الاثنين، 15 أبريل 2013

"البحث عن الذهب" فخ يقع فيه الشباب الحالم بالثراء السريع




تغريد السعايدة
عمان - يسعى بعض الشباب الباحثين عن الثراء السريع للتنقيب عن الذهب، في محاولة منهم إلى تخطي عقبات الحياة والوصول إلى حياة الرفاهية، والاستحواذ على المناصب العالية في المؤسسات، لأنهم يرون أن "المال هو المحرك الرئيس لمجالات الحياة المتعددة، وليس الكفاءة والعمل".
والمتتبع لأحاديث فئة كبيرة من الشباب يتلمس الكم الهائل من الوقت والجهد الذي يستنفدونه من أجل عمليات البحث والتنقيب عن الذهب، والتي عادة ما تنتهي بخيبة أمل كبيرة، لعدم حصولهم على مبتغاهم بعد علميات بحث واستكشاف قد تستمر عند البعض عشرات السنين، كما في حالة أحد كبار السن (فضل عدم ذكر اسمه، وهو الآن في العقد السادس من عمره) الذي ظل يبحث ويبحث بلا طائل لمدة تزيد على عشرين عاما بلا انقطاع.
معظم من يتحدثون عن التنقيب عن الذهب والبحث عنه يفضلون عدم ذكر أسمائهم، والسبب في ذلك، بحسب الستيني، هو "الخجل من التحدث عن سنوات في عمليات يائسة باءت بالفشل، وعن مواقف ولحظات من الخوف والرعب مروا بها فظلت ذكراها تلاحقهم لسنوات طويلة".
ويتحدث العشريني ماجد، وهو موظف في مؤسسة خاصة، عن الكثير من المغامرات التي سمع عنها من خلال أحاديث كثيرة، من زملائه وأصدقائه في مرحلة الدراسة الجامعية، ما دفعه إلى أن يشارك في بعضها، ظناً منه أن المحاولة ستكون فقط من باب التسلية، والمشاركة في مغامرات شبابية عابرة، ليكتشف فيما بعد أنه وقع في فخ إدمان وهوس عمليات التنقيب.
ويضيف ماجد أن من أبرز الأسباب التي دفعته للبحث عن الذهب، كما هو الحال بالنسبة للكثير الشباب، هو ما يتردد من قصص "قد تكون واقعية" من أن الكثير من الأثرياء "صغار السن" قد وجدوا كميات كبيرة من الذهب والمقتنيات الأثرية التي قاموا بـ"تصريفها" بطريقة معينة حتى "أمسوا من الأغنياء في المنطقة ووصلوا لمراتب عليا بسبب نفوذهم المالي". بالإضافة إلى اقتنائهم للشركات والبيوت والسيارات الفارهة، ما جعل "جنون البحث يسيطر على عقول عدد كبير من الشباب من ذوي الدخل المتدني".
ومن الأشياء التي تجعل الشباب يشعرون بشيء من الرهبة والخوف عند دخولهم لعالم التنقيب عن الذهب، وجود عدد كبير من المشايخ الذين يشاركون في البحث معهم، ويزاولون طرقاً "مخيفة" في عمليات البحث مثل "استحضار الأرواح والجن"، وهو ما يسبب حالات الخوف بينهم.
العشريني أحمد يقول إنه باشر مع زملائه البحث عن الذهب منذ سنواته الأولى في الجامعة، والسبب في ذلك تأثير بعض الأصدقاء عليه، بإلحاحهم عليه في المشاركة، والذهاب إلى أماكن بعيدة، بمرافقة عدد ممن يكبرونهم سنا، وفي ألا يبدي خوفه من المخاطرة والمشاركة في مثل تلك الرحلة إلى "أعماق الأرض والغيب".
وما يلفت نظر أحمد خلال فترة بحثه عن الذهب وجود فئة كبيرة من المثقفين وحاملي الشهادات الجامعية؛ إذ بينهم مهندسون وأطباء. ويؤكد أن وجود مثل هذه الفئة المؤثرة يزيد من نسبة "تأثر الشباب وزيادة إقبالهم على العمل في هذا المجال"؛ حيث يتواجد عدد كبير منهم يعملون في مجال البحث فقط، مقابل مكافأة يحصلون عليها بين الحين والآخر.
ويشعر أحمد اليوم باستياء كبير نحو نفسه، بسبب خوضه غمار تلك التجربة، كونها استنزفت الكثير من وقته وتفكيره. ويبين مدى تأثير تلك المغامرة على التحصيل الدراسي للطلاب في الجامعات، كونهم ينفقون أوقاتا طويلة في الخروج للبحث والتنقيب عن الذهب، بالإضافة إلى انشغالهم عن التحصيل الدراسي أثناء المحاضرات، بالتفكير المتواصل في أمر البحث عن الذهب، والإعداد للخروج في سبيله ليلا.
اختصاصي علم النفس، الدكتور محمد الحباشنة، يرى في إقبال الشباب على مثل تلك المغامرات مخاطرة حقيقية، مرهقة جسدياً ومالياً، والأهم منه نفسياً أيضا، مؤكدا أن تشبث الشباب بفكرة الكسب السريع يؤدي بعد فترة من الوقت إلى "إرهاق إرادتهم النفسية، وجعلها ضعيفة بسبب اعتمادها على خبرات غير مفيدة".
وفي السياق ذاته، يرى خبير الاقتصاد الاجتماعي، حسام عايش، أن هوس الثروة، والحصول عليها، والارتقاء من فئة اجتماعية دنيا إلى فئة أخرى عليا أمر يسيطر بشكل ملحوظ على عقول الشباب، وقد يكون غياب الأفق، والبطالة، والفقر، والنماذج سريعة الثراء، سبباً في تكريس تلك الرغبة عند الشباب، وخصوصا خلال العقدين الأخيرين اللذين ظهرت فيهما أحداث أسهمت في ذلك؛ مثل فترة ثروات البورصة، وغسيل الأموال، وسوق المتاجرة بالعملات، والتي قد جعلت الشاب يعتقدون أن الثروة وحدها هي الطريق السهل الموصل إلى "المكانة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية".
ويضيف عايش أن من أبرز الأسباب التي دعت الشباب للخوض في هذه التجربة وجود أمثلة حية عن أشخاص كانوا يحصلون على المال بطرق غير شرعية، ويدعون أن عثورهم على الذهب، كان سببا في خلق حالة من الوهم في عقول الكثير من الشباب الذي يظن أن مثل هذا الكسب سيوفر عنه سنوات طويلة من الجهد والعمل.
ولا يقتصر التأثير السلبي لهذه المغامرة على حياة الشاب الاقتصادية وحدها، بل ينعكس، كما يقول عايش، على حياتهم الاجتماعية التي تصبح فاقدة للعلاقات، وعلى حياتهم العقلية بسبب الأفكار السلبية التي يزرعها فيهم تجار الأوهام.

tagreed.saidah@alghad.jo


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com