الخميس، 31 يناير 2013

العلاج الكيماوي... المبررات وفنون الاستخدام (1/2)

صورة

دكتور كميل موسى فرام
أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية  

العلاج الكيماوي واحد من الوسائل العلاجية  بشقيها الشفائي و/أو الوقائي  ويحتل موقعا رئيسيا في الخطة العلاجية لقائمة طويلة من التشخيصات الطبية، فساعد بقدر يفوق التوقع ببلورة التقدم العلمي لمحاربة الأمراض باشكالها المختلفة خصوصا الأمراض السرطانية التي تشكل بمُسمّاها وأثرها كابوس الاقتراب من مصافحة الموت بساعته المقدرة، خصوصا لوجود ارتباط ذهني بين الدخول بمرحلة اليأس من الشفاء وبداية جرعات العلاج الكيماوي باعتبارها وسيلة إفلاس لقهر المرض، لأن اللجوء اليها يفسر بنفاد مخزون الوسائل العلاجية الجراحية.
يعود انضمام استخدام الأشكال المختلفة من العلاج الكيماوي للقائمة الطبية العلاجية والشفائية لأربيعينات القرن الماضي نتيجة الصدفة ودقة التحليل لملاحظات شفائية لغاز الخردل الذي استخدم بالحرب العالمية الثانية بتاثير شفاء سحري على الأورام الليمفاوية والعديد من الأورام الصلبة، ففتحت الباب واسعاً امام العلماء للاجتهاد وبدء مسلسل الاكتشافات الطبية لأصناف العلاجات الكيماوية، حيث يمكننا القول أن أفراد العائلة الكيماوية بتزايد مضطرد، تختلف من حيث المبرر والتأثير.
 فالأصناف الجديدة تعالج الأورام بالتوازي مع انخفاض الآثار الجانبية بالمستوى الذي يؤسس لفكرة القبول بالاستخدام، والعديد يولد بعد مخاض عسير مع الطبيعة والزمن ليوضف بخدمة المرض بقصد الشفاء أو تخفيض درجة المعاناة والألم.

العلاجات الكيماوية 
فرضت العلاجات الكيماوية لنفسها مركزا محوريا متقدما بخطوط محاربة المرض منذ سبعينات القرن الماضي، مع بزوغ شمس عنصر مركبات عنصر البلاتين بتأثيرها السحري على أورام المبيض والخصية بالاضافة لعلاج التاموكسفين وأثره على أورام الثدي كعلاج مكمل أو شفائي بدرجات ومراحل المرض المختلفة، فكبرت ساقية الأبناء لتشمل كمَّاً معتبراً من الأبناء الجدد بدرجة تأثير أقوى ومضاعفات جانبية أقل من سابقاتها، وبالرغم من ذلك، فيمكننا الادعاء أن ثورة الاكتشاف الواقعية لسلالة العلاجات الكيماوية المستخدمة في حاضر اليوم قد بدأت بثمانينات وتسعينات القرن الماضي، مقرونة بجهود بحثية وعلمية تهدف لزيادة حصرية التأثير ضد الأورام وتخفيف درجة الآثار الجانبية خصوصا تلك المتعلقة بشكوى أعراض الجهاز الهضمي والمناعي.
الزيادة المضطردة لأعداد عتاد المنظومة الكيماوية، قد رافقه تقدم مذهل لفرص المفاضلة والاختيار لتشكيل مكونات الجرعات العلاجية والتي تناسب خصوصية المرض السرطاني، خصوصا بعد تحديد مراحل النمو للخلية السرطانية بوجود رابط إخلال بدورة النمو نتيجة استخدام العلاج، لتسمى العلاجات اعتمادا على تأثيرها لفصيلين رئيسين؛ العلاجات الكيماوية المتخصصة التأثير بمراحل الدورة الحياتية للخلية وتلك غير المتخصصة بمرحلة معينة، على أن أبين أن هناك مبررات استخدام لواحد من كلا الفريقين وربما بالمرض الواحد وضمن ظروف تحددها معايير الاستخدام، بل هناك تطور وتحديث بطريقة الاستخدام لزيادة بفاعلية التأثير وتخفيف بالآثار الجانبية للعلاج. 

الأدوية الكيماوية 
دخول العلاج الكيماوي كمساهم رئيسي بالخطط العلاجية ضد العديد من الأورام السرطانية قد احتل مساحة كبيرة خصوصا بفرص التوالد لأجيال جديدة تساعد أو تحتل مكانة فتعيد ترتيب أولويات العلاج ضمن منظومة الخطط المتكاملة لمحاربة المرض، فالأدوية الكيماوية هي جزء أساسي مكون لخطط العلاج، وتمثل سلاحا طبيا فتاكا يصعب تجاهله بالخطط الحديثة التي تهتم بالتوسع لمحاربة المرض اللعين، فهناك حقيقة يجب التذكير بفحواها بأن الطبيب المعالج يستطيع من خلال استخدام هذه العلاجات بالمساعدة على تحسين المعطيات الصحية للمريض بواحدة من المراحل الحياتية الدقيقة، بل يمكنه طباعة أيقونة الشفاء بعد أن كانت هذه الأمراض تمثل مستقبل اليأس بالشفاء، بل تتعدى لاعتبارها شهادة الموت برسم التنفيذ.

 اسباب انحصار استخدام العلاج الكيماوي
المؤسف أن استخدام العلاجات الكيماوية المتوفرة ينحصر بالمراحل المرضية المتقدمة لأسباب يصعب حصرها، فقد يكون ذلك بسبب ثمنها الباهض سواء على مستوى الجرعة الواحدة أو التكلفة الكلية أو آثارها الجانبية التي تمثل عنوانا للتعكير الصحي والمزاجي لتفرض قيودا بحرية الأداء لادخارها لكسوف الحرمان، أم نزعة الخوف والايمان الزائد تراهن على إمكانية عبور المركب العلاجي بدون التحليق في الفضاء الكيماوي، أو ربما يكون السبب بنقص الخبرة الطبية الكافية لاستخدام العلاجات الكيماوية فهي تعطى بواسطة فريق طبي ضمن مسارات علاجية يصعب الانحراف عنها تحت أي ظرف، ولكن استمرار تسجيل نجاحات شفائية متتالية لمدى من الأورام يبعث برسالة تحذيرية ونصيحة علاجية بضرورة البدء المبكر لرصف الخط العلاجي ورصد ميزانيته ضمن التكلفة المادية بمراحل مرضية تساهم بحماية المرضى من المعاناة التي يفرضها المرض حتى بذكر اسمه.
الأطباء المعالجون والجراحون مطالبون بدراسة طبيعة واستخدام العلاج الكيماوي لمحاربة الأمراض السرطانية، يرافقها بلورة خبرات متخصصة ضمن الطاقم الطبي لتحديد الجرعات العلاجية، سياسة تمكن الفريق المعالج باتخاذ القرار الصحيح بتوقيت استخدام العلاج، خصوصا أن العديد من الخطط العلاجية تتطلب استخدام أكثر من علاج كيماوي بالجرعة الواحدة، ففرص الشفاء تتضاعف بحكمة اختيار المرضى وتشخيص المرض بدقة متضمنا درجة الميز ومرحلته بربط تاريخ التكاثر والنمو ضمن المسار المكتشف، لتحديد العلاج/العلاجات ذات التأثير الأكبر بالشفاء.
للأسف، فلا يمكن الجزم أو التعشم لإدراج جميع المرضى تحت مظلة التناسب لاستخدام الأدوية الكيماوية كخط علاجي رئيسي، فهناك معايير عديدة تحكم درجة النسبية للمرضى بفرص الشفاء نتيجة الاستخدام، ولاحتساب المريض بقابلية العلاج، فذلك يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية؛ طبيعة الورم السرطاني، حدود المد والانتشار، وحالة المريض السريرية. تحليل هذه العناصر والربط بين أركانها سيوصلنا لنتيجة باختلاف استجابة الأورام للعلاج، فعوامل زيادة الاستجابة تشتمل على حقائق مهمة؛ كيفية انتشار الورم السرطاني، وانتقال العلاج لداخل الخلية خصوصا أن الخلايا بالعموم توجد بمختلف مراحل النمو في أي وقت، ليبقى السؤال الأهم أمانة أخلاقية بتحديد ظروف استخدام العلاج الكيماوي كطريق علاجي!
المرض بأصنافه مرحلة بركانية لمناخ البيئة الصحية للفرد، يصعب تجاهله فيدخل بدون استئذان، ومحاربته بقصد الشفاء تتطلب التعاون المطلق بالتوقيت المناسب بين معشر الأسرة الطبية والمريض وخصوصا بمرض السرطان اللعين، ومعامل الأبحاث الطبية والجهود العلمية تعمل على مدار الساعة لإماطة اللثام عن أسرار الشكال المختلفة للأمراض بهدف طرح الخطط العلاجية الشفائية التي تمنح الفرد العزم للاستمتاع، فالحياة على كوكبنا تجعلنا فراشة تنتقل من زهرة لأخرى لرشف رحيقها حتى إذا جاء القدر نكون قد استمتعنا بسنوات العمر بقدر فهمنا للحياة، عبرة يدركها الباحثون عن السعادة ويفتقر اليها أصحاب الأرصدة وسنكمل، فللحديث بقية.
خبرات 

يمكننا تلخيص مبادىء محاربة الأمراض السرطانية بواسطة العلاجات الكيماوية واشكالها المختلفة بتفقيط تأثيرها ضمن الحقائق التالية: فالحقيقة الأولى توضح أن فرصة استمرار نبضات القلب كمؤشر للحياة تتناسب تناسباً عكسيا مع العدد الكلي للخلايا السرطانية، والحقيقة الثانية تتمثل بقدرة الخلية الواحدة على التضاعف لدرجة التأثير على إيقاف نبضات مؤشر الحياة، بينما تتجلى الحقيقة الثالثة بقدرة معظم العلاجات الكيماوية على فرض علاقة واضحة بين جرعات العلاجات وقدرتها على استئصال المرض للقضاء عليه، وأما الحقيقة الرابعة فتتلخص بثبات فاعلية الجرعة الواحدة لقتل جزء ثابت من الخلايا بصورته النسبية وليس عدد محدد من الخلايا بغض النظر عن عدد الخلايا المتوفر أثناء مرحلة العلاج.
Kamilfram@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com