السبت، 21 أبريل 2012

"اللوام": هروب من المسؤولية بتعليق الأخطاء على شماعة الآخرين


منى أبو حمور

عمان- البحث الدائم عن "كبش فداء" هو ما يحاول الأربعيني خالد محارمة، القيام به في كل مرة تواجهه مشكلة أو حتى عند إخفاقه في اتمام مهمة موكلة إليه، راميا الحمل على غيره من الأشخاص.
ويشير محارمة إلى أن الظروف السيئة هي التي تعاكسه دائما، فكل ما يتعرض له من مشاكل وسوء حظ ليس من صنع يده، لاسيما في الأحداث التي تكون من صنع البشر وليس تلك القدرية.
محارمة يعبر عن وصف من حوله له بـ"اللوام والمتهرب من المسؤولية"، مبينا أنه "من غير المنصف أن ينعتني من حولي بأني إنسان كثير اللوم، فعلى الآخرين أن يتحملوا المسؤولية فيما يحدث معي من مشاكل خصوصا تلك التي تتعلق بالعمل وما يرافقه من توتر جراء التأخر في تنفيذ الكثير من المهام التي ترتبط بالعمل بشكل مباشر".
كثيرون يلقون بمسؤولية ما يحدث لهم من أمور سيئة على من حولهم، حيث يشبعونهم باللوم، ويحملونهم الإخفاق في الدراسة او العمل او حتى خسارة الاموال، ويصل ولع بعضهم في القاء اللوم على الآخرين إلى حد تحميلهم مسؤولية كسر "كاسة" شاي كانت بيده.
الثلاثيني معاذ الزعبي يشكو من كثرة لوم أخيه الذي يلقي عليه المسؤولية عندما يخفق في الدراسة، "لومه المتكرر بات يصيبني بالتوتر وعائلتي وأصبح الوضع لا يطاق"، منوها إلى عدم قدرتهم على التعامل معه، خصوصا وأنه دائم اللوم والشكوى ولا يتردد على لسانه سوى " لو عملتولي كذا ما كان صار كذا".
وتستنكر العشرينية ليلى الخالدي، لوم زوجها لأي أمر صغير يحدث في المنزل، ملقيا اللوم في كل شيء يحدث في المنزل على زوجته، حتى وإن كانت خارج البيت، "حتى إن لوم زوجي ليس مقتصرا على ما يدور في المنزل فحسب، بل يحملني كذلك ما يتعرض له خارج المنزل وفي الدوام"، وفقا لما تعبر.
وتقول "لومه المتكرر يسبب لي الضيق، حتى إنني بتّ أخشى من أن تحدث أي مشكلة أتحمل ذنبها"، مبينة أن أتفه الأحداث التي تمر معهم تكون هي المسؤولة عنها، مؤكدة أن أكثر ما يزعجها لوم زوجها المتكرر لها بتقصيرها في تربية أبنائها، خصوصا عندما يحدث أحدهم مشكلة ما أو يقصر في الدراسة.
استخدام اللوم بشكل مفرط "يعبر عن حيل دفاع يستخدمها الشخص عندما يشعر بالتهديد نحوه، فيقوم بنقل هذا التهديد للآخرين عن طريق لومهم وتحميلهم المسؤولية" وفق اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ.
ويقول الشيخ: كلما زاد مستوى اللوم الواقع على الشخص، فإنه يحاول الدفاع عن نفسه، فالقضية في استخدام اللوم، تبين تهرب الشخص من تحمل مسؤولياته اتجاه الحدث، فيقوم بالبحث عن شخص آخر يلصق به التهم".
ويعتبر أن اللوم عملية نفسية دفاعية هروبية تجنب الشخص تحمل مسؤولية ما يحدث معه فيلوم الآخر.
ويؤكد الشيخ أن وجود شخص لوام يسبب لدى الآخرين مشاعر سلبية، بسبب اتهامهم بعدم تحملهم لمسؤولياتهم في حين يمكن أن يكون هو المقصر، لاسيما وأن توقعاته بالآخرين تكون دائما مرتبطة بمصلحته الشخصية، إضافة إلى انه يولد لدى الآخرين الشعور الدائم بالتقصير.
يشير خبير الطاقة الدكتور حسام قطب، إلى أن وجود الشخص اللوام الذي يبقى يلوم الآخرين باستمرار، ويرفض الاعتراف بخطئه وتقصيره يولد لدى الآخرين طاقة سلبية، خصوصا عندما يصر الشخص المقابل على عدم ارتكابه الخطأ وأنه غير مذنب، الأمر الذي يؤدي إلى استنفاذ طاقته الإيجابية.
يرى قطب، ضرورة التعامل مع الشخص اللوام بهدوء، ومن الأهمية مناقشته بالمنطق والعقلانية بعيدا عن اللوم والعصبية، إذ من الصعوبة أن يعترف هؤلاء الاشخاص بغلطهم، وإن كانوا متيقنين من أنهم على خطأ، إلى جانب مواجهتهم بطبيعتهم اللوامة التي قد تؤذي من حولهم.
اختصاصي علم الاجتماع الأسري الدكتور فتحي طعامنة يؤكد أن اللوم بصورة عامة صفة "غير مرفوضة" من قبل الآخرين، فعندما لا يرى الشخص غير السلبيات في الآخرين، يصبح إنسانا غير مرغوب به من قبل الناس.
ويلفت طعامنة أن تكرار اللوم يتحول مع الوقت إلى بغضاء، فيصبح الناس لا يحبون هذا الإنسان اللوام ولا يرغبون بمجالسته ومخالطته، الأمر الذي يتطلب من الشخص التعامل مع الآخرين بنوع من اللين والمحبة ليجد القبول.
وفي إطار العلاقات الأسرية يمكن أن تكون بعض الممارسات لا تروق للطرف الآخر وتوقعه بإحراج، فإلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم المسؤولية يحمل نوعا من الفضاضة "إذ إن الأصل بالزوجين وأفراد الأسرة الابتعاد عن اللوم وتقديم النصح، خصوصا وأن اللوم يولد عند الآخرين نوعا من الحرج".
وأفضل طريقة للوم، بحسب طعامنة، أن يلعب كل من الزوجين دور النصح والتقويم للآخر، وليس القيام باللوم وذلك من خلال السؤال والنصيحة غير المباشرة، حيث لا تسبب أذى نفسيا للطرف الآخر.
وينصح باتباع الخطوات التالية للفت نظر الآخر اتجاه أي خطأ معين وعدم القاء اللوم عليه: أن يكون النقد بطريقة غير مباشرة، إلى جانب اختيار الوقت والمكان المناسبين لتوجيه النقد،حتى يكون بناء وليس لوما، فضلا عن مدح الطرف الآخر وذكر محاسنه وإيجابياته وتهيئته لتوجيه النقد إليه.
وينصح طعامنة بعدم الاكثار من اللوم، والاعتراف بأن الإنسان بطبيعته يخطئ، وأن ارتكاب الخطأ ليس بنهاية الدنيا.
الشخصية اللوامة تستخدم دائما طرفا ثالثا تعلق عليه مشكلاتها، وهو ناتج عن عدم تحمله للمسؤوليه، ولا تواجه نفسها، وبالتالي تدخل في سطحية تفسير الأشياء، وفق خبير مهارات الاتصال ماهر سلامة.
ويجد سلامة أن الحوار الذي يعتمد على الحقيقة، وملامستها وعدم وصف الأشياء من بعيد، هو الذي يجعل وجود تواصل بين الشخص اللوام ومن يحيطون به، مؤكدا أن التعامل مع الشخص اللوام، يجب أن يستند على الحقائق، وفي اطار من الحوار العلمي البعيد عن الحساسية الشخصية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com