الأحد، 22 أبريل 2012

العنف: مشاجرات كارثية والأسباب بسيطة


منى أبوصبح

عمان- يبدو أن لغياب لغة الحوار وقيم التسامح والتفاهم بين الناس، نتائج وانعكاسات سلبية تتحول لسلوكيات تستند على القوة والعنف والتوتر وفي مجتمع يتحول فيه أبسط سوء تفاهم لمشاجرة كبيرة؛ تبدأ فردية وسرعان ما تتحول إلى جماعية. 
ويسرد خليل عبد الوهاب (30 عاما)، قصته أثناء زيارته لمنزل ابن عمه في أحد الأحياء الشعبية؛ حيث ركن سيارته أمام العمارة التي يقطن بها، ليتحول هذا الأمر إلى نتائج "كارثية" على حد وصفه.
يقول "تعالت الأصوات في الشارع، أثناء جلوسي وتبادلي الحديث مع ابن عمي وعائلته، وفي الوقت ذاته حضر طفل صغير يخبرني بتحريك السيارة من مكانها حتى يركن أحد سكان العمارة سيارته، فأسرعت للمبادرة بتحريك سيارتي، لأتفاجأ بسيارتي التي أزيل عنها الدهان، و"مشخطة" من كل الجهات، فيما كان خمسة أشخاص يلتفتون إليّ، ويوجهون اللوم لي وكأنني ارتكبت جريمة".
لم يتمالك عبد الوهاب، وابن عمه أعصابهما في تلك اللحظة، حتى احتد العراك بين الطرفين، وتجمع الأهالي في المنطقة وحاولوا ايقاف الشجار الذي نجم عنه اصابات متعددة استدعت الذهاب للمستشفى.
ويستغرب أبو رائد (70 عاما) من انتشار ظاهرة العنف والمشاجرات التي برأيه لا يبررها الفقر والغلاء الفاحش، ويقارن المجتمع قبل عقود قريبة وكيف كان يتسم بالشجاعة والنخوة ولم تكن مثل هذه الظاهرة منتشرة بهذا الشكل، لافتا إلى "انعدام كثير من السلوكيات والعادات الحميدة في الوقت الحالي من قبل البعض، لتحل مكانها المشاجرات والسلوكيات السلبية".
ويروي أبو رائد مشاجرة نشبت بين رجلين أثناء تواجده في أحد المخابز، وذلك لمحاولة أحدهما تجاوز الاصطفاف في الطابور لشراء الخبز، حيث عبر الجميع عن استيائهم من سلوك ذلك الرجل بتوجيه اللوم له، لكنه لم يكترث في الأمر، فاثار غضب أحدهم وأمسك بيده قائلا، "هناك دور وعليك الالتزام به كالآخرين، اتفضل وارجع للوراء".
ويتابع حديثه قائلا، احتد الشجار بين الطرفين، وبدأ التراشق بالألفاظ النابية بينهما، "وحاولت مع الموجودين فك النزاع بينهما لكن من دون فائدة، فلم يسمعا أو يستجيبا لأي أحد".
ويرى الاختصاصي النفسي خليل أبوزناد، أن ظاهرة المشاجرات لأبسط الأسباب تصيب كل طبقات المجتمع، مبينا أن الناس بشكل عام، وفي ظل ظروف صعبة نتيجة تدني الدخل، تسود بينهم حالة من التوتر، فتنعكس سلبا على العلاقة بينهم.
ويقول، "نحن مجتمع مضطرب وعصبي، وعاداتنا وتقاليدنا تزرع بالقوة في أطفالنا منذ الصغر بمفهوم خاطئ، ويتمثل ذلك؛ بأخذ الحق باليد، "اللي ضربك اضربه"، في وقت لا نستطيع استبدالها بمقولة العفو عند المقدرة".
ويعتقد أبو زناد أن غياب التوعية والتوجيه من قبل الأهالي، وغياب الاحترام بين الناس، يسهم في ازدياد ظاهرة العنف والشجار بين الناس، ويدلل على ذلك؛ بأنه أثناء تواجده في بريطانيا، اصطدم بامرأة في الشارع، فسرعان ما بادرت بالاعتذار له، ونفس المشهد في عمان، فكانت اجابة المرأة (فتح يا أعمى).
وتعبر ربة المنزل، ألفت حمدان (38 عاما)، عن استيائها وغضبها للمشاجرات التي تحدث بين الصغار، والتي يضخمها الكبار، وتتطور في بعض الأحيان لتطال الجميع من دون استثناء الرجال أو النساء.
وتروي قصة تعرضت لها جاراتها قبل فترة بقولها: "كنّا مجموعة من النساء الجارات نتعامل كأسرة واحدة، يسود بيننا التفاهم والأخوة، ونتزاور في كل المناسبات، ونلتقي اسبوعيا في منزل إحدانا بالتناوب، إلا أن حدثت مشاجرة بين أطفال من الجيران، لتتطور إلى معركة كبيرة طالت الكبار".
وتصف تلك الحالة، حيث تحول الفرح الغامر والسعادة التي كانت تغمر النساء، إلى حالة كئيبة، شملت بعض الجارات والأزواج فيما بعد، وكبرت المشكلة وتفاقمت وسادت القطيعة بين الجيران.
وتقول "حاولت بعض الجارات انهاء المشكلة لكن دون جدوى، ولعل ما زاد الأمر عجبا واستغرابا عندما انضمت كل جارة من الجارات لطرف على حساب طرف، وسادت القطيعة مكان اللقاء".
وترى الاختصاصية الأسرية والإرشاد التربوي سناء أبو ليل، أن سبب المشاجرات بين الأطفال، يعود إلى الأنانية وحب السيطرة، لأن الأهل لم يعلموا أبناءهم الإيثار منذ الصغر، حيث تنامت لديهم الأنانية، وكبر العنف، مع عدم الشعور بالمسؤولية، مبينة أن الأمور قد تتطور بشكل ملحوظ وتتحول لظاهرة العنف بين الطلاب في الجامعات.
وترجع هذا الموضوع إلى قيم الأسرة، التي تحدد شخصية أفرادها كاملة، من قبل الأم والأب اللذين يعملان على زرع هذه القيم داخل نفوس الأبناء، وخاصة ما يتعلق بتعزيز قيمة الاحترام، والترفع عن سفائف الأمور.
وتقول"إن التسامح ليس ضعفا، لأن القوة بالشخصية، فعندما نملك أنفسنا أثناء الغضب، فهذه هي القوة وهذا هو الشخص القوي، فلم يكن من السهل استفزازه".
وتؤكد أن الأسرة الصغيرة هي امتداد للكبيرة، فالوعي يأتي من الاطلاع والتفكير، حيث  تسمو الأسرة وتكبر وتحافظ على القيم والأخلاق، فتكون أسرة مميزة، يشار إليها بالبنان وتخرج نماذج فعالة في المجتمع.
ويعزو الاختصاصي الاجتماعي د.حسين خزاعي، سبب انتشار العنف وحدوث المشاجرات، إلى غياب الضبط الاجتماعي، وسلبية دور الأسرة التي بدأت تبتعد عن أدوارها في عملية الإرشاد باتباع الطرق السليمة في التعامل مع الغير.
ويقول، "وللأسف نشهد ثقافة أخذ الحق باليد واللجوء إلى العنف، بشتى الوسائل والطرق وتفاقم المشاجرات لأقل الأسباب وتصعيدها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com