الأربعاء، 17 أبريل 2013

التجريح المتبادل بعد الطلاق يحوّل حياة الأطفال إلى جحيم




سوسن مكحل
عمان- ما يزال مهند (29 عاما) يذكر كيف كانت عائلة والده تتعمد تجريح "والدته" المطلقة في كل زيارة يقومون بها لعائلة الجد (والد الأب). وهكذا تعلق الكثير من التفاصيل السيئة في ذاكرة مهند الذي بدأ يوازن الأمور متأخرا، بعد أن ظل على قناعة أن والدته هي السبب وراء الطلاق.
بالطبع قرار الانفصال ليس قرارا سهلا، سواء للزوج أو الزوجة، كما يؤكد مهند، إلا أن آليات التجريح المعتمدة من قبل الأهل لتبرئة ذممهم والادعاء بأنهم لم يكونوا سببا في إحداث الطلاق، أثّر بشكل سلبي على طفولته التي يؤكد أنها كانت صعبة بسبب التشتت النفسي والفكري آنذاك.
فلغاية هذا اليوم يدرك مهند أن مشكلته تكمن في عدم قدرته على الارتباط بعلاقة زواج، نتيجة تخوفه من حدوث مشاكل بينه وبين المرأة التي يرتبط بها تؤدي في النهاية إلى انفصالهما، وكذلك التخوف من المرحلة ما بعد الطلاق، من تجريح كل طرف للآخر، وخوفا أيضا من المجتمع الذي لا يرحم البريء أحيانا.
ومثله هنادي (31 عاما، متزوجة وأم لطفلين) التي تقول إنها شهدت معارك قاسية وتجريحا متبادلا بين أهل والديها، وتؤكد أن اتهام كل طرف للطرف الآخر كان السبب في حدوث المشاكل والطلاق، مبينة أن الأهل تناسوا أن هنالك أربعة أطفال لم يتجاوز عمر أكبرهم 9 سنوات.
وتضيف هنادي "كنت دوما أضع اللوم على والدي، وحين كنت أذهب لزيارته أعود لألوم والدتي على الطلاق، بعد سماعي الكثير من القصص والروايات التي تبرئ ذمة والدي في الطلاق".
كبرت هنادي، لكن ما يزال الصراع يضطرب في ذهنها، ويؤرقها بسبب هذا الطلاق، وكثرة الجدل، واختلاف الرأي حول أسبابه. واليوم تسعى هنادي للحفاظ على علاقة طيبة مع زوجها، تحافظ فيها على خصوصية هذه العلاقة، بحيث لا يتدخل في مشاكلهما وعلاقتهما أي طرف ثالث، تفاديا لحدوث مشاكل قد يكون هذا الطرف سببا رئيسيا فيها.
وفي الشأن ذاته يقول هاشم (33 عاما) إن والديه كانا السبب في عزلته عن الحياة، وتخوفه لفترة طويلة من إقامة علاقات اجتماعية. فهو يلقي باللوم عليهما، لأن كلا منهما أصر على إثبات خطأ الآخر، دون مراعاة لمشاعره ومشاعر أشقائه الثلاثة. ويقول هاشم الذي يعمل حاليا نجّارا "إن ما يحدث بعد الطلاق من إلقاء كل طرف باللوم على الطرف الآخر جعلني أشعر بالتشتت في مراحل طفولتي، ولم أكمل دراستي، ولم أتعلم حرفة إلا في وقت متأخر، بعد أن رأيت أن الخطأ في كل ما حدث ليس خطئي أنا أو خطأ أشقائي".
في هذا الشأن تؤكد الاختصاصية الأسرية والتربوية مروة حسن، أن الأطفال غالبا ما يتعرضون لاضطرابات نفسية خلال فترة الانفصال وبعده، ولذا على الأهل أن يكونوا على قدر كاف من المسؤولية، وأن يوضحوا الأسباب التي أدت إلى الانفصال، من دون إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك.
وفي هذا السياق تقول أم وائل (40 عاما)، وهي أم لثلاثة أبناء، إنها لم تذكر زوجها السابق يوما بأي سوء بعد الطلاق، فإن سألها أحد عن سبب انفصالها قالت كل شيء نصيب والله".
لكن إحدى الصديقات أخبرتها ذات يوم أن زوجها السابق لا يتورع عن ذكرها بالسوء، وبأشياء تقول إنها غير صحيحة، بل وعارية عن الدقة، وهو ما جعلها تستنكر هذا التجريح وهذه الإهانة، ولم تجد بدا من أن تشرع في الدفاع عن نفسها، وتبرئة ذمتها. وتعترف أم وائل أن ذلك بدأ يزعج أبناءها الذين فضلّوا ألا يتدخلوا. لكن أم وائل رغم الإساءة والتجريح لم تتجاوز حدودها، وظلت محافظة على خصوصية الانفصال، خصوصا إزاء الأبناء. وهي تؤكد في النهاية أن ما قاله طليقها في حقها وما يلقيه من لوم عليها كان حتى يكسب رضا وتعاطف المحيطين، وهو ما دفعها في النهاية لمعاملته بالمثل.
وفي هذا السياق تؤكد مروة حسن أن مناقشة أسباب الطلاق مع الأطفال، بصورة حضارية، دون اللجوء إلي تجريح الوالدين، أحدهما للآخر أمام الأطفال، يزيد من إحساس الأطفال بالثقة والأمان. وهكذا لن يؤثر قرار الطلاق على علاقتهم بأحد الوالدين، ويحفظ التواصل بين الأبناء والوالدين.
استشاري العلاقات الأسرية، الدكتور فتحي طعامنة، يرى أن حدوث الطلاق بعد محاولات الصلح يجب أن تتبعه سلسلة من التعامل الحسن بين الطليقين، القائم على الاحترام المتبادل، حفاظا على علاقات سوية وصحية مع الأطفال، بعيدا عن مشاعر التشهير والتجريح المتبادل والتي تحوّل حياة الأطفال إلى جحيم دائم لا يطاق.
"الطلاق الناجح والإيجابي يدل على سماحة الشخص وأخلاقه التي ستنعكس إيجابا على الأبناء"، هكذا يقول طعامنة الذي يؤكد أن نجاح الطلاق يعني أن يحترم كل طرف الطرف الآخر، خاصة أمام الأبناء، وأنه يجب أن يسعى كل من الزوج والزوجة لإعطاء الطرف الآخر ما يستحقه من حقوق معنوية على الخصوص، عملا بتعاليم الدين الإسلامي التي أكدت أهمية "الفضل بعد الانفصال "الطلاق"، والذي يعني أن يذكر كل من الزوج والزوجة حسنات الطرف الآخر، وعدم الإساءة إليه بالتجريح والتهم التي تؤلم الأبناء وتشتت عقولهم. 
وينصح طعامنة الأم والأب أن يعملا على معاملة أبنائهما بالحسنى بعد انفصالهما، وأن يتفادى كل منهما ذكر مساوئ الطرف الآخر، كي لا يظل أطفالهما مشغولي البال بالأسباب التي أدت إلى الانفصال، تفاديا للمشاكل النفسية والاجتماعية والمعنوية التي قد تترتب عن انشغالهم المتواصل بهذا الموضوع. ولذلك يجب إبعاد الأبناء عن تفاصيل حيثيات الطلاق، والاكتفاء بذكر إيجابيات كل طرف، رفقا بعقولهم ونفسياتهم المرهفة، وحتى لا تتنامى الآثار السلبية في نفوسهم مستقبلا.
ويؤكد طعامنة أن الخير ما يزال موجودا، وأن بعض المطلقين يتركون آثارا طيبة وإيجابية، فيذكر الأب فضائل الأم، وتذكر الزوجة فضائل زوجها السابق، مما يغرس في نفوس الأبناء المحبة والألفة، وهذه هي الطريقة السليمة التي يجب أن تتعامل بها العائلات والأزواج بعد الطلاق، حرصا على استقرار الأطفال وصحتهم النفسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com