الأحد، 29 أبريل 2012

الرياضة ضدّ الباركنسون ومع رونق الحيوية الدائمة



صورة

هنالك فرضية صحية مهمة تنحاز الى خيارات الناس التي تشتعل بالحب والحيوية.
 هنا؛ قصة تفيد في فهم اليات التعامل مع المرضى ،همومهم وافكارهم .
 قبل بزوغ الفجر، يبدأ تشاك ليندرمان تمارينه اليومية في القارب – المنزل حيث يقطن في مدينة ألكسندريا في ولاية فيرجينيا. تتوزّع عادةً تمارينه الرياضية على الشكل التالي: 30 دقيقة من التجديف بواسطة آلة 2 Concept، 30 دقيقة من تمارين رفع الأوزان، و30 دقيقة من ركوب دراجة ثابتة.
يحرص ليندرمان على إجهاد نفسه حتى يبلغ مرحلة يبدأ فيها بالتصبّب عرقاً ويستنفد فيها طاقته كلها. بالنسبة إليه، تمارينه هذه ضمانة لبقائه على قيد الحياة، وسلاح يقاوم به مرض الباركنسون.
تشاك ليندرمان واحد من ملايين الأميركيين المصابين بمرض تآكل الأعصاب، الباركنسون الذي يقتل خلايا الدم المسؤولة عن التحكم بقدرة الجسم على التحرّك، وقد شخِّصت إصابته به منذ ستة أعوام عندما لاحظت زوجته أن يده اليمنى كانت تتحرّك بغرابة وأنه كان يجد صعوبة في تبكيل أزرار القميص العليا. الحال هذه، نصحه طبيبه بمراجعة طبيب أمراض عصبية. يقول ليندرمان (64 عاماً): «تطلّب الطبيب أقل من 15 دقيقة لتشخيص المرض».
بحسب صحيفة «الواشنطن بوست»، أدى التجديف الذي كان ليندرمان يمارسه قبل إصابته بالمرض دوراً مهماً في حياته. لحوالى عقد من الزمن، بقي ناشطاً في برنامج «ماجستير التجديف» الذي وضعته جمعية ألكسندريا، وقد ساعدته هذه الرياضة على الاستجابة للمرض سريعاً ومحاربته بطريقة يبرع فيها، وهي التمارين الرياضية القاسية. يذكر ليندرمان الذي تقاعد منذ عامين من عمله كمدير لاتحاد شركات الطاقة: «ما البديل عن الرياضة؟ أكان حري بي الاستسلام للمرض والغرق في دوامة الإعاقة الجسدية؟».
معروف أن ممارسة أي نوع من التمارين الرياضية تساعد على محاربة مرض الباركنسون. مايكل أوكين المدير الطبي لمؤسسة باركنسون الوطنية التي تركز على أهمية التمارين الرياضية في محاربة المرض، يشرح أنه قبل تطوير العلاج الدوائي الفاعل في ستينيات القرن الماضي كانت حالة مرضى الباركنسون تتحسّن غالباً جرّاء ممارسة أي نشاط بدني حتى لو كان طيّ الغسيل.
صحيح أن عالم الأدوية يقدّم اليوم لمرضى الباركنسون وسائل فاعلة للتخفيف من عوارض الداء في مرحلة مبكرة، إلا أنه لمعظم الأدوية عوارض جانبية تبدأ بالغثيان وتنتهي بالحركات اللاإرادية ومشاكل الذاكرة. فضلاً عن أن كثيراً منها يفقد فاعليته مع مرور الوقت.
غالبية التمارين التي يمارسها ليندرمان، بما فيها ركوب الدراجة الثابتة اليومية والتجديف القاسي، بالإضافة إلى حمل الأوزان مرّتين أسبوعياً بإشراف مدرّب شخصي، هي ذاك النوع من التمارين الذي يثير اهتمام الباحثين. يقول بعض الدراسات إن تحدّي عضلات الجسم عن طريق ممارسة حركات مقاومة متكرّرة مضنية قد يساعد على التقليل من بعض عوارض الباركنسون.
في هذا الإطار، أظهرت دراسات أولية أنه بعد ثمانية أسابيع من ممارسة تمارين ركوب الدراجة بمعدّل ثلاث مرات أسبوعياً بوتيرة تؤدي إلى التعرّق وزيادة معدّل خفقان القلب، استعاد بعض المرضى قسماً كبيراً من قدرته على الحركة لمدّة أربعة أسابيع تقريباً. صحيح أن التمارين الرياضية المضنية لا تشفي من الباركنسون، إلا أنها تَعِدُ بإمكان مواجهة عدم القدرة على الحركة التي يتسبّب بها هذا الداء وحتى تأخيرها.

تمارين فاعلة
استثمرت مؤسسة مايكل جيه فوكس لأبحاث مرض الباركنسون ما يقارب الثلاثة ملايين دولار لدراسة التمارين الرياضية القادرة على التخفيف من حدّة الداء. يقول الدكتور أوكين الذي يعمل في مؤسسة الباركنسون إن الأبحاث الحالية ترمي إلى إيجاد أكثر التمارين فاعلية. يتابع: «ما نعرفه هو أن المريض يحتاج إلى التصبّب عرقاً. لكن نجهل أي نوع من التمارين تحديداً هو الأكثر فاعلية، والمعدّل الأقصى لممارستها، والفوائد الطويلة الأمد المتأتية منها».
يعمل الباحث في مرض الباركنسون جاي. ل. ألبرتس في عيادة كليفلاند، وقد اكتشف مصادفة فائدة تمارين ركوب الدراجة المكثّفة منذ ثمانية أعوام عندما كان يقود دراجة ذات مقعدين في مختلف أنحاء آيوا مع صديقة مصابة بهذا الداء. يشرح: «كان هدف الرحلة الإظهار ببساطة أن مريض الباركنسون يستطيع أن يعيش حياة نشيطة». لكن حصل شيء لم يكن في الحسبان. فصديقته التي كان المرض قد سلبها القدرة على الكتابة بشكل مقروء، قد أصبحت قادرة فجأة على كتابة اسمها بشكل أوضح بعد اليوم الأول من تمارين الدراجة المضنية.
في شتاء العام التالي، ركب ألبرتس الدراجة مع مرضى الباركنسون في توكسون وغيرها من المدن، يذكر: «سمعت بالنتائج نفسها فعرفت حينها أنه لا بد من متابعة هذا الموضوع».
مضت خمسة أعوام على الأبحاث التي يقوم بها ألبرتس حول تأثير تمارين ركوب الدراجة المكثّفة على مرضى الباركنسون. بفضل منحة بقيمة 1.5 مليون دولار حصل عليها من معاهد الصحة الوطنية ومن وزارة شؤون المحاربين القدامى، أنهى دراسة شملت 60 شخصاً وبدأ أخرى تشمل 100 مريضٍ.
مع أن دراسته لم تتوصل إلى أي إجابات نهائية ونتائج حاسمة، إلا أنها أثارت اهتمام باحثي مرض الباركنسون، وساهمت في انتشار برامج ركوب الدراجة الداخلية في كل من سياتل وكليفلاند وساراسوتا في ولاية فلوريدا، علماً أنه يتم التخطيط حالياً لبرنامج سيطبّق في لوس أنجليس.
في الدراسة المنتهية حديثاً، طلب ألبرتس من المرضى ركوب الدراجة الآلية في قاعة رياضة مغلقة. في البداية، فحصهم لتحديد سرعة الأداء التي كانوا يرتاحون لها والتي كانت حوالى 60 دعسة في الدقيقة، ثم طلب منهم في مرحلة ثانية زيادة سرعة أدائهم بنسبة 35%.
بعد القيام بثلاث جلسات أسبوعية، أظهر المرضى كلهم تقريباً تحسناً في حركتهم وفي قدراتهم الحركية الصغيرة، مع الإشارة إلى أن أياً منهم لم ينسحب من برنامج التمارين الرياضية الصارم.
مع أن عملية ركوب الدراجة تشمل الساقين، إلا أن حركة المرضى تحسّنت في مناطق أخرى من الجسم، كما في اليدين مثلاً حيث تحسّنت قدرتهم على فتح العلب. يقول ألبرتس: «أحدثت التمارين الرياضية تغييراً شاملاً في دماغهم». عندما مسح أدمغة المشاركين في البحث، تبيّن له أن التمارين الرياضية حفّزت تدفق الدم والنشاط الدماغي بفاعلية الأدوية الموصوفة عادةً لمرضى الباركنسون، يوضح: «كمن أحد أهدافنا في معرفة ما إذا بإمكاننا تأخير ظهور الباركنسون الذي يعتبر أحد الأمراض الآكلة للأعصاب. إذا نجحنا في تغيير وتيرة تطوّر الداء، سنكون حققنا إنجازاً مهماً».

تركيبة كيماوية
بغية اكتشاف حقيقة ما يجري في دماغ المريض، اعتمد ألبرتس (اختصاصي في التمارين الحركية وليس باحثاً في تركيبة الدماغ الكيماوية) على باحثين آخرين بمن فيهم اختصاصي علم الأعصاب في مركز جامعة بيتسبرغ الطبي مايكل ج. زيغموند الذي يعمل على دراسة تأثير التمارين الرياضية على التركيبة الكيماوية لأدمغة الحيوانات المصابة بداء يشبه الباركنسون.
يقتل الباركنسون الخلايا الدماغية المسؤولة عن إفراز مادة الدوبامين الكيماوية التي تفعّل الخلايا الدماغية، كذلك يقتل الخلايا العصبية المسؤولة عن إيصال الإشارات العصبية إلى العضلات، ويتسبّب عادةً بخسارة صغيرة أو كبيرة للقدرات الحركية مثل المشي أو الكتابة، أو تسديد الضربات أو ربط شريط الحذاء. أظهرت الأبحاث أنه عندما تقفز الحيوانات المخبرية على المطاحن الهوائية أو على العجلات، يزيد في دماغها تدفّق الدم ويتولد فيه عدد كبير من المشابك العصبية، أي مسارات الرسائل الموجودة بين الخلايا العصبية. كذلك تتسبب الحركة البدنية بزيادة نشاط العصبونات الدماغية.
اليوم، يعمل زيغموند على اختبار فرضية قد تبين حقيقة ما يمر به مرضى ألبرتس وتفسير سبب تحسّن حالة تشاك ليندرمان. قال في مقابلة حديثة: «يقلل الباركنسون كمية المكونات الدماغية المسمّاة بالعوامل التغذوية العصبية. بحسب فرضيتنا، يزيد النشاط البدني كمية العوامل التغذوية العصبية التي تحمي بدورها العصبونات المسؤولة عن إفراز الدوبامين».
في مثل هذا السيناريو، تعني زيادة النشاط الرياضي إنقاذ حياة مزيد من الخلايا المسؤولة عن إفراز الدوبامين. بالتالي، تخف وتيرة فقدان المريض لقدراته الحركية.
في هذا السياق، أظهر ألبرتس أن وتيرة التمرين الرياضي عامل مهم، يشرح: «لا بد لنا من التأكد من أن الشخص يمارس نشاطاً رياضياً فاعلاً. يجب أن تكون مشاركته حيوية، فممارسة تمارين ركوب دراجة قاسية تجعل المعلومات المتعلّقة بالعضلة تذهب إلى الدماغ. بالتالي، إذا زدت نوعية هذه المعلومات وكميتها، قد يؤدي ذلك إلى تغييرات كيماوية حيوية في الدماغ».
يذكر أن مدرّب ليندرمان روب كرايدر يرتكز في برنامجه التدريبي لإنقاص الوزن على نظرية مماثلة، إذ تطلب منه غالباً حركات سريعة ومتكررة من الانبطاح والنهوض، يسمّيها بتمارين رفع الطاقة بدلاً من زيادة القوة البدنية، يقول: «عندما تقوم بحركات لولبية أو بحركات القرفصاء، يرسل دماغك رسائل إلى عضلاتك»، ويعتقد أنه كلما زاد عدد التمارين، ارتفع عدد الرسائل المرسلة إلى العضلات وتحسّنت حالة مريض الباركنسون.
يؤكد كرايدر أن ليندرمان يتمتّع بعزيمة وحماسة، يعزيهما الأخير إلى الوقت الذي أمضاه في ممارسة التجديف قبل تشخيص مرضه، يوضح: «تعُلّمك هذه الرياضة الانضباط والقدرة على الاستيقاظ وممارسة التجديف بشكل يومي. لولا تاريخي الرياضي، لكنت استسلمت بسرعة للباركنسون».

برنامج
اليوم، لم يعد ليندرمان يمارس التجديف مع برنامج ألكسندريا، علماً أن لديه اشتراك لمدى الحياة يخوّله استعمال قاعة النادي الرياضية. فقد منعه مسؤولو النادي من التجديف بعدما تعرّض قبل عامين لحادث جعله يخسر توازنه ويقع على ظهره داخل القارب. يذكر أنه يشعر بالأسف لاضطراره إلى التوقف عن هذه الرياضة وأنه يتفهم قلق الإدارة بشأن سلامته، يتابع: «يطرح التوازن مشكلة لدى مرضى الباركنسون».
راهناً، يمارس ليندرمان رياضة التجديف ضمن برنامج مخصص لأشخاص يعانون إعاقات، وقد فاز بالميداليتين الذهبية والفضية في السباقين الثنائي والرباعي ضمن مجموعة سباقات «التجديف المكيّف». في السباق الثنائي، يُستخدم عادةً القارب نفسه المستعمل في السباقات العادية إنما يأتي مجّهزاً بعوامات موضوعة على الحبال لإبقائه على سطح المياه أياً كانت الظروف.

 اللياقة البدنية مهمة
يعمل الاختصاصي في علم الأعصاب في جامعة فلوريدا دايفيد إي. فايانكور على مقارنة أداء المرضى المشاركين في برنامجي تمرين وضعتهما مؤسسة باركنسون الوطنية هما «اللياقة البدنية مهمة» ) و{تمارين المقاومة التدريجية»   الذي يقوم على تحميل المريض أوزاناً يتزايد ثقلها تدريجاً.
يشرح فايانكور: «أعتقد وزملائي أنّ حث المريض على العمل بجدية وممارسة التمارين الرياضية أمر أساسي لمحاربة الباركنسون، ويبدو لي أن ليندرمان اكتشف الأمر بنفسه».
من جهته، يؤكد ليندرمان أن لمحاربة الباركنسون بالتمارين الرياضية فوائد كثيرة: «تغنيك عن تناول كميات كبيرة من الأدوية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com