الثلاثاء، 2 أبريل 2013

ضرب الزوجات: دمار للحياة الزوجية والسكوت عنه ترخيص للعنف




مجد جابر
عمان - في الوقت الذي يعتبر فيه المجتمع أنه قد وصل إلى مرحلة من الحضارة التي ترفض أشكال العنف كافة وتحاربها، ما تزال هناك بيوت كثيرة تعاني من ممارسة العنف في داخلها. ولعل "الضرب" واحد من أكثر أساليب العنف شيوعاً.
أم سليمان (39 عاماً) واحدة من السيدات اللواتي يتعرضن للضرب، من قبل زوجها، وتقول إن الأمر بات "عاديا جدا"، لاسيما وأن والدتها من قبلها كانت تتعرض للضرب أيضا، وقد اعتادت عليه في النهاية، وفق قولها.
ولكن أم سليمان لا تقف عند رفض الضرب، بل تجد ما يبرره عندما يكون صاحب الضرب زوجها، فتقول "يعني إذا ما فش خلقوا فيي وين يروح، عليه كتير ضغوطات في الشغل، ومع الأولاد، وأنا زوجته اللي لازم تتحمله. بالإضافة إلى أني مرات كثيرة بعصبوا وبستفزوا وبغلط".
وتضيف أم سليمان أن زوجها ليس بهذا القدر من السوء، ولا يضربها بشكل مبرح، وإنما -على حسب وصفها- "بقفا إيدو"، إلا في الحالة التي يكون فيها عصبيا فيبالغ في ضربها. وتضيف أن زوجها طيب، ولكنه عصبي، وتؤكد أنها زوجته، وبالتالي يجب أن تكون "ستر وغطى عليه". وفي رأيها أيضا أن أغلب الزوجات يُضربن من قبل أزواجهن، وأنها ليست وحدها مَن تتلقى الضرب.
الدكتورة عبير واحدة من السيدات المتعلمات المثقفات، وأكثر من ذلك فهي تساوي زوجها في العلم والثقافة، أو تضاهيه، ومع ذلك تؤكد هذه السيدة، وعن طيب خاطر، أن ذلك "لا يمنع" زوجها من ضرْبها.
تقول "في أول مرة ضربني زوجي كانت الضربة صفعة على خدي، وكانت بمثابة صدمة كبيرة بالنسبة لي، إذ قلت لنفسي كيف يجرؤ ويمد يده عليّ؟ إلا أنني، وبعد تفكير طويل، قلت لنفسي: لا يليق بامرأة في مكانتي ومرتبتي الاجتماعية أن تفضح نفسها وتقول إن زوجها يضربها".
السكوت رخصة
تضيف عبير "ذلك الأمر جعلني أسكت أول مرة، لكن سكوتي كان بمثابة رخصة مني له، جعلته يمدّ يده عليّ كلما حدثت مشكلة بيني وبينه".
وتشير إلى أن زوجها على درجة من العلم والمعرفة، وأحيانا تسمعه يتكلم بين الناس عن الحضارة والرقي فتحتار وتكاد تستبعد أن يكون هذا الرجل هو نفسه الزوج الذي يضربها، ويسبّها، ويصفها بأبشع الصفات.
في هذا الشأن كشفت دراسة تحليلية حول العنف الاجتماعي، أجريت في عدة محافظات من البلاد، أن 70 % من السيدات في عينة الدراسة أظهرن قبولا بواقع الضرب من الزوج لزوجته، وخاصة عند ارتكاب الزوجة خطأ من الأخطاء.
وقد أظهرت الدراسة التي أجراها تجمع لجان المرأة الوطني الأردني، في سياق المشروع الإقليمي "وصال" بالشراكة مع منظمة كير العالمية في الأردن، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، أن 40 % من النساء اللواتي شملتهن العينة يتعرضن للعنف المبني على النوع الاجتماعي.
وفي ذلك بينت مديرة مشروع وصال في منظمة كير العالمية، فدوى عبد القادر، أن الدراسة تم إجراؤها في محافظة الزرقاء، على عينة من منطقة الرصيفة، في حي الحسين، وحي المشيرفة، شملت 507 سيدات، تتراوح أعمارهن ما بين 18 و70 عاماً أغلبيتهن ما بين 19 و50 عاما.
وأظهرت الدراسة المحلية فيما يتعلق بالأماكن التي تتعرض فيها المرأة للعنف، أن 68 % من حالات العنف تحدث في المنزل الزوجي، و59 % في منزل الأهل، و48 % خارج المنزل.
وتبين الدراسة أيضا أن نسبة الضرب (59 %) ونسبة السب (51 %)، ونسبة الإهانة (42 %)، بوصفها أكثر أشكال العنف شيوعا، الواقع على المرأة.
وبالرغم من عدم وجود أي مبرر للعنف إلا أن أسباب العنف، كما ورد في الدراسة كالآتي: ضعف الوضع الاقتصادي، والبطالة والفقر، وضعف الوعي القانوني عند المرأة، والثقافة الذكورية السائدة، والخوف من الإفصاح والشكوى، والزواج المبكر.
ومعظم الإجابات اعتبرت عدم طاعة الزوجة، أو ارتكابها للخطأ، أو تركها المنزل دون إذن، مبررات سليمة لضربها. وقد ورد في بعض الإجابات مبررات أخرى، ومنها إهمال الأسرة والأطفال أو الزوج، كأسباب مقبول للعنف.
الشاب محمود عبد الرحمن يعترف بأنه يقدم أحيانا على ضرب زوجته، إلا أنه يراجع نفسه فيما بعد ويؤنبه ضميره. لكنه يعاود ويقول "خليها تتأدب!".
ويضيف أن زوجته هي التي تستفزه، وتجبره على ضربها، مبينا أنه في أحيان كثيرة يعود للمنزل متعبا، ولا يريد سوى الراحة، فتبدأ هي بمجادلته، ويتصعد الموقف بينهما ليتحول إلى "خناقة"، وتواصل هي استفزازه، كأن تقول له "يلا ازا انت زلمة ورجيني شو بتقدر تعمل". وهو ما يضطره إلى ضربها.
ويشير إلى أنه في أغلب الأحيان يسعى بعد ذلك لمصالحتها، إلا أن انعدام التواصل بينهما، وافتقاد زوجته لأسلوب الحوار، يجعل الأمر يتكرر معهما من حين لآخر.
وفي الوقت التي أظهرت فيه إحدى الدراسات أن هناك 70 % من السيدات اللواتي يقبلن بالضرب، ويلتمسن فيه العذر لأزواجهن، اعتبر مختصون أن هذه الشريحة التي أجريت عليها الدراسة لا تمثل طبقات المجتمع كافة.
وبيّن الاختصاصيون أنه بالرغم من وجود الضرب في المجتمع إلا أنه لا يرتبط بأسباب الفقر والبطالة فقط، فقد تكون هذه الظاهرة في ازدياد في هذه المجتمعات، إلا أنها موجودة في نفس الوقت لدى طبقات على مستوى ثقافي ومادي واجتماعي عال.
وتعليقا على ذلك، يعتقد المحامي والباحث في قضايا المرأة، عاكف المعايطة، من وجهة نظره، أن هذا الرقم لا يعبر عن الواقع الحقيقي للمرأة الأردنية.
وبالرغم من وجود عدد من الحالات المحوّلة إلى مؤسسة حماية الأسرة، وهي الحالات التي تشهد زيادة في العدد خلال هذا العام إلا أن ذلك دليل على الوعي الذي نتج عن المحاضرات التوعوية والدورات، ودور الإعلام، إلى جانب التعاون الذي حدث بين القضاء وحماية الأسرة، القائم على ضرورة تحويل الحالة إلى حماية الأسرة قبل عرضها على المحكمة.
التربية على العنف
ويشير إلى أن العوامل التي أرجعت إليها الدراسة أسباب حدوث العنف، من وضع اقتصادي، وبطالة، وغيرها، قد تكون سببا في ذلك، إلا أن هناك أسبابا أخرى كثيرة، مثل التربية والبيئة، أو أن يكون الشخص نفسه شخصا معنفا أصلا، فيلجأ لنفس السلوك، مبيناً أن هناك عائلات لا تعاني من الفقر والبطالة إلا أن العنف لا أثر له في داخلها.
ويرى المعايطة أن أحد أسباب زيادة العنف هو سكوت المرأة، وهو الأمر الذي يعطي المعنف مبررا للاستمرار في الاعتداء عليها، لافتاً إلى أنه على المرأة التوجه إلى حماية الأسرة، أو اتحاد المرأة، أو أي من الجهات المعنية، التي ستقوم بدورها بمعالجة الأمر من خلال توجيه الإرشاد اللازم للزوج.
ويذهب المعايطة إلى القول بأن أغلب قضايا الشقاق والنزاع التي تسجل بالمحاكم مرتبطة بالعنف الذي يندرج تحته "الضرب"، وهو الأمر الذي ما يزال موجودا، وتشهد عليه المحاكم الآن.
ويعتبر أن أسباب لجوء الزوج إلى الضرب قد تكون مرتبطة بطبعه الشخص العنيف، أو لأنه شخص غير سوي، فيعالج الأمور بالضرب، أو لأنه شخص كان معنفا في السابق، أو كانت تربيته الأسرية مبنية على العنف، وهو العنف الذي قد يزداد عنفا بسبب سكوت المرأة عنه، فالمعروف أن العنف إذا سُكت عنه ازداد وتفاقم.
ويشير إلى أن معالجة العنف تكون إما بالإرشاد، وحل النزاعات بشكل ودي، وتأهيل سلوك المعنف في المراكز المتخصصة، وإن تكرر الأمر تم تحويله إلى المحكمة للحصول على العقوبة.
ووفقا لأرقام رسمية صدرت أخيرا عن إدارة حماية الأسرة، التابعة للأمن العام، فق بلغ عدد حالات النساء المعنفات 7931 حالة، خلال العام 2012.
أحيلت 27 % منها إلى القضاء و12 % إلى الحاكم الإداري، و61 % إلى مكتب الخدمة الاجتماعية التابع لحماية الأسرة. ووفق الأرقام ذاتها فقد تعرضت 587 أنثى لتعنيف جنسي، و295 منهن بالغات و283 منهن طفلات.
الاختصاصي النفسي د.محمد حباشنة يعتبر أن الشريحة التي أجريت عليها الدراسة لا تعد طبقة ممثلة لشرائح المجتمع كاملة.
ويرى الحباشنة أن هناك عوامل كثيرة لحالات الإساءة، إلا أن المسيء هو مسيء، بغض النظر عن طبقته الاجتماعية والثقافية، حيث هناك من يستسهل العنف، ومن المعروف أن أسهل شيء في التواصل هو الضرب.
ويضيف أن هناك قاعدة يجب أن تكون، وهي أن "تحمّل الضرب = صفر". والسبب في ذلك هو وجود نساء يستسهلن القصة ويجدن لها تبريرات معينة، مبيناً أن ما يجب أن يكون معروفا لدى كل النساء هو أن الضرب والإساءة سلوكيات قابلة للتصعيد دائماً، وهو ما تشير إليه كافة الإحصاءات والدراسات.
ويشير إلى أن القبول في حالة الضرب لا يعتبر "سترة" على الإطلاق، فالمفروض هو تصعيد الموقف مباشرةً، لأن السكوت عنه هو عبارة عن ترخيص للمعنف كي يضرب كيفما يشاء.
اختصاصية العلاقات الزوجية، د.نجوى عارف، تعتبر أن تقبل المرأة للعنف يعود لسببين، أولهما التنشئة الاجتماعية التي تجعل المرأة تنظر إلى الضرب كأمر عادي، اعتادت عليه من أمها أو جدتها، وثانيهما للتنشئة المجتمعية المحيطة بها، وفي كلا الحالين فانه من الصعب جداً التقليل من تأثير السببين على الشخص.
وتشير إلى أن المرأة تقبل بالضرب، وتسكت عليه، إما لعدم وجود حل ثان، وإما بسبب الوضع الاجتماعي، أي "البرستيج"، الذي يجعلها تحرص على التكيف مع الأمر الواقع، ويجعلها تخلق أعذارا للزوج حرصا منها على الحفاظ على هذا "البرستيج".
وتضيف أن هناك سيدات لا يمتلكن مهارة الحوار، وهو ما يجعلهن يقمن باستفزاز الرجل بطريقة حديثهن، أو يجادلنه بطريقة رعناء فيضطر إلى إنهاء الحوار من خلال ضربهن، لأن الضرب أسهل طريقة لإنهاء الأمر. بالإضافة إلى أن هناك سيدات يحبذن الضرب، لما يعقبه من اعتذار الزوج لهن، ومحاولة إرضائهن، واستمتاعهن بردة الفعل هذه.
وتعتبر عارف أن الضرب مدمر للحياة الزوجية، كونه يؤثر على صحة المرأة النفسية، خصوصاً في حال سكوتها.
وتؤكد عارف في الأخير أن الضرب لا يحدده فقر ولا عمل ولا ثقافة، ولا عمر، فهناك نسبة كبيرة من المؤهلين علميا واجتماعياً يمارسون الضرب، وفي المقابل هناك أميون لا يمارسونه. فالمحدد الرئيسي للضرب في رأي عارف هو فقط التنشئة الأسرية والمجتمعية.

majd.jaber@alghad.jo


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com