الاثنين، 7 يناير 2013

شباب وفتيات يتبادلون ألفاظا "بذيئة" دون حرج


مجد جابر

عمان- صدمةٌ قويةٌ بدتْ على وجه الثلاثيني مسعود إبراهيم، بعد أن استمع إلى حوار بين شباب وفتيات في أحد الكافيهات. فالكمُّ الهائل من الشتائم والألفاظ النابية التي تملأ كل جملة يقولها هذا الشاب أو تلك الفتاة، كان لا يحصى ولا يعد.
غير أن الذي أثار استغراب مسعود أكثر هو تقبل الفتاة لهذه الكلمات "البذيئة"، وكأنها وسيلة تحبّب أو تقرّب وترحاب.
يقول مسعود "من دون قصد، وبسبب ارتفاع أصواتهم وأصواتهن جلستُ أستمع لطبيعة الحديث، وهم يشتغلون على بحثٍ جامعي، فراعني ما سمعته من شتائم لا صلة لها بالأخلاق، ناهيك عن سبّ الوالدين، بكلمات تنطق بها ألسنتهم بكل عفوية وأريحية، وكأنها كلمات ترحيب".
ولعل تبادل الشتائم والكلمات القبيحة بين الذكور والإناث انتشر مؤخرا بوصفه "من وسائل إظهار الانفتاح والتطور"، وفق قول كثيرين ممن يميلون لهذا الأسلوب، فلا يراعي أي طرف أي حدود أو أخلاقيات. 
وما يلفت النظر أكثر هو "انجراف" الفتيات نحو مثل هذه السلوكيات، وإزالة كل الحدود والضوابط، لتصبح الشتيمة والألفاظ النابية من الأمور العادية في التعامل والتواصل.  
في هذا الشأن تعترف العشرينية رُبى أسعد، أنها عندما تجتمع هي وصديقاتها ولا يجدن حرجا في تبادل السباب والشتائم بينهن، تتخللها فترات صمت قصيرة بين الحين والآخر، ويواصلن "السباب" بدون حرج، خاصة إذا اقتصرت الجلسة عليهن وحدهن بعيدا عن أي مشاركة ذكورية.
وتضيف أنه في حال انضمام أي من الأصدقاء الشباب إليهن، فإنهن يستمررن في الشتم، "كنوع من إضفاء جوّ من المرح على الجلسة"، وفق قولها ولكنْ بطريقة أخف ممّا لو كنّ وحدهن، مبينة أنه عندما تطلق أيٌّ منهن ألفاظا بذيئة في وجه صديقتها تأتي الألفاظ "للتقرب، وكسر الحواجز والكلفة بينهن".
اختصاصي علم الاجتماع د. حسين محادين يقول من منظور نظرية "الثقافة الفرعية" بالنسبة للشباب، كما يسميها، فإنها ببساطة تؤشر إلى أن تصرفات الشباب باتت تشكل جزءا من ثقافة المجتمع المكتسبة.
ويتابع محادين إن بعض الدراسات ذهبت في هذا الحقل إلى القول إن هناك سمات أو خصائص باتت تُميز هذه الثقافة عند الشباب، ومنها طول ساعات الفراغ، والرغبة في تقليد النماذج الاجتماعية الغريبة، التي تؤدي إلى تشويه الملامح الشخصية للشاب، وتشويه طرق التعبير اللفظي التي بات يستخدمها معظم الشباب من الجنسين، وكأنهم صاروا فئة متجانسة، تتواصل عبر هذه العلاقات الزائفة التي لا نكاد نفرق فيها بين هذا الجنس وذاك. 
ويضيف أنه يلاحظ إخلال الشاب بقيمه الفردية والاجتماعية، وتحرّره المبالغ فيه، الذي كثيرا ما يترجمه سلوكيا، عبر استخدامه لتعبيرات مؤذية، وسوقية ومنفرة. ولا شك أن هذا السلوك يمثل مستوى تنشئة هذا الشاب، أو تلك الشابة، ومدى قصور وعيهما، ولعل الغريب في الأمر تقبل الشاب أو الفتاة التعامل من خلال هذه الرسائل اللفظية المعنّفة، أو الخادشة.
ويرى أن هذا التعامل "يعزز التفاعل السلبي" فيما بين الذكور والإناث، ومن ثم خروج هذه العلاقة عن محدداتها التربوية، المنافية أصلا للتنشئة الاجتماعية والدينية التي يتلقاها الشباب من الأسرة، ومن غيرها من القنوات التربوية.
إلى جانب الاعتقاد الزائف لدى بعض الشباب بأن المعاصرة أو الحداثة تتطلب مثل هذه السلوكيات الفردية، الناشزة عن ثقافات المجتمع.
وفي هذا تقول إيمان إنها لم تتمالك أعصابها بعد أن سمعت خلال خمس دقائق متواصلة، من مكالمة بين فتاتين، تحوي كلها كلمات بذيئة وشتائم من "العيار الثقيل جداً"، مستغربة مِن تحمّل إحدى الفتاتين لذلك الكلام، ومن ردّها على ابن خالتها بمثل ما سمعته منها، وهي تتظاهر أن كل الكلام مجرد دعابة ومزحة، ليس إلا! 
ويضيف محادين أن من يرى مثل تلك الممارسات على مستوى الشلة سيكتشف أن هذه السلوكيات تمثل تهديداً للبناء الاجتماعي والأخلاقي المشترك بين شرائح المجتمع على اختلافها، مبيناً أن غياب التوجيه والمتابعة المجتمعية لمثل هذه الممارسات، سواء في الأسرة، أو الجامعة، أو المسجد، أو الكنيسة، وحتى في وسائل الإعلام المختلفة، سيقود في النهاية إلى إقرار المجتمع لهذه الحالة المَرضية المتفاقمة، المسيئة للأخلاق ولقيم المجتمع، لتصبح في النهاية "قيما ثابتة".
ومن وجهة نظر علم النفس يرى الاختصاصي النفسي د.محمد حباشنة أن الشباب يعتبرون مثل هذه التصرفات كجزء من "ثقافة الجيل"، لأن كل جيل، في رأيهم، يختلف عن الجيل الذي سبقه، لافتا إلى أن هذه ثقافة مستوردة، فهي غربية وأميركية بشكل خاص، علما بأن الحوار بين الشباب الأميركي غاليا ما يكون مطعّما بالكلمات التي تخدش الحياء، ولا تقيم للأخلاق وزنا. 
إلى جانب أن المجتمع في الوقت الحالي هو مجتمع انتقالي، ولم توضع له حتى الآن أسس ومعايير، وألفاظ ولغة واضحة، كونه وُجد في مرحلة رمادية تقع بين العصرنة والحداثة من جهة، وبين عصر التقاليد المحافظة من جهة أخرى، ولذلك يتم الخلط بين العصرين بصورة غريبة. 
ويشير حباشنة إلى أن من يقع في مثل هذه السلوكيات السلبية هم الشباب الذين لم يتشكل عندهم الوعي الأخلاقي بعدُ، فنلاحظ وجود شباب هجين، وألفاظ هجينة، وحوار هجين، لافتا إلى أن الخروج من هذه السلبيات لا يتأتى إلا بدور البيت، والمدرسة، والمثقفين ومؤسسات التنشئة، في تغيير هذه المفاهيم السلوكية الخاطئة، وبناء شباب يحترم نفسه ويقدّر الآخرين.
في حين يرى الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله أن هذه الظاهرة هي جزء من ضريبة الانفتاح الذي نعيشه، مبينا أنها ليست حديثة، لكنها تنتشر وتتسع وتنكشف وتصبح شائعة، بعد أن ظلت لأسباب كثيرة، "محصورة" لفترات طويلة. 
ويرى أن مثل هذه الأشياء تنتقل عبر التجمعات، حتى صارت جزءا من الثقافة التي تقول أنه لا يوجد بين الأصحاب خصوصية، حتى وإن اختلط الجلسات بين الذكور والإناث.
ويضيف عبدالله أن مفهوم الأجيال الحديثة للصداقة والاحترام مفهوم يشوبه الكثير من الخلل والاعوجاج، فالأخلاق هي قوام حياة الشباب، ذكورا كانوا أو إناثا، داخل البيت وخارجه. لكن الأسر، كما يقول عبد الله، مع الأسف، لم تعد تنْتبه إلى هذه القضايا وسلبياتها، ولم تعد تضطلع بتوجيه أبنائها وبناته التوجيه اللائق.
ويشير إلى أن هذه التصرفات مستهجنة وغير مقبولة من كلا الطرفين، إلا أنها مستهجنة أكثر عند البنات على الخصوص، كونها تخالف طبيعتهنّ إلى حد كبير، مبينا أن الجيل أصبح أكثر جرأة ووقاحة، وباتت الألفاظ البذيئة على ألسنة الشباب والبنات بشكل عادي، والأدهى والأمر أن الفتاة صارت تستسيغ الكلمة القبيحة بكل رحابة صدر ولا تجد أي حرج في أن ترّد بمثلها.

 majd.jaber@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com