الثلاثاء، 16 أبريل 2013

إغفال الأب متابعة شؤون أبنائه ينعكس سلبا على تحصيلهم الدراسي





منى أبو صبح
عمان- علم والد الطالب مؤيد سلطان (15 عاما) مؤخرا بأن ولده ترك المدرسة لأسباب مزاجية ترجع لعدم رغبته في استكمال تعليمه، إلى جانب تكرار شكوى المدرسين من غياباته دون عذر، وكذلك تكرار سلوكه العدواني مع زملائه في المدرسة.
يلقي الوالد اللوم على الأم قائلا "اعتقدت أن زوجتي تتابع أمور أبنائي، فهذه مهمتها في تدبير شؤون المنزل والأبناء، وحاولت أن أتدخل في اللحظات الأخيرة، وقبل أن يتخذ مدير المدرسة قرارا بفصله نهائيا".
ويضيف "عندما قابلت الهيئة التدريسية فهمت بأن ابني يعاني من الإهمال الأسري، والذي كنت للأسف أحد المشاركين به، وهذا انعكس سلبا على تحصيله الدراسي وعلى تعامله مع الآخرين، رغم إجماع المعلمين بأنه طالب ذكي".
يرى العديد من الآباء أن فجوة كبيرة تحول أحيانا دون تواصلهم مع أبنائهم. وقد لا يسعى الأب أحيانا إلى معرفة الصف الذي يتابع فيه ابنه دراسته، أو التخصص الذي يتلقاه في الجامعة. والمشكلة تكمن في أن نسبة كبيرة من الآباء لا يدركون خطورة هذا الإهمال، بحجة انشغالهم في تأمين متطلبات الحياة الأسرية، أو لأن غالبيتهم لا يشعرون بأنهم مقصرون في حق أبنائهم إلا بعد أن تحدث مشكلة وتتفاقم، وحينها يتم إلقاء اللوم على الأم، وكأنها المسؤول الوحيد عن تربية ومتابعة الأبناء.
مصطفى الزبن، طالب جامعي، يعيش في منزل يئن تحت برودة المشاعر بين أفراده، حسب قوله، وذلك بسبب إهمال والده لهم وغيابه عنهم حتى وهو معهم، فلا يسمع له سوى كلمات مختصرة لا علاقة لها إلا بموعد نومه، والسكون الذي ينشده حتى يخلد للراحة. ويشير إلى أنه يحاول أن يتناقش مع والده من خلال الرسائل التي تقوم والدته بإيصالها إليه، لكن والده يرفض النقاش، ويرفض أي محاولة لفتح حوار أسري حقيقي.
من جانبه يؤكد الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تعويض غياب الأب، ولكن بحكم أن الآباء قد يتغيبون لأسباب عديدة قد تكون في مجملها خارجة عن إرادتهم، كالسفر للخارج من أجل العمل، أو التغيب لساعات طويلة خارج المنزل، فإن هذا الغياب إذا زاد على حده، ولم يتخلله تواصل حقيقي مع أفراد الأسرة فإن هذا الغياب المستمر قد يعصف بحياة الأسرة في النهاية.
"في العادة، يقول أبو زناد، تتحمل الأم مسؤولية هذا الغياب، فتقوم بدور الأم والأب معا، لتعويض حاجة الطفل النفسية، ولكن العطاء سيكون ناقصا، لأنها لا تستطيع أن تملأ الغياب إلى ما لا نهاية".
ويؤكد أنه مهما بذل الطرف الآخر من جهد، سواء العم، أو الخال، لتخفيف آثار غياب الأب، فلن يصل ذلك الجهد إلى ملء فراغ الأب. فالحوار والتواصل الروحي ضرورة ملحة بين الأب وأبنائه، والحال أن هنالك آباء غافلين حقا عن جميع سلوكيات وتصرفات أبنائهم، سواء في المدرسة أو الجامعة، ولا شك أن لهذه الفجوة مخاطر سلبية.
ويشكو الطفل مروان عبد الصاحب (12 عاما) من تغيب والده عن البيت لظروف عمله التجاري، فهو إما مشغول بالاتصالات والاجتماعات، وإما أنه مسافر لعقد الصفقات التجارية.
ويقول "أشعر، لكثرة غياب والدي عن البيت، بالألم، كلما شاهدت مشهدا تلفزيونيا يعانق فيه أب أبناءه، أو عندما تدور أحاديث أصدقائي في المدرسة عن الوقت الذي أمضوه مع آبائهم في التنزه معا".
وتقول الطالبة الجامعية نسرين محمد (20 عاما) التي لم تقنعها الأعذار التي يعلل بها الآباء لتبرير غيابهم عن البيت "عندما أجتمع وصديقاتي تسيطر على أحاديثنا معاناة غياب آبائنا عن محيط حياتنا، بسبب ظروف العمل أو لانشغالهم مع الأصدقاء، والحقيقة أنها معاناة مؤلمة يسببها غياب الرابط الأسري الناتج عن غياب الأب لفترات طويلة".
وتضيف "إن أسباب غياب الأب، مهما كانت، غير مبررة. فالمال لن يعوضني غياب والدي، والوقت الذي يقضيه خارج البيت نحن في أمس الحاجة إليه، وهو ما قد يدفعني للبحث عن بدائل أخرى، مع أشخاص آخرين، لأنني في حاجة إلى من يسمعني".
ويرى سامر نايف، وهو طالب جامعي، أن تصرفات الشباب نابعة من مشاكل غياب أحد الوالدين، والذي يترك فراغا كبيرا في حياتهم لا يملؤه إلا وجود الأب والأم إلى جانبهم.
يقول "بسبب غياب والدي وإهماله لي تعلقت كثيرا بعمي الذي كان يحاول أن يوفر لي كل ما أحتاجه، وبالتالي أصبحت أشعر أنه هو والدي الحقيق، ولطالما تمنيت أن يصبح عمي والدي الحقيقي".
وتشير التربوية د. أمل بورشيك إلى أن معظم مشاكل الأولاد، وخاصة صغار السن، ومن كان منهم في سن المراهقة، سببها إهمال أحد الأبوين، وخصوصا الأب. ففي مرحلة معينة، مثل مرحلة التنشئة، يكون الأبناء بحاجة ماسة إلى بقاء الأب إلى جانبهم، حتى يشعروا بالدفء والحنان، وحتى يكتسبوا العادات والخبرات الحياتية.
وتقول "أغلب الأبناء ينظرون إلى آبائهم بوصفهم القدوة والأنموذج الذي يتعلمون منه طريقة التفكير، وطريقة التعامل مع الآخرين، إلى جانب مواجهة الأزمات، وكيفية تجاوزها وهم في سن مبكرة".
وترى بورشيك أن غياب الدور التربوي للآباء في توجيه الأبناء ينتج سلبيات عدة، منها ضعف التحصيل الدراسي، وأسوؤها انحراف الأبناء، وخصوصا في ظل التطور التكنولوجي السريع، والوسائل المتاحة أمام الأبناء التي يجدون فيها ضالتهم.
وتشير إلى أن الأم هي الشخص الملام دائما، فتتهم بالتقصير، رغم أن الأب يمتلك وقتا أكبر لمتابعة الأبناء، وسلطة أكثر، وتأثيرا أقوى على الأبناء. فالفتيات في سن المراهقة بحاجة ماسة لمتابعة وتوجيه الأب، إلى جانب دور الأم. فتشارك الدورين يسهم في زيادة تحصيل الطالب، وفي ترسيخ ثقته بنفسه، وبالتالي ينعكس النجاح على الأسرة.

muna.abusubeh@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com