الأربعاء، 23 يناير 2013

الزمـــن.. لايقــف ولايعـــود ابــداً!

صورة

نضال حمارنة - لطالما كنت أتخيل ، أن هناك شخصا ما يجلس وحيداً على أريكة مريحة في بهوٍ واسعٍ ، وأمامه على الجدار ساعة حائط يهتزّ بندولها أمام عينيه كل ثانية ، مُصْدِراً صوتاً رتيباً مكروراً ؛ يقتحم عليه الهدوء الحميم وكأنه يلاحق انفاسه ويضغط على أرقِّ عصبٍ في جسده . إنه الزمن .. الوقت .. الذي نعيش فيه وبه .. إنه الأيام والليالي ، إنه الماضي والحاضر والمستقبل .. إنه الحنين للحظات والأمكنة المحببة .. إنه التوق والرجاء في المستقبل . واللحظة الفاصلة لدى الفرد حين يسأل نفسه :
- ماذا صنعت إلى يومي هذا ؟ .
-ماذا أنجزت ؟.
 - وماذا تبقّى من أحلامي ورغباتي وطموحي !.
 -هل أكمل المسير ! .
-أم أبدل ما بدأت ! .
-...
-أم أتوقف !.
وهناك من يتحدث عن ساعة الحسم ، وآخر عن ساعة الصفر ، وثالث عن ساعة الحظ «اللي ما تتعوضش» ، ورابع عن ساعة النحس وهناك رواية تحمل هذا العنوان للكاتب الكولومبي ماركيز . وخامس يضبط عداد القنابل المفخخة لينشر الفزع والرعب معتقداً أنه يلعب على حواف الزمن . وحين نذكر أغاني الزمن الجميل كما يحب بعضنا تسميتها عن الساعة ؛ « إديني من وقتك ساعة .. وساعات ساعات .. وساعة بقرب الحبيب .. وساعة ما بشوفك جنبي ما اقدرش أداري وخبي أبكي من فرحة قلبي وأنسى العذاب ....» 

حكاية الساعة
أقدم ساعات الظل المعروفة في العالم (المَسلّة المصرية) ، شيدت حوالي 3500 ق.م . أما في بلاد الرافدين فقد استخدمت الساعة المائية لأول مرة ونقلها الصينيون ، كما استخدمت الساعة الشمعية في الرافدين ومن ثم انتقلت إلى الصين واليابان . وفيما بعد طوّر المصريون الساعات المائية ونقلها عنهم الإغريق ، واخترع أفلاطون الساعة المُنبهة التي تعتمد على دفع الماء في وعاء يحتوي على كُرات من الرصاص .كما استخدمت في اوروبا والهند المزولة والساعة الرملية . وفي القرن الرابع عشر استخدمت الساعة الميكانيكة في أوروبا وبعد قرنين اخترعت الساعات الزنبركية وساعات الجيب والساعات البندولية ، وفي القرن العشرين تم اختراع ساعة المتذبذبات البلّورية ثم الساعة الذرية الأكثر دقة على الإطلاق ، كما انتشرت مصانع لإنتاج ساعات اليد وغيرها . ومع تطور علم النفس الفيزيولوجي بدأ المختصّون يتحدثون عن الساعة البيولوجية للإنسان فيما يتعلق بمواعيد نومه وطعامه ، نشاطه الجسماني وتبدّله مع فصول السنة ، أو السفر الطويل ، أو زيارة أماكن جغرافية بعيدة أو مختلفة عن بيئته .
لقد أتفقت شعوب العالم منذ وقت طويل على تنظيم أمور حياتها اليومية قياساً للوقت ، وهناك مناطق في العالم تثمن الوقت ؛ للعمل وقت .. للتعليم وقت .. للاستراحة والاستجمام وقت .. وهناك مناطق أخرى تهدر الوقت وتتذاكى وتتباهى على ضياعه بروح اتكالية عالية . وعندما نقارن بين مستوى معيشة هؤلاء وأولئك نجد المعايير المتناقضة عن مفهوم الانتماء ، وبناء المستقبل ووووو.. !

هل يعود الزمن إلى الوراء؟
حين شاهدت فيلم ( حالة بينجامين بوتون الغرائبية) من بطولة النجم براد بيت والنجمة كيت بلانشيت ؛ تذكرت بقوة الأصوات التي تحلم بالعودة بنا الى الماضي ، ففي كل بقاع الأرض صدى لتلك الأصوات للأسف الشديد كبعض الاتجاهات السياسية المعروفة في بلادنا وغيرها كحركة طالبان ومجموعة الآميش في أميركا. لكون بعضهم لم يجد حلولاً لمعضلات لايقدر على حلها أو تفهمها ، أو لأنهم يستسهلون النظر لتلك المآزق الشخصية أو العامة فيعودون للماضي القريب أو البعيد أو القصيّ ؛ إلاّ أن الزمن لايرحم أحداً يحاول إيقافه ، فأهل الكون جميعاً يعيشون في زمن واحد ويؤرخون لحيواتهم بتقويمه وبساعاته ودقائقه . فلنعد لقصة الفيلم : كان هناك صانع ساعات أعمى اسمه « غاتو» أوكل إليه صناعة ساعة محطة نيوأورلينز ، بعد أن جاءه نبأ مقتل ابنه في الحرب العالمية الأولى . أكمل صناعة الساعة ؛ لكنه صممها عمداً لتدور عقاربها بالعكس ، عسى أن ترجع بالزمن إلى الوراء فيعود قتلى الحرب ويعود معهم ابنه . وبينما يحتفل أهالي المدينة بنهاية الحرب العالمية الأولى ، يموت صانع الساعات ويولد طفل لابنته على هيئة عجوز ثمانيني ، متجعد البشرة ومنظره مخيف ، والدته تفارق الحياة بعد ولادته ، أما والده فيشمئز من منظره ويضعه أمام مأوى للحالات المرضية النفسية . تأخذه إحدى العاملات وتسميه بنجامين بوتون وتصر على تبنّيه . ينمو جسم بنجامين بالعكس ويبدو عمره الزمني أصغر ، يتعرّف في حياته على الكثير من الأشخاص إلاّ أن أكثرهم تأثيراً على حياته كان البحّار الذي أخذه معه على متن سفينته ليجوب بلدان العالم المختلفة .. وديزي تلك الفتاة الصغيرة التي تعلق بها حين كان عمرها 12 عاماً وكان هو الطفل السبعيني ... دارت الأيام وعاد من الإبحار فوجد صديقة طفولته وقد أصبحت راقصة باليه شهيرة ، حاول التودد إليها والارتباط بها لكنها ماطلت وأوحت إليه بأنها تريده ولا تريد الارتباط باحد كي لا يشغلها ذلك عن مسارها الفني على مسارح الباليه العالمية .... يمضي الزمن بالجميع ، تصدم سيارة الراقصة الشهيرة ديزي فتتهشم ساقها ، يعودها بنجامين على هيئة رجل في الخمسين من العمر ، يقدم لها العناية والرعاية ويطلب يدها للزواج مرة ثانية ، لكنها ترفض في البداية وترفض وجوده بجانبها رغم حبها له ... بعد تماثلها للشفاء يعاود بنجامين الطلب فترضى ويتزوجان .. تكبر ديزي ويصغر بينجامين والحب يبقى هو الحب أو أكثر ، يرزقان بطفلة فيبدأ الرعب من عكس دورة الزمن يلف أيام وليالي بنجامين ، هو الآن في الخامسة والعشرين وديزي على أعتاب الأربعين . كيف سيتعامل مع ابنته التي تكبر ، ومع جسده الذي يصغر . فيقرر ترك أسرته وهجرها إلى البحار من جديد ، بعد أن يترك لهم كل ممتلكاته . يراسلهم من هناك تباعاً إلى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه طفلاً صغيراً مصابا بالخرف تحضنه ديزي وتبذل له كل ما يحتاج حتى يفارق الحياة رضيعاً وديعاً . 

عقارب الساعة تمضي للأمام
عادةً الناس لا تحب التغيير وتحديداً السريع لأنها تخاف من الخضات السريعة ، فالناس يستهويها ما اعتادت عليه ، لكن المتغيرات من حولنا أقوى من أن ندير وجهنا لها ، أو نغفل عن وجودها ، أو لانصنع شيئاً لتدارك تبعاتها ، إننا نرى ما حولنا يتغير وإن أبى بعضنا هذا التغيير أو رفَضَه ؛ لكنّه حادث بالفعل . إن الخوف الذي ينتاب بعض المُنظرين ، يجعلهم يرجون الزمن أن يقف فجأة ، ويثّبّت لهم أنظمة لم تعد تصلح لهذا الزمن وتلك الشعوب ؛ رعباً من دعاة أو مجموعات أصولية ركبت الموجة التغييرية . فبدلاً من العمل الجاد ، وطرح الأفكار المُبتكرة ، والحلول المُستقبلية الواضحة ، نراهم يمسكون عقارب الساعة لإيقافها .. بذلك يلتقون ، للأسف عن وعي مع أولئك الذين يُعيدون عقارب الساعة للوراء 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com