الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

المديح يرقى بالأبناء والذم يعيدهم للخلف


منى أبو صبح

عمان- يبادر الأربعيني أبو سيف دائما لمدح أبنائه الصغار "خصوصا عندما يتصرفون أو ينجزون شيئا مميزا"، إذ يرى أن هذا الأمر يعمل على "مضاعفة اجتهادهم ليظهروا كل إمكاناتهم".
وينوه أبو سيف إلى أن مدح الطفل "ضروري من أجل بناء ثقته بنفسه"، فالطفل "يشعر بالبهجة عندما يبلي بلاء حسنا ويلقى الإطراء على ما أنجزه"، ويشعر بالإحباط عندما يبالغ الأهل في ذمه تجاه سلوك ما.
ويستنكر أبو سيف مبالغة بعض الآباء في تأنيب أطفالهم والإساءة اللفظية لهم، مبينا "أنتقد صغاري عندما يخطئون، ولكن يصل الأمر للذم بالكلمات القاسية والجارحة".
ويعد مدح الأطفال زادا لهم يقويهم ويطور من سلوكياتهم، في الوقت الذي يعمل ذمهم وتجريحهم وتأنيبهم على هدم ثقتهم بأنفسهم، ما يؤثر ذلك سلبا على نفسيتهم وفق ما أكده مختصون.
تشعر سحر الشامي (32 عاما) بضرورة مدح أبنائها وأهميته في حياتهم، وتسعى دائما لتطبيقه سواء قبل الفعل أو أثناءه أو بعد الانتهاء منه، وفي بعض الأحيان تعزز هذا المدح بالمكافآت والهدايا.
تقول "أتعارض مع زوجي دائما في معاملة أبنائنا، فسرعان ما يبالغ بذمهم تجاه سلوك خاطئ"، مضيفة عندما يتقدم أي منهم بصنع عمل جيل يستحق الثناء عليه "لا يولي له اهتماما يذكر"، ما يدفعني لتنبيهه لأهمية المدح والأثر السيئ للذم المتواصل في تكوين شخصيتهم".
الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد يؤكد أهمية المدح بالنسبة للأطفال، فالطفل يشعر بالأمان والثقة بالنفس، فالأهل يحتاجون لدعم الأهل وخاصة الأم، فعندما يسمع مجاملة أو تعليقا إيجابيا على شيء فعله، فإن مثل هذا الأمر يجعله يمتلك المزيد من الثقة في المستقبل.
ويقول أبو زناد "على الأم مكافأة طفلها على المجهودات التي يبذلها ليحقق أمرا معينا بدلا من القيام بمدحه فقط بسبب النتيجة النهائية، وتعلم أن مثل هذا الأمر سيجعله يؤمن بأن المجهود نفسه أهم من الإجادة في النتيجة النهائية".
ويلفت للأثر السلبي الكبير لذم الأطفال أو انتقادهم اللاذع، وكذلك المقارنة بين الأشقاء أو الآخرين، بالتأكيد سينجم عنها حالة نفسية سيئة تنعكس بثقته بنفسه وفي تكوين شخصيته، يصاب حينها بالإحباط وعدم القدرة على تحسين سلوكياته.
"المبالغة في المدح تفسد غايته" كما حدث مع الطفل رامي سمحان (10 سنوات)، الذي أصيب بالغرور في معاملته مع أشقائه وزملائه في المدرسة لاعتقاده بأنه الأفضل والأحسن ممّا حوله.
تقول والدته منذ الصغر ورامي متميز، فهو متفوّق في تحصيله العلمي، ونشيط جدا داخل المنزل سواء في الترتيب والنظافة وحتى طريقة تناوله للطعام، "ما يدفعني دائما ووالده لمدحه أمام أشقائه وتفضيل أدائه عنهم، وللأسف انعكس هذا الأمر سلبا على شخصيته".
ويرى عزمي دلو (38 عاما) أن البعض يتفنن في نقد أبنائه أو ذمهم، وأكثر ما يزعجه سلوكيات صديق له عندما يقوم بذم أحد أبنائه وتوبيخهم أمام الحاضرين، فسرعان ما تبدو علامات الخجل من احمرار وجه، وغضب شديد على الابن تجاه ذلك.
ويقول "حاورته مرارا وتكرارا بأنه مخطئ في تعامله مع أبنائه بهذه الطريقة"، متابعا أنّه بيّن له بأنه يمكنه انتقاد أبنائه بأسلوب أبسط من هذا، وليس أمام الآخرين، ضاربا له مثالا له بتوجيه سؤال له "كيف تشعر عندما يوبخك مديرك في العمل أمام زملائك".
التربوية ومديرة إحدى المدارس الحكومية د.أمل بورشك، ترى أن مدح الأبناء "يرقى بهم" لأنه يجلب لهم الصلاح والتقويم الهادئ لسلوكاتهم الخاطئة، أما كلمات التوبيخ واللوم المستمر التي تملأ بها آذان الأطفال فهي "لا تدفعهم إلى الأمام بقدر ما تصيبهم بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس".
وتقول "إن دور الآباء يسهم بتعليم وتطوير مهارات الأبناء، لأن الآباء لهم تأثير على جميع جوانب نمو وتطور الطفل الإدراكية، الجسدية، الاجتماعية، العاطفية والصحة العامة ما يسهم في إثارة دافعيتهم نحو التعلم وحب الأهل وعدم تشكل عقد نفسية لديهم".
تلفت بورشك لضرورة ابتعاد المعلمين عن إثارة أسلوب المقارنة بين الطلبة، والاعتماد على العمل بروح الفريق وتبادل الخبرات بدمجهم معا في العمل وعدم بث الفرقة في نفوسهم مثل أنت شاطر وأنت كسلان أو تعزيز التنمر للقوي، بل توزيع الواجبات على الأطفال وفقا لقدراتهم.
عبارات الذم لها آثار سلبية تقع على الأبناء، وفق بورشك، والتي قد تكون "سبب انحرافهم أو امراضهم النفسية أو فشلهم في حياتهم وقلة ثقتهم بأنفسهم"، ومن هذه الجمل: إنك غبي، إنك كذاب، أو إطلاق ألقاب لا تليق به، فيعتاد الطفل سماعها، ولا يتأثر بأبعادها وينتهج أسلوبا فاشلا يصبح جزءا من حياته يعزز سلبيته.

muna.abusubeh@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com