الجمعة، 14 سبتمبر 2012

جنون العظمة: اضطراب وجداني تنعكس آثاره على المحيطين


منى أبو صبح

عمان- يرجح أحمد عوض (32 عاما) أن جنون العظمة لدى بعض الأشخاص من أصعب الأمراض النفسية في المجتمع، وقد ينتج عن إحساس بالنقص أو الضعف أو الإحساس بعدم الأمان، لما يتخيله الشخص من امتلاكه لقدرات جبارة أو مواهب خارقة بعيدة عن الحقيقة.
ويعاني عوض من أحد زملائه في العمل مصاب بـ"جنون العظمة"، وأغلب الزملاء يحاولون تحاشيه، فدائما يبادر بالهجوم حتى يقال عنه إنه قوي، وأيضا يحاول الظهور بمظهر الأغنياء، مع أنه من طبقة فقيرة، ويظهر لمن حوله بأنه يفهم أكثر منهم ولا أحد يشبهه.
ويقول: "يحاول الاستدانة من خارج العمل ليظهر بصورة ترضي غروره، وهذا سبب له أزمات مالية كبيرة يعجز عن تسديدها، وعلمنا هذا الأمر من الأشخاص المطالبين له عند اتصالهم ومجيئهم للشركة".
جنون العظمة شعور يصاب به بعض الأشخاص ويتوهمون من خلاله أشياء غريبة، ويعتقدون بأنهم أذكى الجميع، ويعتقد الشخص المريض بهذا الداء بأنه يستطيع معرفة ما في عقول البشر، ويحدث جنون العظمة نتيجة لشعوره بأن كل من حوله يحقدون عليه بأنه أعلى منهم أو أقل منهم، فيظهر هذا الشعور ردا للاضطهادات التي يعتقد بها تجاه الآخرين له.
وتصف الأربعينية أم فيصل زوجها بأنه من الأشخاص الموهومين، فدائما يسقط مشاكله على غيره من الناس، ويرى نفسه ضحية لتآمرهم عليه، وأحيانا تراه في حالة من المرح والانشراح، والإحساس بالرضا عن النفس.
"جنون العظمة لديه كبير، فهو يرى دائما أنه متفوق على الآخرين وأذكى منهم سواء في الفكر أو العمل، وقد انعكست تأثيرات هذا المرض على الأطفال، فأحد الأبناء يحاول تقليد أبيه ويتصرف مثله أحيانا"، حسب أم فيصل.
وتقول: "حاولت إقناعه بضرورة مراجعة طبيب نفسي، لكنه غضب ورفض الأمر، بإجابته أنا من يعالج الناس ويقدم لهم الحلول في مشاكلهم، ونصحني بمراجعة الطبيب النفسي عوضا عنه".
يشير الاختصاصي النفسي محمد الحباشنة، إلى أن جنون العظمة يعد مرضا نفسيا بلا شك، فهو اضطرابي وجداني (الزهو)، وإذا ترك المريض بدون علاج، فسوف تتفاقم المشكلة لديه وتنتج عنها تأثيرات جانبية كبيرة.
ويضيف "هذا المرض يؤثر على الفكر والإدراك والوجدان والسلوك، مما يؤدي إلى نوع من اضطراب في محتوى التفكير، وهي فكرة راسخة يعتقدها الإنسان لا تقبل التغيير من المريض، وهي خاطئة ولا يعلم المريض أنها خاطئة".
معرفة المريض بالأعراض هي وصوله إلى منتصف الطريق من العلاج، وفق الحباشنة، ولا بد من علمه بالأدوية النفسية وأهميتها بالنسبة له، وأن إدراكه لحالته يزيد من مشاركته وتفاعله مع الطبيب وبالتالي يحسن من حالته وعلاجه.
وينصح المقربين من المرضى أن يستخدموا كل الأدوات الاجتماعية من أقارب وأصدقاء وجيران، في إقناعه بضرورة مراجعة الطبيب النفسي، وعدم اليأس من المحاولة في حل هذه المشكلة، وإذا رفض المريض العلاج يستعان بالإدخال القصري للمستشفى.
ويشتكي صالح سلامة (40 عاما) من جاره المقابل له في المسكن، فهو من الأشخاص المصابين بجنون العظمة، فيتكلم مع الآخرين ويتعامل معهم بازدراء لاعتقاده أنه أفضل وأعلم منهم بكل شيء، حتى طريقة سيره تؤكد ذلك.
حاول سلامة الابتعاد عن جاره قدر الإمكان عندما تعرف عليه أكثر، وأدرك أنه لديه جنون عظمة كبيرا، لاعتقاده أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يؤثروا على من حولهم عندما يتعاملون معهم.
ويقول "بداخلي أشفق على هؤلاء الأشخاص، فقد يحدث ذلك بدون أن يدري صاحبه ماذا يفعل، ولا يستطيع السيطرة عليه، لذا حاولت تحريض زوجتي عن التحدث مع زوجته بمحاولة عرضه على طبيب نفسي حفاظا على عائلته".
ويذهب خبير الطاقة عبد الناصر جرار، إلى أن أسهل طريقة للتعامل مع مرض جنون العظمة هي حب الشخص المصاب به، والنظر إليه بطريقة إيجابية من داخله وتسهيل الأمور عليه، والتأقلم معه ومحاولة التخفيف من حالته.
ويرى أن مرض العظمة يكون تأسيسه من الأهل، أو شيء معين في حياته؛ كاضطهاد مثلا، وبالتالي أصبح صاحبه يتصرف هكذا، فعند قيامه بعمل سلبي تجب مقابلته بشيء إيجابي من القلب؛ لأن القلب يفكر مثل العقل، والطاقة تأتي من العقل والقلب والمعدة.
أما العقل فهو قريب من حبل الوريد، والقلب يمثل الأساس والحب، حسب جرار، لذا يجب أن يكون نفَس الشخص المقرب منه طويلا أمام الأشياء السلبية، والتقرب منه ليهذب نفسه تدريجيا، فهو يحتاج لمعاملة إيجابية من المقربين أكثر من الطبيب.
وترى الاختصاصية الأسرية والمرشدة التربوية سناء أبو ليل، أن جنون العظمة قضية كبيرة بحاجة إلى طب نفسي لتشخيص حالة المريض، فلديه عقدة إحباط تنعكس على الآخرين، ويجزم أنه المتميز بكل شيء وأن تفكيره هو الصائب دائما.
وتتأزم العلاقات الأسرية كثيرا بهذا المرض وقد تصل إلى الطلاق، حسب أبو ليل، وتذكر إحدى الحالات عندما لجأت سيدة لطلب الطلاق بعد محاولتها أن يخضع زوجها للعلاج بسبب مرضه بجنون العظمة، وعندما رفض، اشترط عليه القاضي الذهاب إلى الطبيب النفسي لتلقي العلاج.
وتقول: "يحب مريض جنون العظمة العيش في برج عاجي، ويسلك كل الطرق للحفاظ عليه، وينتظر من الجميع المدح والتقدير، ويقزم إنجازات الآخرين مهما كانت ليبقى هو الأفضل من وجهة نظره، لذا يصعب التعامل معه".
أستاذ علم الاجتماع في الجامعات الأردنية سري ناصر، يقول "في كل مجتمع توجد مشاكل نفسية لأفراده؛ ومنها جنون العظمة، وتؤثر على الأسرة والبيئة الاجتماعية المحيطة به، وهي ليست خطيرة خصوصا إذا تم علاجها"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com