السبت، 19 مايو 2012

تبرؤ الأهل من الأبناء: عقاب يقطع الروابط الأسرية




منى أبوحمور

عمان- حادثة سرقة قام بها الثلاثيني محمد رسول عيسى، منذ ثلاثة عشر عاما، كانت سببا بحرمانه من الانخراط بعائلته، وعدم التواصل معهم خلال المناسبات الاجتماعية، بعد أن قام والده بالتبرؤ منه في "الجرائد الرسمية" آنذاك جراء تلك الفعلة.
ويقول "تبرأ مني والدي إرضاء لعائلته"، لافتا إلى أن حرمانه من أهله طوال هذه المدة لم يكن بالأمر الهيّن، خصوصا وأنه شديد التعلق بوالدته وأخواته، فما أن يرى أحدا منهم بالصدفة حتى يهرع للسلام عليه والدموع تملأ عينيه، مؤكدا أن ما قام به والده زرع في قلبه حسرة لن تموت أبدا، قاطعا على نفسه عهدا بأنه لن يلجأ إلى مثل هذا التصرف مع أبنائه طوال حياته.
عيسى لم يستسلم لقرار والده "غير المسؤول"، حتى لو اقترف خطأ، فقد كان يزور أمه وأخواته خلسة بين الحين والآخر يطمئن على أخبارهن، طالبا دعوات أمه بالرضا وناشدا المسامحة.
"كنت أتألم كثيرا عندما أزور أمي وفي كل مرة أغادر تودعني ودموع عينيها تحرقني"، لافتا إلى أنه كان يحرص على مغادرة المنزل قبل عودة والده من العمل حتى لا يتسبب بمشكله لأسرته لاستقباله.
الأربعيني عبدالفتاح نصير، كان أيضا من المتضررين من تبرؤ والده منه، لفترة امتدت عشرين عاما، بسبب زواجه من فتاة لم يرغب بها والده في ذلك الوقت.
ويعلق نصير على تلك الحادثة بأن ما يقوم به الآباء بحكم العادات والتقاليد العائلية "ليس بالأمر المنصف"، موضحا أن زواجه من امرأة "مدنية" تختلف أصولها عن أصوله أثارت غضب والده الذي كان قد قرر زواجه من ابنة عمه الأمر الذي وضعه بمأزق كبير مع والده وعائلته.
ويبين نصير أن رفضه للعرف والتقاليد أجبره على مغادرة قريته التي كان يعيش فيها، ليس كرها لوالده وإنما بحثا عن السعادة التي يجدها مع تلك الفتاة، منوها إلى أن والده حرمه من حقه في الميراث، الأمر الذي جعله يجابه الأعباء الاقتصادية وحده، في حين يتنعم اخوانه بالرخاء.
"لم استطع أن أضحي بسعادتي وراحة بالي من أجل المال"، معتقدا أن رفض أبيه سيكون لفترة وجيزة غير متوقع أنها ستكون قطيعة للأبد، مؤكدا أنه وعلى الرغم من رفض والده لرؤيته إلا أنه كان دائم الحرص على متابعة أخباره والاطمئنان عليه.
يؤكد اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، أن إعلان الأهل تبرؤهم من ابنهم، سلوك يعبر عن غضب لا يستطيع الأهل توجيهه أو حتى السيطرة عليه اتجاه المشكلة الحقيقية، الأمر الذي يدفعهم لاتخاذ هذا الإجراء للتعبير عن هذا الغضب.
ويشكل التبرؤ من وجهة نظر الشيخ تهديدا وخطرا على نفسية الأبناء، إذ يحمل في مضمونه الخروج في العلاقة الأسرية إلى مسارات بعيدة عن الترابط، إذ يجب على الآباء عدم اللجوء للتبرؤ للتعامل مع غضبهم تجاه رفضهم لتصرف أبنائهم واللجوء إلى التربية، إلى جانب النظر إلى الأفعال التي يقوم بها الأبناء من زاوية موضوعية لا تصل إلى حد التبرؤ.
ويدعو الشيخ إلى محاولة التعامل مع المشكلة الحقيقية ومحاولة حلها بطرق موضوعية، معتبرا ذلك بأنه توجيه للغضب وليس حلا حقيقيا للمشكلة، لاسيما مع وجود روابط الدم، والتربية والتاريخ الأسري، التي تفرض نفسها لاستمرار العلاقة بعد التبرؤ.
أما اختصاصي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، قيقول إن الأسرة عليها أن تقوم بدور إيجابي في عملية التربية، كأن يدرك الأبوان هذا الدور منذ المراحل الأولى في عملية التربية وتأثيرات الأصدقاء والأسرة والإعلام.
ويدعو سرحان، الآباء أن يكونوا على قدر من الوعي، إذ لا بد من أن تكون هناك مراقبة ومتابعة لسلوكيات الأبناء؛ حيث تتم معالجة كافة الأخطاء وعدم تغافلها أو تجاوزها، وإن تطلب الأمر مراجعة الاستشاريين والاختصاصيين، معتبرا أن هذه الخدمة ضعيفة في مجتمعاتنا، وعلينا تنميتها حيث يكون هناك دور أكبر لناحية الارشاد النفسي.
ويجد سرحان ضرورة وجود تعاون بين مؤسسة الأسرة والمدارس والجامعات وغيرها، إضافة إلى النظر إلى الأبناء وإن أخطأوا بأنهم ضحية وليس جناة، ليتم الاقتصاص منهم ومعاقبتهم، لافتا أنه في حال حصل أي سلوك خاطئ من قبل الأبناء، فعلى الأسرة والمجتمع احتضان هؤلاء الشباب وتعديل سلوكاتهم وتصويبها.
ويشير إلى الانعكاسات السلبية على نفسية الأبناء التي تلقيها عملية التبرؤ وتأثيرها على سلوكهم، خصوصا وأنها تنمي لديهم الشعور بأنهم موسومون بالخطأ والخطيئة، وليس هناك أي إمكانية بصلاحهم، كما تؤثر على سلوكيات الأبناء، فغالبا ما يلجأون إلى الانحراف أو ارتكاب المخالفات أكثر من السابق، إضافة إلى تأثيره على تماسك الأسرة والعائلة والممتدة.
ويقول "على المجتمع أن يدرك أن الأبناء معرضون للخطأ، أو الانحراف بسبب تداخل العلاقات الاجتماعية، وضعف الرقابة على علاقات الأبناء مع أصدقائهم، أو بسبب تأثير وسائل الإعلام"، داعيا الأهل إلى تقويم وتصويب أفعال أبنائهم إلى جانب تفهم المجتمع لوضع الأسرة.
وتؤكد التربوية رولا أبو بكر، أن الأهل يتمنون أن يظهر أبناؤهم بأحسن صورة، إلا أن الأسلوب الخاطئ في التربية يكون في كثير من الأحيان هو السبب في التصرفات الخاطئ الذي يقوم بها الأبناء قائلا: "فإذا كان أساس البيت سليما لا يمكن أن يفرز أبناء منحرفين".
وترى أن غياب الحوار والنقاش بين أفراد العائلة الواحدة، يدفع بالأبناء إلى الانحراف في بعض الأحيان، لافتا إلى أن التفكير بعقلانية أكثر من قبل الوالدين ومعرفة الأسباب التي تدفع الأبناء إلى القيام بالتصرفات التي لا تعجبهم وتسبب لهم الحرج اجتماعيا، هي بحد ذاتها علاج لهذه التصرفات بأقل الخسائر.
وتجد أبوبكر، أن التبرؤ من الأبناء بسبب تصرفاتهم المشينة من وجهة نظر الآباء يدفعهم إلى الانحراف ويورطهم في المشاكل أكثر، ويصبح الابن فاقدا للأمل بكل شيء من حوله، وتكون ردة فعله عكسية تماما.
وعلى الوالدين، وفق أبو بكر استيعاب الأبناء، لأنهم في مرحلة معينة لا يمكنهم الانصياع وراء آراء أسرهم، لمجرد أنها عادات وتقاليد دون أن تكون مقنعة بالنسبة لهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com