الأحد، 14 أبريل 2013

الشائعــــة .. أسئلــــة برســـم الفوضـــى


صورة

سامح المحاريق -  في غياب ثقافة الشفافية تتحول الشائعات إلى عملة رائجة وسلاح تكتيكي من طراز رفيع، طائرة تحلق بدون طيار على مسافة منخفضة من أي مجتمع لتكشفه وتعريه، الشائعة لا تتحول فقط إلى أحد الخيارات المتاحة في لعبة السياسة والاقتصاد، إنها تتحول إلى أسلوب حياة في مجتمع لم يعتد على ممارسة الشفافية، لم يتعود هذه الثقافة، مجتمع يمتلك تاريخا عريضا من التنديد بالكذب والتحذير منه، ابتداء من نصوص دينية سامية، ولغاية تقاليد اجتماعية مكرسة، ومع ذلك فإن المجتمع العربي بشكل عام، لا يكذب وإنما يبدو أحيانا لمن يتابعه من مسافة قريبة يعيش في سلسلة من الأكاذيب، الكذب ليس هو المشكلة، ما هو أخطر من الكذب، هو الاستعداد الدائم للتصديق دون طلب أدلة أو براهين.
 ولو حضرت جميع الأدلة والبراهين، فإن الأكذوبة تبقى صاحبة اليد العليا في الذهنية العربية، لأن التعامل مع الحقائق يتطلب دائما مواصفات عقلية وذهنية لا يحبذ العرب التعامل معها، يتطلب تركيزا وذائقة نقدية، وقدرات منطقية، وهذه الأمور لا تتناسب مع نظرة شمولية اعتادها العربي، وترسخت في جيناته، النظرة في الأفق دون العناية بالتفاصيل، الصحراء متشابهة، لا يمكن لأحد أن يستدل على مكان ما بواسطة موقعه من أحد الكثبان الرملية، حتى أن البعض يتندر بأن العربي (الساذج) في القصص الشعبي، كان يضع كنزه تحت سحابة في السماء .

ليست مشكلة من يطلقها
الشائعة في المجتمع ليست مشكلة من يطلقها، فهو ليس خاسرا في النهاية، وفي الأغلب، إن لم يكن دائما، هو مستفيد من هذه الشائعة، ولكن الطرف الذي يخسر هو الذي يصدق الشائعة ويتبناها، ويبدأ في صياغة مواقفه وتصرفاته بناء على المعلومات المضللة التي تتوفر لديه بكثرة، وضحية الشائعة يصبح مضطرا لخوض معركة غريبة وغير عادلة، وغير ضرورية، وهي أن يثبت براءته، أو سلامة موقفه، هل يمكن لطريقة ما أن تستنزف شعبا أو أمة بأكملها أفضل من ذلك، العربي يعمل وفي ذهنه ملايين الاحتمالات حول الكيفية التي يمكن أن يجري تفسير مواقفه من خلالها، وعلى أي وجه سيجري استغلال بعض أخطائه، علما بأن الخطأ نفسه، هو أحد الحقوق الذي يجب أن تناط بالإنسان وتحسب له، أحيانا.

تغييب الشفافية
المسؤول العربي بشكل عام، وهو ابتداء من رب الأسرة، وصولا إلى أعلى المستويات، يتحمل جانبا من أزمة الشفافية التي نتعامل معها، فالاعتماد على لغة مضللة وفضفاضة وحمالة للأوجه، والترويج لإنجازات غير موجودة فعلا، ومحاولة الحصول على جانب من السيطرة من خلال إطلاق مخاوف معينة، يعمق الأزمة التربوية والاجتماعية المتعلقة بتغييب الشفافية، فالمجتمع الأبوي يقوم على صورة وسمعة، وليس على حقائق صلبة مثل الأهلية والجدارة، الأب، هو دور وظيفي، هو في النهاية يؤدي رسالته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه، ضمن الشروط الأخلاقية التي يرتضيها، ولكن حصوله على سلطة أوسع من ذلك، سلطة غير قابلة للمناقشة، ولا للمحاسبة، ولا حتى المراجعة، يؤدي إلى كارثة، وأن تتبنى أي دولة أو أي مجتمع فكرة الأبوية، فإن ذلك سيدفعها في النهاية لأن تتعامل مع مجموعة غير ناضجة وغير مسؤولة من الأفراد الذي يكونون قوام هذه الوحدة الاجتماعية أيا يكن حجمها، تصبح الشائعة هي وسيلة المقاومة للأب المعنوي الذي تشكله السلطة، الطريقة المتاحة للنيل منها، طريقة تميل إلى المراهقة ومحاولة إثبات الذات من خلال تصدير المشكلة إلى الآخرين، الضرب والاختباء، المجتمع لم يتعود على المواجهة، ولذلك فهو يتلقف الشائعة دائما وكأنها وسيلته الوحيدة ليفسر العالم من حوله.
البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، قاعدة إسلامية عابرة للعصور، فالأصل في الأشياء ألا توجد مسألة تدعى شائعة، لأن أي ادعاء يجب أن يكون مرفقا بمجموعة كبيرة من الأدلة الواضحة، البائنة، وهي لا تعني القرينة أو مجرد الدليل الذي يمكن أن يفسر على أكثر من وجه، هي تعني أمرا واضحا لا لبس فيه ولا يطاله أو يداخله الشك، واليمين على من أنكر، بمعنى أن مجرد النفي هو مسألة كافية، فالشخص ينفي بناء على ضميره وتقديره الأخلاقي لموقفه، ويصبح الموضوع من تلك اللحظة مسألة معلقة بينه وبين ربه، وليس بينه وبين الآخرين، فلا أحد يمكنه أن يتعدى على سلطة مرجعية للمجتمع تتمثل في الدين الذي كان أساسا للتطور القانوني في المجتمعات العربية، ولكن المجتمع يتساهل جدا مع الشائعة التي لا تحظى بأي إثبات، أحيانا، لا تحظى بأي سند عقلي، أو منطقي، بمعنى أنها أصلا متناقضة، ولكنها سهلة في تفسير بعض الأمور الغامضة، خاصة في ظل هشاشة مؤسسة الشفافية والمكاشفة.

قنبلة موقوتة
يبدو العرب حتى اليوم أمة غارقة في ثقافة الشائعة، و(تطنيش) ضرورة تقديم أي دليل، أو سند، مصدر فضل عدم ذكر اسمه، هو مصدر بدون أي قيمة، هو لا يمتلك الحد الأدنى من الشجاعة، ولا يمكن أصلا أن يتحمل عبء القضية التي يدافع عنها، بعمنى أنه غالبا صاحب مصلحة ما، صحفي يطلق وعوده بكشف المستور وفضح (الطابق) ثم يتناسى الموضوع نهائيا هو يترك متعمدا أو متعاميا قنبلة موقوتة في المجتمع، لأن المستور الذي وعد بكشفه يتحول إلى حقيقة لا تقبل الجدل ولا تقبل المراجعة لدى كثيرين، خاصة أن المجتمع لا يعتبر المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، بل ينطلق في إصدار أحكامه العشوائية لمجرد التسلية و(طق الحنك)، ويصبح البريء مشروعا لاتهامات دائمة لا احد يعرف كيف تبدأ وكيف تنتهي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com