الخميس، 27 ديسمبر 2012

الطلاق عبر الرسائل "الخلوية" لا يحتمل المزاح و"لا يقع" إلا بالنيّة


عمان- صدمت الاربعينية أم نهاد برسالة قصيرة وصلتها عبر هاتفها النقال من زوجها المسافر لتوه الى بلد عربي، جاء فيها (انت طالق).
وما صعّد من صدمتها انها لم تكن اختلفت معه على اي امر قبل سفره، وان حياتهما كانت مستقرة، خالية من المشكلات كما تقول، غير ان زوجها اصر على الطلاق، وبالفعل طلقت منه رغم ان لهما من الابناء ثلاثة.
ربما أضحى الطلاق عبر الرسائل القصيرة للهواتف النقالة، وسيلة من يعانون ضعفا في الشخصية، وعدم قدرة على المواجهة والمكاشفة، ممن يجدون في الرسائل تلك حواجز زمانية ومكانية تقيهم عواقب ردود فعل من يتلقاها وفقا لمعنيين، مشيرين الى ان وسيلة الطلاق عبر الرسائل النصية او حتى بوساطة مواقع التواصل الاجتماعي تدل على إفلاس صاحبها وضعف حيلته.
ولم يكتف اشخاص باستخدام مواقع التواصل تلك للطلاق كما عمد مؤخرا احد الاشخاص الى تطليق زوجته عبر الهواء مباشرة، بل ان احدى السيدات وضعت صورة عن ورقة طلاقها مشفوعة بصورة لها تعبر عن بهجتها بهذا الحدث، الامر الذي اعتبره معنيون اختراقا كبيرا للخصوصية الفردية التي ظلت إلى وقت قريب مطلبا وهدفا.
لا خلاف بين علماء الدين الإسلامي الحنيف على أن الرجل إذا تلفظ بالطلاق قاصداً فقد وقع طلاقه، سواء علمت المرأة أم لم تعلم، هذا ما يقوله سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، ويزيد بان للرجل أن يطلق زوجته، سواء في حال حضورها أو غيبتها، فلا أثر لحضور الزوجة أو عدمه في وقوع الطلاق.
وعن الطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة يقول سماحته ان في ذلك تفصيلا، فإن كان عبر وسيلة يتقابل فيها الشخصان مباشرة، فحكم الطلاق عن طريقه كالطلاق الوجاهي، أما إن كانت وسيلة الاتصال مما لا يتقابل الشخصان فيها مباشرة كالطلاق كتابة فهو من الطلاق الكنائي لا يقع إلا بالنية، ويشترط لوقوع الطلاق الكتابي سواء كان عبر (الإيميلات) أو (المسجات) عدة شروط وهي، أن تكون الكتابة واضحة بحيث يمكن قراءتها بسهولة للقارئ من غير تقطع للكلمات أو اختفاء للحروف، وأن تكون تلك الكتابة موجهة إلى الزوجة ومرسلة إليها، فيجب التأكد أن الذي قام بكتابة الرسالة وإرسالها إلى الزوجة هو الزوج فعلاً لا غيره؛ لأن الطلاق لا يقع من غير الزوج، وكذلك ألا يكون الزوج مدهوشاً أو مكرهاً حال كتابة الرسالة  وأن ينوي الطلاق عند الكتابة. ويؤكد ان شرط النية قد نص عليه قانون الأحوال الشخصية في المادة (83) ب، حيث جاء فيها: "لا يقع الطلاق بالكتابة الا بالنية".
وفي سياق متصل يقول سماحة الشيخ الخصاونة، إن لفظ الطلاق الصريح يقع سواء أكان المطلق جاداً أم هازلاً، قال صلى الله عليه وسلم:"ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة". ويلفت الى انه إذا أوصل الزوج الرسالة التي تضمنت تطليقها إلى الزوجة وعلمت بمضمونها، فيحرم عليها كتمانها أو إخفاؤها أو عدم الاقتناع بها، بل الواجب عليها أن تراجع زوجها في الموضوع فإن أقر بالكتابة وبقصد الطلاق فقد وقع الطلاق وعليها مراجعة المحكمة الشرعية أو دائرة الإفتاء العام.
ويعرج الخصاونة في السياق ذاته على أسباب انتشار الطلاق، ومنها ضعف الوازع الديني عند الأزواج، وعدم القدرة على تحمل مسؤوليات الزواج ما يسبب تفاقم الخلافات التي قد تؤدي إلى الطلاق، كما لا ينبغي إهمال الجانب المادي والظروف الاقتصادية في هذا الموضوع.
ويدعو الشباب والشابات لتقوى الله تعالى، وان لا يتساهلوا في أمور الطلاق ولا يتلاعبوا به، مشيرا الى ان على الزوجين ادراك أن الصبر والعفو عن الزلات هما أفضل طريق لسير العلاقة الزوجية بشكل سليم. وينوه بانه على الزوجين اللجوء إلى الطرق الشرعية في حل المشكلات التي تواجههما، قال الله سبحانه وتعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاق بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا".
مساعد الامين العام لشؤون الدعوة والتوجيه الديني في وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور عبد الرحمن ابداح، يقول ان الطلاق بهذه الطريقة يدل على افلاس صاحبها وضيق افقه وضعف حيلته، وعدم قدرته على تحمل تبعات قراراته.
المتخصص في علم النفس الارشادي الدكتور نايف الطعاني، يقول ان من يعاني من ضعف في شخصيته لا يستطيع المواجهة فيتخذ من الهاتف المحمول ستارا واقيا لعجزه عن المكاشفة والمصارحة واعتماد الصراحة مهما كانت جارحة.
في كثير من الاحيان تستخدم رسائل الهاتف الخلوي ليس فقط لتبليغ الزوجة بالطلاق وفقا للدكتور الطعاني، لكنها للاساءة لاشخاص بألفاظ نابية، او للتجريح او المعاتبة وغير ذلك من رسائل تعبر عن الضعف والعجز في المواجهة لافتا الى ان هذا الشخص لو كان بمواجهة مباشرة مع من وجه اليهم رسالته الجارحة لعجز عن ذلك لا بل وقد يجاملهم مختبئا وراء ضعفه.
ويعزو ما يحدث في إطار ما اطلق عليه (طلاق الرسالة الالكترونية) لما يسمى في علم النفس (الأم الفصامية) اي تلك الأم التي تكره وتحب في ذات الوقت، بمعنى اننا نحب وردة مثلا، فنقطفها، وهذا الحال ينطبق على من يطلق زوجته عبر الهاتف لأنه واثق من انها ليست سيئة، لكنه يريد ان يقنع نفسه بذلك لان في ذهنه اجندة معينة، كالزواج الثاني مثلا، فلا يستطيع مواجهتها بالطلاق المباشر لانه واثق من تعسفه باتخاذ القرار ولانه يحبها في قرارة نفسه، ولا يريد أن يرى الحزن في عينيها بشكل مباشر فيهرب الى الوسيلة غير المباشرة.
ويفسر ان من يتصرف على هذه الشاكلة يكون قد عاش صراعا داخليا يحاول التخفيف من وطأته عبر الحواجز الزمانية والمكانية، لافتا الى ان البعض قد يطلقون عبر رسالة قصيرة ثم يعودون ويبررون بانها مجرد (مزحة)، الامر الذي ينبغي تجاوزه، فقضايا مصيرية كهذه لا تحتمل الهزل او الاستهتار بمشاعر الزوجة، وتبليغها بالقرار ببرودة أعصاب.
وقد يلجأ البعض وفقا له الى تبرير سلوكهم بان الرسالة أرسلت بالخطأ، في محاولة لاعتماد وسيلة دفاع تحفظ له خط الرجوع عن قراره، مؤكدا أهمية المصارحة في العلاقات الزوجية لتفادي الوقوع في اي قرارات مصيرية تعسفية.
ويستهجن من يقوم بإشهار طلاقه او تطليق زوجته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يفقدهم الخصوصية التي من المفترض أنها تحمي مسيرة الافراد وحياتهم.
استاذ علم الاجتماع في جامعة عمان الأهلية عزمي منصور يرى أن من يقوم بتطليق زوجته عبر رسالة نصية بواسطة الهاتف المحمول، او بواسطة اي وسيلة تكنولوجية اخرى هو اعجز من ان يواجه الحقيقة او قراره المصيري بسبب ضعف شخصيته التي تضطره الى اللجوء لاساليب غير مباشرة، ولعدم قدرته على تحمل رؤية ردة فعل زوجته اذا طلقها وجها لوجه متسائلا: كيف يمكن للرجل اتخاذ قرار الطلاق المصيري دون قدرته على مواجهة زوجته بقراره. -(بترا- إخلاص القاضي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com