الثلاثاء، 22 يناير 2013

الخصائص المتميزة لبيوت أجدادنا!

صورة

إن من بعض العوامل المهمة في خلق أجواء مريحة في داخل الأبنية صيفاً شتاءً هو نوع مواد البناء المستعملة في البناء، كالطين والقش والحجارة الطبيعية، فهي مواد مناسبة جداً للبناء من حيث المقاومية الحرارية (الطين والقش، مثلاً) صيفاً شتاءً، ومن حيث اللون الخارجي الذي يتمتع بخاصية عكس أشعة الشمس في فصل الصيف، وأيضاً بقدرة خاصة على قلة ابتعاث الحرارة Emissivity في فصل الشتاء، كالطين وبعض الحجارة الطبيعية. ويبدو أن هذه الخواص قد اكتشفها أجدادنا بتكرار المحاولات والخبرات المتراكمة عبر القرون الطويلة من التطور التاريخي.
إن لون الطين والقش، وكذلك لون الحجر الطبيعي المائل إلى الأصفر الفائح أو إلى اللون البني اللامع؛ إنها ألوان مناسبة جداً للصيف والشتاء معاً. فالحجر اليوم، الذي يتم قصه بالمناشير الميكانيكية ليصبح ناصع البياض أملس السطح، يفقد في فصل الشتاء، بفعل الابتعاث الحراري حوالى 90 % من الطاقة الحرارية التي يكتسبها من تدفئة المنزل الداخلية، فيما تبتعث حصى الوديان والحجارة الطبيعية، مثلاً، نسبة 50 % من الطاقة الحرارية فقط. وهذا ما جعل من البيوت التقليدية التي تمتع أجدادنا في العيش بداخلها أماكن أكثر دفئاً في فصل الشتاء، وبالتالي أكثر راحة ومتعة.
 ولا ينبغي أن يُظن أن الحجارة البيضاء ستكون أفضل كفاءَة في فصل الصيف، فقدرة الرخام أو الحجر على امتصاص أشعة الشمس تبلغ 44 – 53 %، وبالمقابل فإن الزلط والحجارة التقليدية تمتص 29 % فقط من أشعة الشمس الساقطة عليها. وهذا يعني أن الأبنية التقليدية التي أشادها أجدادنا كانت ألطف جواً في فصل الصيف الحار أيضاً، وبالتالي كانت أكثر راحة ومتعة للسكن فيها.
 فضلاً عن دور نوع مواد البناء ولونها في جعل أبنية الأجداد منازل مريحة صيفاً شتاءً، فإن طبيعة تصميم البناء ونمط استعماله كانت تؤدي وظائف مهمة كذلك. إذ كانت أغلب الأبنية السكنية تتألف من قاعة كبيرة للاستقبال فيها مصطبة مرتفعة بداخلها «نقرة» للتدفئة. والنقرة هي حفرة في الأرض كانت توقد النيران فيها للتدفئة وغلي القهوة والطبخ، فيما كانت النار مشتعلة طوال اليوم لتسهم في تخزين الحرارة في الجدران السميكة التي كانت تمنع الموجات الحرارية الصيفية الحارة في الخارج من الدخول إلى داخل المنزل فيما تقاوم خروج الحرارة في فصل الشتاء البارد.
 لذلك، كانت درجة حرارة جدران بيوت أجدادنا من الداخل تظل عند درجة الحرارة نفسها، تقريباً، وذلك خلال فصول السنة كافة، كحال المغر والكهوف إلى حد ما.
كذلك، كانت الأبنية متراصة وعدد الواجهات المكشوفة محدود، فيما كانت أجزاء منها مردومة تحت الأرض لخدمة الغرض نفسه في منع اكتساب الحرارة في الصيف أو لمنع فقدان الحرارة في الشتاء؛ أما الجزء الذي يظل مكشوفاً من الواجهات، كالواجهة الجنوبية، فكان الغرض منه السماح بدخول أشعة الشمس إلى أرجاء المكان كافة في فصل الشتاء عندما تكون زاوية الشمس مع الأفق أقل ما يمكن.
 إن الراحة الحرارية في داخل بيوت أجدادنا في فصلي الصيف والشتاء كانت تنبع في واقع الأمر من حقيقة أن درجة حرارة سقف البناء والجدران الرئيسة المحيطة بالبناء كانت مستقرة، فإننا نتوقع أنها كانت تتراوح ما بين 15 – 17 درجة مئوية في فصل الشتاء، وربما كانت ترتفع إلى 20 درجة كحد أقصى في فصل الصيف. وهذا ما كان يجعل من موائلهم مكاناً مريحاً تماماً في فصل الصيف، وربما بارداً قليلاً في فصل الشتاء.
 لذلك، وبهدف رفع درجة حرارة الهواء الداخلي للتعويض عن برودة الجدران الداخلية في فصل الشتاء، كانت «النقرة» المتموضعة على المصطبة مكاناً لإشعال الحطب لتدفئة المكان، فيما كانت الفتحات في الأسقف وأعالي الجدران توفر التهوية الكافية للدخان كي يخرج من مواقع الاشتغال نفسها من دون أن يتحرك في داخل الفناء الداخلي ليزعج القاطنين في المنزل. فإذا توافرت فتحات أخرى في مناطق أخرى، كما هي حال أبنيتنا اليوم، التي تكثر فيها الفتحات الخارجية، لأصبح هناك حركة للدخان سوف تعيق السكن المريح ،في داخل الفناء وتزعج سكانه.
كذلك، كانت الحيوانات توضع في مكان ما عند المدخل الخارجي، الأمر الذي كان يجعل منها مصدراً إضافياً للدفء بفعل الإشعاع الحراري لأجسام الحيوانات الدافئة.
فضلاً عن ذلك كله كانت هناك مواد التموين التي كانت تخزن في داخل البناء، من قمح وشعير وزيت وعدس وتبن ونحو ذلك، وجميعها مواد تساعد على تخزين الحرارة في فصل الشتاء وبذلك تساهم في تلطيف الجو واستقرار درجة حرارته في فصلي الصيف والشتاء. لقد كانت هذه المواد جميعها تشكل كتلة حرارية ضخمة Thermal Mass في داخل البناء تساعد على تثبيت درجة الحرارة واستقرارها خلال فصلي الشتاء والصيف، وبالتالي تساهم مساهمة فاعلة في جعل منازل الأجداد أماكن مريحة للسكن صيفاً شتاءً.
ختاماً، نحن لا نطالب بالعودة إلى بناء منازلنا على نمط بيوت أجدادنا، أبداً، بل ندعو إلى فهم آليات استثمار مواد البناء وتقنيات البناء وجغرافية المنطقة وأحوالها الجوية وحركة شمسها وزاويتها، وذلك في تصميم الأبنية الحديثة المعاصرة كي تكون أكثر دفئاً وراحة وتوفيراً للطاقة خلال فصل الشتاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com