الاثنين، 22 أبريل 2013

الاعتذار: ثقافة تذيب الأحقاد وتمنح القدرة على الغفران

جميعنا قد نرتكب أخطاء ونتسبب في جرح إنسان عزيز على قلبنا، أو إنسان جمعتنا به الحياة صدفة، فربطتنا به علاقة طيبة تسودها المحبة والأخوة والتسامح، ومهما كانت علاقتنا بالآخرين متينة وقوية يسيطر عليها الود والاحترام، فإن ذلك لا يمنعنا من الوقوع في أخطاء قد تتسبب في إيلام أشخاص نحبهم ونحترمهم، وقد يكون ذلك بدون قصد أو لسبب خارج على إرادتنا.
والأخطاء تختلف في حجم الأثر الذي تتركه في نفوس الآخرين، فأحيانا قد تكون بسيطة لا تذكر، وتترك أثرا عاديا ليست له أهمية، ولكن عندما تكون الأخطاء كبيرة، فبالطبع سيزيد ذلك حجم الأثر الذي يحدث شرخا كبيرا في العلاقات الإنسانية، وأكثر ما يؤلمنا هو شعورنا بالذنب الذي يجعلنا نعترف بجميع الأخطاء، فنحن في قرارة أنفسنا نعلم جيدا أن التكفير عن أخطائنا، يكمن في قدرتنا على نطق تلك الكلمة التي تتميز بقوتها ورقيها، وتقديمنا للاعتذار يسهم في إذابة جميع المشاعر السلبية التي تؤثر على علاقتنا بالآخرين.
ورغم إدراكنا لأهمية الاستمتاع بهذه الثقافة الدالة على طيبة وتواضع الشخص المتشبث بها، إلا أننا غالبا ما نحاول تجاهلها، والبعد عنها، ربما لأننا نعتقد أن استخدامنا لكلمة الاعتذار يقلل من قدرنا ويهين كرامتنا ويجرح كبرياءنا، فترانا دائما نستقصيها ونستبعدها عن قائمة الحلول المقترحة التي نسعى من خلالها إلى إيجاد حل بديل يحفظ لنا كرامتنا ويجنبنا الاعتذار الذي نظنه ضعفا.
ومهما كانت ظنوننا تنتقد هذه الثقافة وتنبذها، فإن ذلك لا يعني أن نلغيها من حياتنا، بل على العكس ينبغي علينا نشرها والتحلي بها، لما لها من دور فعال في القضاء على جميع الخلافات والأحقاد التي من شأنها أن تدمر العلاقات الاجتماعية، وتحدث فيها تصدعا يصعب علينا تجاهله أو ترميمه.
وإذا حاولنا التركيز على ما تقدمه ثقافة الاعتذار من طمأنينة داخلية وإعادة بناء علاقات أوشكت على الانهيار، وذلك من خلال تخليصها من جميع الشوائب التي كانت عالقة في قلوب أناس سيطرت عليهم مشاعر الحقد والانتقام تجاه أشخاص كانوا يحتلون مكانة خاصة في قلوبهم، فحتما ستصبح هذه الثقافة جزءا من شخصيتنا ولن نشعر أبدا بالإحراج أو الخجل عند استخدامها للتكفير عن أي خطأ نقترفه في حق الآخرين، سواء كان ذلك الخطأ كبيرا أو صغيرا، المهم أن نتعلم هذه الثقافة ونتقنها حتى نستسهلها، وعندها فقط سنتخلص من ذلك الشعور الذي يجبرنا على رفض تقديم الاعتذار رغم اعترافنا بأخطائنا، إلا أن كبرياءنا يمنعنا من نطق كلمة الاعتذار لمجرد أنها تشعرنا بالانتقاص والإهانة.
فكثيرا ما نصادف أشخاصا أصيبوا بجروح عميقة، نتيجة تعرضهم للإساءة، وخصوصا إذا كانت من قبل أشخاص لهم معزة ومكانة متميزة عندهم، لذلك يكون شعورهم بالمرارة أكبر، الأمر الذي يؤدي بهم إلى زيادة حجم الحقد في داخلهم، فينتج عن ذلك انعدام روح الغفران، وتتولد لديهم رغبة شديدة في الانتقام، الذي يعد بمثابة السم القاتل، فعدم قدرتنا على الغفران يخلق في نفوسنا غلا وكراهية تبقى آثارها محفورة في أعماقنا، يصعب علينا استئصالها، لأنها قد نشرت سمومها في أرواحنا.
ولكن امتلاكنا لصفة الغفران يجردنا من جميع الضغائن التي كانت وما تزال سببا رئيسيا في ترسيخ شعور المرارة الذي يفقدنا القدرة على غفران الإساءة ومحاولة نسيانها، وكم هو جميل أن يكون الغفران جزءا من كياننا والمقر الدائم له قلوبنا النقية التي تسعى دائما إلى إيجاد مبررات لأخطاء أولئك الأشخاص الذين أحببناهم.
وهناك علاقة وثيقة بين الغفران الحقيقي ونسيان الإساءة، فأحيانا قد نجتمع بأناس يستطيعون الغفران ولكنهم يرفضون نسيان الإساءة، وهذا هو التناقض بعينه، فمن غير المعقول أن نغفر ونحن ما نزال نتذكر الأذية بالمرارة نفسها، وكأنها حدثت الآن، لأن غفراننا لأخطاء الآخرين يعتمد اعتمادا كبيرا على مدى قدرتنا على نسيان ما حدث حينها فقط، سنستطيع الصفح، ونكون بذلك قد تخلصنا من جميع ملوثات الحياة التي حرمتنا من العيش بهدوء وسلام ومحبة، وكل ذلك لأننا نرفض الاعتذار عن أخطائنا.
ولكي تبقى علاقاتنا بمن حولنا متينة وقوية، فلا بد من تصفية قلوبنا من كل ما يلوثها وجعلها صفحة بيضاء قادرة على محو جميع الأخطاء التي ارتكبت في حقنا، ولن يتحقق ذلك كله إلا باستخدامنا كلمة اعتذار رقيقة نابعة من الأعماق، يغلفها الحب والصدق، يقابلها شعور حقيقي بالغفران

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com