الأربعاء، 25 أبريل 2012

خطورة عودة انتشار مرض السل بين البشر


عمان- يعود مرض السل مرة ثانية للانتشار بين البشر في العديد من بلدان العالم النامي والمتقدم على حد سواء، ويعود هذه المرة بشكل خطير يتثمل بظهور سلالات بكتيريا السل Mycobaterium tuberculosis المقاومة للمضادات الحيوية، التي استعملت وما تزال تستعمل منذ ما يقارب الخمسين عاما في علاج المرض والتي نجحت بمحاصرة انتشار مرض السل في العالم، ومعها انخفض اعداد المصابين والوفيات بالملايين. وهذا التطور الكبير جعل معظم الاطباء يعتقدون أن مرض السل سوف يختفي ويريح البشر في المستقبل القريب من مضاعفاته المميتة.
ولكن حقيقة الأمر أظهرت منذ سنوات قليلة، ان بعض سلالات بكتيريا السل، تمكنت من تطوير مقاومة نوعية ضد ادوية مضادات السل المستعملة، واصبحت هذه الادوية الرخيصة الثمن والمتوفرة حاليا لا تصلح لعلاج مرضى السل المصابين بهذه السلالات العنيدة، كما بدأت الدوائر الصحية في الكثير من البلدان وخاصة بالهند والصين، تلاحظ زيادة كبيرة بنسبة المرضى والوفيات بمرض السل نتيجة قصور عمل ادوية السل.
واعلنت منظمة الصحة العالمية في العام 2010 ان مرض السل اصاب 8،8 مليون شخص وادى الى وفاة 1،8 مليون شخص في انحاء العالم، وهذه الارقام تؤكد بأن مرض السل ما يزال يفتك بالبشر كما كان في الماضي القريب، وقبل بدء عصر استعمال المضادات الحيوية في منتصف القرن الماضي. وتعتبر الصين والهند من اكثر الدول في العالم من حيث عدد المصابين والوفيات ببكتيريا السل المقاوم للعديد من ادوية المضادات حسب تقارير منظمة الصحة العالمية الاخيرة.
ويعتقد اهل الاختصاص بالميكروبات الطبية والخبراء في الصحة العامة بأن المعركة ضد بكتيريا السل يجب ان تبدأ فوراً وبقوة وبشكل منظم في جميع ارجاء العالم، وبدعم مالي اكبر من الدول الغنية وبإشراف منظمة الصحة العالمية، وذلك للأسباب الآتية:
- سهولة انتشار بكتيريا السل من الشخص المصاب او الحامل الصامت وغير المتكشف اصابته بمرض السل. ويكفي ان نبين هنا، بأن اي شخص مصاب بسمل الرئتين يستطيع ان ينقل المرض عن طريق افرازات جهازه التنفسي بالسعال والعطس والبصق الى عشرات الافراد باليوم الواحد.
- تنتقل بكتيريا السل من الشخص المصاب الى الآخرين بسهولة عن طرق الاختلاط والتقبيل بين الافراد، ويزيد انتقال البكتيريا في مناطق الازدحام مثل المصاعد والأماكن المغلقة من مقاه ومطاعم وصفوف المدارس في حالة عدم توفر التهوية الجيدة والنظافة العامة.
- يعتبر بصق الحامل لمرض السل في الشوارع والاماكن العامة من اهم ما يساعد على نشر العدوى ببكتيريا السل بين المئات في البلدان النامية. فالمعروف ان بكتيريا السل تعد مقاومة للجفاف في الطبيعة، وتبقى حية وقابلة لعدوى الانسان ولفترة عدة سنوات على ارصفة الشوارع والاماكن المعتمة التي لا تصلها الشمس، وذلك عن طريق انتقالها بالغبار الى اي جزء من الجهاز التنفسي للإنسان وخاصة الرئتين.
ويكفي أن يصل ويستقر عدد قليل من عصيات بكتيريا السل في انسجة احدى الرئتين عند اي شخص لتؤدي لاحقاً بعد فترة اسابيع الى اشهر لحدوث حالة السل، وخاصة بين الاشخاص الذين يعانون من نقص المناعة او سوء التغذية او الامراض المزمنة ومنها امراض الايدز والرئتين. وللعلم فان بكتيريا السل التي سبب العدوى والمرض فقط للفقراء كما يعتقد بعض الاشخاص خطأ.
- ومن المهم ألا يتم استعمال مضادات بكتيريا السل غير جيدة التصنيع او التي لا تحتوي على الكميات المقررة دولياً من الدواء، فهناك ادوية مزورة تباع بكثرة في بلدان العالم النامي. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي ثلث مجمل الادوية المباعة تعد مزورة وغير فاعلة في العلاج. ومن المعروف علمياً بأن أي نقص أو ضعف في مفعول هذه الادوية سيؤدي الى عدم شفاء المريض، وسيساعد على زيادة انتشار سلالات بكتيريا السل وغيرها من أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات المستعملة.
- في حالة زيادة انتشار سلالات بكتيريا السل المقاومة لعديد المضادات الحيوية، فإن الكثير من الدول النامية والفقيرة لن تستطيع دفع تكلفة ادوية السل الجديدة الغالية الثمن، والتي يمكن ان تؤدي الى استنزاف كل ميزانيات الصحة الاولية والتطبيب في هذه الدول.
ونشير هنا، إلى أن تكلفة معالجة مريض السل الواحد المصاب ببكتيريا السل غير المقاومة للمضادات لا تكلّف عادة اكثر من 200 - 300 دولار أميركي، وغالباً تستمر فترة العلاج لمدة 6 أشهر حتى يشفى المريض.
واما في حالة معالجة المريض المصاب ببكتيريا السل المقاوم للعديد من المضادات فتصل التكلفة الى مبلغ لا يقل عن 15000 دولار، وتستمر فترة العلاج بين عام إلى ثلاثة أعوام، وترتفع نسبة الوفيات بينهم الى عشرة اضعاف، كما ستبقى نسبة من المرضى لا ينفع معها اي علاج وستموت من المرض.
- بالتأكيد ستبقى بكتيريا السل ومعها أنواع متعددة من البكتيريا المعدية تطور آليات مقاومة لجميع انواع المضادات الحيوية التي أصبحت تستعمل بكميات كبيرة وفي كثير من الحالات بدون خبرة كافية في علاج امراض الانسان والحيوان او للوقاية من الامراض المعدية، وحتى الآن لا توجد وسيلة علمية او عملية تمنع كلياً وقف عملية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
والخلاصة: من المهم ان نعرف ان وقف عودة انتشار بكتيريا مرض السل المقاوم للعديد من المضادات الحيوية، يتطلب ان تقوم المؤسسات الحية الرسمية والخاصة عندنا وفي العالم وبالتعاون مع جميع الاطباء والمعالجين والصيادلة بتنظيم اسس استخدام المضادات الميكروبية في مجال المعالجة والوقاية عند الانسان وفي مزارع تربية الحيوانات والطيور والاسماك، وعليهم ان يتبعوا التوصيات العالمية التي تحدد بدقة الكمية والمدة الزمنية لاستعمال كل صنف من الدواء، وخلاف ذلك لن نستطيع السيطرة على مقاومة الميكروبات لادوية المضادات الحيوية، وسيزيد عدد الذين سيموتون بأمراضها المعدية.
الأستاذ الدكتور عاصم الشهابي كلية الطب - الجامعة الأردنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com