارتداء اللون الأسود حدادا، يرى جرار، أنه "يضعف النخاع الشوكي والعظم، ومن الأفضل الابتعاد كلياً عن هذا اللون"، لافتا إلى أنه يفضل لبس الابيض، لأنه يزيد من التفاؤل، حتى يتم جلب الطاقة الايجابية، والابتعاد عن الطاقة السلبية والكبت الذي يسببه اللون الأسود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com