الأربعاء، 24 أبريل 2013

نساء يفضلن الخلع على الطلاق


منى أبو حمور

عمان- بات قانون الخلع مؤخرا "ظاهرة" تطارد الرجال في الأردن، لاسيما في ظل "تزايد" عدد الطلبات التي تتقدم بها النساء الأردنيات لطلب الخلع من أزواجهن، في مختلف المحاكم الشرعية، مع ارتفاع أرقام الطلاق مقارنة مع الزواج. 
رغبة بعض النساء بإنهاء العلاقة الزوجية بسرعة، وبعيدا عن متاهات قضايا الطلاق التي تستمر لسنوات في المحاكم، تجعلهنّ "يؤثرن" الخلع، وافتداء أنفسهن في سبيل الحصول على راحة البال. 
الثلاثينية ميران محمد تزوجت من زميلها في العمل، ولما كانت إمكاناته المالية متواضعة أسهمت هي بشكل كبير في تجهيز منزل الزوجية، وفي حفل الزفاف، بل وقامت بشراء سيارة له، وكان دافعها الحب، ومحاولة التخفيف من مصاعب الحياة أمامهما. 
"بذلت كل ما بوسعي حتى أسهل التزامات الزواج عليه، وما كان منه إلا "الإنكار"، مشيرة إلى أن كل ما قدمته لم يشفع لها عنده، فكان يسيء معاملتها ومعاشرتها، ويضربها ويهينها، ولم تكن تخبر أحدا بل كانت تداري خشية الفضائح، وخشية أن يلومها أهلها على اختيارها. كل هذا إلى جانب رفضه التام لفكرة الإنجاب. 
"حاول مرارا أن أنقل باسمه ملكية العقارات التي أهداني إياها والدي، لكنني رفضت"، الأمر الذي جعله يزداد تعنيفا لها.
فما كان منها إلا أن لجأت للمحكمة للحصول على الخلع، متنازلة عن حقوقها المالية، بل ومتنازلة عن ثمن كل الأثاث المنزلي الذي اشترته بمالها وكذلك السيارة.  
أما عبير سالم، التي تزوجت قبل 20 عاما؛ فهي معلمة وضعت كل راتبها في يد زوجها ليستعينا به على صعوبة الظروف الاقتصادية. تقول عبير إنه حين قررا شراء منزل قامت بالمساهمة في سداد أقساطه. 
بعد عشرين عاما على زواجهما فوجئت بقرار زوجها بالزواج بامرأة أخرى أصغر منها سنا، قام بإسكانها في المنزل الذي بنته بتعبها وشقاها.  
لذلك لم تجد عبير بدا من أن تطلب الخلع من زوجها الذي رفض العدول عن قراره، أو حتى إيجاد منزل لزوجته الثانية، بعيدا عنها. وفي النهاية أخرجها من المنزل الذي أسسته بجهدها، وتعبها، وسنوات صبرها، لتعود إلى بيت أهلها صفر اليدين. 
أما الثلاثينية تسنيم صادق التي حاولت مرارا الصبر على مزاجية زوجها وعصبيته غير المبررة، ونكده الذي يعم البيت "على الفايت والطالع" فلم تجد سبيلا لإنهاء عذابها مع زوجها سوى اللجوء إلى الخلع. 
"في كل مرة كنت أطلب فيها الطلاق كان يستهزئ بي"، حيث كان يرفض نقاشها في هذا الأمر، بل وكان يهددها بأولادها وحقوقها"، وفي النهاية تنازلت عن كل شيء لتحصل على الخلع. 
أما الأربعينية ليلى حسام، فقد افتدت نفسها وبناتها، وطلبت الخلع من زوجها الذي رفض أن يطلقها بالتفاهم، ومنحها  حقوقها كافة، بل ومارس عليها أساليب "التطفيش" حتى تمل وتتنازل. 
"كنت رافضة التنازل عن حقوقي"، مضيفة أنها عندما وجدت أن الأمر مرهون براحة بالها، واستقرار عائلتها المكونة من بنتين، لجأت إلى المحكمة لتخلع زوجها، لافتة إلى أنها تخشى المساس بسمعة ابنتيها والعائلة، إن هي دخلت في متاهات الطلاق التي قد تجبرها على الحديث عن تفاصيل لا ترغب في ذكرها.
في هذا الشأن يجد اختصاصي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي أن المتابع لموضوع "الخلع" في الأردن يصاب بالحيرة والدهشة والانفعال، فالأرقام في ازدياد مستمر منذ نهاية العام 2001، وهو العام الذي بدأ فيه إقرار منح المرأة الأردنية حق طلب الخلع من زوجها.  ويشير الخزاعي إلى أن ارتفاع عدد قضايا الخلع في تزايد مستمر: من 570 قضية إلى 739 قضية في العام 2002، ثم إلى 1002 قضية في العام 2004، وقد استمرت الأرقام في الارتفاع الجنوني، حيث وصل عدد القضايا إلى نحو 10957 قضية في نهاية العام 2008، ما بين قضايا مدورة، وواردة، وقضايا مفصولة ومسقطة.  
ويشير الخزاعي إلى أن طلب الخلع أصبح "موضة، وغيرة وتقليدا، وسلاحا تمارسه الزوجة عند تعرضها إلى أي موقف من زوجها"، والمزعج والمقلق، وفق الخزاعي، أن هناك حالات خلع مسجلة لسيدات تجاوز عمرهن 60 عاما.  
كما يؤكد الخزاعي أن المجتمع أمام قضية مقلقة، بسبب ظاهرة التفكك الأسري الخطير الذي يؤدي إلى المزيد من المعاناة والمرارة التي ترهق الأزواج والأولاد والمجتمع الأردني، وإلى خرق العادات والتقاليد والقيم، وإلى مزيد من التفكك الأسري ومن الانهيار الاجتماعي. 
في حين يشير المحامي الشرعي الباحث والمستشار في قضايا المرأة، عاكف معايطة، إلى أنه، بناء على المجمل العام والمشاهدات في العمل الميداني، وعلى أرض الواقع، فقد تراجعت قضايا الخلع، لا سيما بعد القانون الحالي الذي صدر في 2010 المتعلق بقضايا الشقاق والنزاع.  
ويلفت معايطة إلى أن هذا القانون جاء لتسهيل إثبات الشقاق والنزاع، حسب قناعة القاضي، وأدلة المرأة بدون ضرورة إظهار إثبات كما كان الحال في السابق، الأمر الذي دفع المحامين إلى إرشاد النساء للجوء إلى الشقاق والنزاع ليحصلن على حقوقهن بدلا من أن يدفعن الثمن على حساب حقوقهن، كما هو الحال في الخلع.  ويبين معايطة أنه تم تعديل قانون الخلع مؤخرا، ليصبح "الافتداء"، حيث تفتدي المرأة نفسها بدفع مهرها المعجل، خصوصا بعد رفض الرجال لهذا المصطلح، وعدم تقبله. 
وهو ما أكده المحامي الشرعي، ومدير عام مركز الوثاق الأسري للاستشارات والإصلاح الأسري، الدكتور فتحي الطعامنة، الذي بين أن قانون الأحوال الشخصية للعام 2010 غيّر صيغة الخلع، حيث سماه بمسميات أخرى (الافتداء)، بعيدا عن كلمة الخلع، حيث بسط هذا القانون إجراءات الشقاق والنزاع، وقد كان هذا التعديل دافعا إلى تقليل حالات الخلع التي كانت تلجأ إليها النساء، لتخفيف حالات الخلع وإثبات حقوق المرأة. ويعزو معايطة إلى ارتفاع حالات الطلاق والخلع، إلى التوعية القانونية، حيث أصبحت السيدات يعلمن ما لهن وما عليهن من حقوق. 
كما ويعزو معايطة ذلك الارتفاع إلى المسبب الرئيسي ألا وهو الهم الاقتصادي والالتزامات المادية، لاسيما وأن شخصية الرجل وتفكيره مرتبطان بهذا الوضع الاقتصادي، حيث لم يعد هذا الرجل يقوى على تلبية متطلبات الحياة، في ظل التفاوت الكبير بين تدني الدخل وارتفاع الأسعار. 
ولا يقتصر الأمر في رأيه على الوضع الاقتصادي وحده، حيث هناك أسباب أخرى؛ كإهمال الزوج لزوجته، وإهانته لها، وغيابه عن المنزل، والزواج المبكر الذي يعد من الأسباب الجوهرية التي تدفع الكثير من النساء إلى طلب الطلاق أو الخلع. 
ويبين معايطة الأثر السلبي للزواج المبكر الذي يجعل الزوجين يفاجَآن بعد حين بأنهما غير قادرين على مواجهة الحياة الزوجية ومتطلباتها.
ويشير معايطة إلى بعض النساء اللواتي يحترمن الحياة الأسرية والعائلة، فلا يلجأن إلى الشقاق والنزاع، ويؤثرن الخلع، حرصا منهن على بناتهن وأبنائهن، وسمعة العائلة، فيحاولن إخفاء مشاكلهن العائلية الخاصة، وعيوب أزوجهن، باللجوء إلى الخلع. 
تبلغ نسبة قضايا الخلع التي تم الفصل فيها خلال العام 2011 في محافظات المملكة كافة 130 قضية، بعد الدخول، و24 قبل الدخول، وفق الإحصائيات السنوية لموقع دائرة قاضي القضاة.  
ومن الناحية الأسرية يلفت اختصاصي علم الاجتماع الأسري، الدكتور فتحي طعامنة، إلى أن النتائج السلبية للخلع والطلاق متحققة، وأن الارتدادات السلبية التي تلحق الأبناء والواقع المرير الذي يدفع ثمنه الأبناء هو ذاته في الخلع والطلاق. 
ويشير طعامنة إلى أن قضية الخلع قضية قد تلحق الضرر النفسي لدى الزوج أيضا، لا سيما عندما تقوم زوجته بخلعه أمام الناس، في حين يعزز الشعور بنشوة النصر لدى الزوجة التي تخلع زوجها، وليس هو الذي يطلقها. 
أما ما يتعلق بحقوق الأبوين في الأطفال، واستحقاقات الأولاد فلا تتأثر، سواء أكان الأمر طلاقا أو خلعا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com