الجمعة، 20 أبريل 2012

سكن الماضي وذكرياته قيد النسيان


سوسن مكحل

عمان- يحمل أشخاص ممن حققوا نجاحات وانجازات في حياتهم، ذكريات حول الماضي الذي عاشوه، وبالذات عن المكان الذي سكنوا وأقاموا فيه، ولكن بعضهم سرعان ما يتناسونه، ولا يذكرونه في مسيرتهم حتى لأقرب المقربين.
ولعل الجملة الشائعة بأن الماضي عزيز دائما، لا يوجد لها مكان في قاموس هؤلاء الأشخاص، رغم تغني الشعراء، حيث قال أبو تمام: كم منزل في الأرض يألفه الفتى.. وحنينه أبدا لأول منزل.
ويرى مختصون أن هذه الظاهرة متواجدة في المجتمع وفيها نكران وجحود للماضي، الذي كوّن شخصية الإنسان، وربما جعله قادرا على تحقيق الانجاز، مشيرين إلى أن خبرات الماضي مساهم أساسي في بناء الشخصية.
 وتستغرب دنيا علي (31 عاما)، هذه التغييرات التي أدت الى تحولات في الواقع الاجتماعي، متذكرة قصة معرفتها بمدير إحدى المؤسسات الذي كان يظهر للناس أنه من أبناء "الذوات"، ولكن وعن طريق الصدفة، "قابلت صديقه المقرب إليه في مراحل الطفولة، والذي قال إن فلانا كان يقطن في الحي الذي يعيش فيه، وتفاجأت بذلك لأنه لا يذكره بتاتا في مسيرته".
ومع أن الأمر لا يعنيها كثيرا، لكنها تعتبر أن إخفاء الحقيقة لمثل هؤلاء الذين يعتقدون أن لهم مكانة اجتماعية، سرعان ما ينكشف، خصوصا أثناء الجلسات الاجتماعية التي تعقدها المؤسسة، ويتم فيها تبادل الأحاديث، فهي تكون مليئة بالكذب والنفاق.
وتتساءل، ما الذي يدفع الفرد للتهرب من ماضيه؟، مبينة أن من الأفضل على الشخص أن يفتخر بما حققه من إنجازات، وبخاصة أن أغلب المجتمعات تفتخر بماضيها؛ كنوع من تحقيق الذات.
وعلى النقيض، فإن محمد عبدالله (31 عاما)، لا يشعر بأي احراج من ذكر مكان سكنه، وأنه كان يقطن في منطقة فقيرة، "حتى أنني لم أجد في أحد الأيام ماء أو طعاما لقوت يومي، وكانت أمي التي ترملت في صغرها تحاول جاهدة البحث عن مصدر رزق لتعليمنا"، وفقا لما يقول.
ويقطن عبدالله، في أحد المخيمات، وما تزال والدته واخوته يسكنون فيه، ورغم انه أصبح مهندسا في إحدى الشركات الهندسية في دولة خليجية، فان تذكره لماضيه يشكّل له مصدر قوة، وليس ضعفا، لأن من يتنكر لماضيه فهو مريض ويجب أن يتعالج كي لا تتفاقم حالته، بحسب ما يرى.
ويعود عبدالله وخلال اجازته إلى سكنه القديم الذي يحضن والدته، ليستعيد الحنين إلى الماضي، ولا ينسى أنه سكن تلك المنطقة، حتى لو عاش في برج "عاجيّ"، مبينا أن التحدي والإصرار وثقة والدته به وباخوانه، جعلت منه إنسانا طموحا، يستطيع أن يحقق الكثير، ويستذكر الماضي كلما شعر بالإخفاق ليبدأ من جديد.
وهناك فئة من الناس غير قادرة على مصارحة نفسها، في تذّكر منطقة السكن الأولى، لأسباب متعددة منها، مرتبط بالبنية الشعبية وأخرى بالفقر وأمور اخرى يحاولون نسيانها وتجاوزها مع مرور الزمن.
وأكثر ما يغيظ منال عبد الغفور (32 عاما)، المتزوجة منذ سبعة أعوام، أن تتحدث بعض الشخصيات البارزة عن حياتها عبر قنوات التلفزة، بشكل يوحي بأنهم أبناء "ذوات وباشاوات"، فيما الحقيقة هي غير ذلك، الأمر الذي يجعلهم اضحوكة للآخرين.
وتجد أن البعض يتحدثون بكلمات غير متواجدة في قاموس حياتهم، مبينة أن ذلك ينطبق على الكثيرين من أبناء المجتمع، خصوصا الذين ينتقلون من منطقة شعبية إلى منطقة أكثر رقيا حسب ما يعتقدون.
وتقول"إن بعض جاراتها اللواتي يسكن الى جوارها في إحدى مناطق عمان الغربية، عندما تسألهن عن مكان سكنهن القديم يختلقن الأكاذيب، ومنهن من يشعرن بأنهن جئن من دول (فضاء)، أو يتحايلن على السؤال برد السؤال لمعرفة المستوى المقابل لهن".
وتجد أن الأسئلة لبعض الأفراد مزعجة، معتبرة أن الماضي جزء من الأنسان، والخوف والهرب منه، يعد فشلا ذريعا لا يستمد منه الفرد، إلا الضعف والسقوط بنظر الآخر كون الإنسان يتطوّر، ولا يخجل من مكان سكنه القديم وكأن الوجود في الحي أو الشارع القديم بمثابة "عار"، مع أن الأصل في تلك المناطق أنها ركيزة المجتمعات ويجب الافتخار بها.
ويعتبر أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية د. حسين خزاعي، أن هذه الظاهرة متواجدة في المجتمع "للأسف الشديد"، وهي نظرة سلبية تعد نكرانا وجحودا للماضي، الذي كوّن شخصية الإنسان، وربما جعله قادرا على تحقيق الانجاز.
وعلى الانسان أن لا يخجل من ماضيه، بحسب الخزاعي، ويعتبره نقطة قوة تدفعه إلى الأمام بغض النظر عن التخوف من نظرة المجتمع.
ويشدد الخزاعي على أهمية أن يعي الإنسان الذي يتنكّر إلى مراحله العمرية ومنطقة سكنه، بان يراجع نفسه ويعلم أن تصرفه خاطئ، لأنه قد يجد على الدوام اشخاصا يذكرونه بماضيه، فعليه عدم الخجل من الأمر وجعله مفتاحا للنجاح والتفوق في حياته، والتواصل مع أقاربه وأصدقائه القدامى والجيران.
ويؤكد اختصاصي علم النفس أحمد الشيخ، أن مثل تلك الظواهر تعد نوعا من إنكار الخبرات والتجارب الماضية، وعدم مواجهة الماضي من الناحية النفسية، ومن أساليب الحيل الدفاعية، التي يستخدمها الأشخاص للهروب من ماضيهم.
ويدعو مثل هؤلاء إلى عدم الخجل والتهرب، وانكار الماضي، فالانسان مكوّن من كيان متكامل لا يمكن تجزئته، وخبرات الماضي هي المساهم الأساس في بناء الشخصية وفقا لما يقول.
وينصح الشيخ أن يعمد الأفراد الذين يتهربون وينكرون ماضيهم بمختلف الطرق والوسائل المتاحة، أن يكونوا أكثر انسجاما مع واقعهم وماضيهم، وأن يتعاملوا مع ذكرياتهم بشكل أفضل، لأن ذلك يعمل على التصالح مع الذات، التي هي من أعلى مستويات الصحة النفسية، وعكسها تماما، يعني تدهورا في الصحة النفسية وحدوث اضطراب متكرر وهواجس مختلفة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com